وزير الشؤون البرلمانية المغربي: ثمة أخطاء واكبت الاعتقالات التي جرت وقانون مكافحة الإرهاب يهدف إلى تفاديها

TT

يرى سعد العلمي الوزير المغربي المكلف العلاقات مع البرلمان (وزير الشؤون البرلمانية) أن المخاوف التي عبرت عنها جمعيات حقوقية ونشطاء في مجال حقوق الانسان بشأن قانون جديد حول مكافحة الارهاب يناقشه البرلمان حالياً، ليس لها ما يبررها.

وكانت جمعيات ومنظمات تعمل في مجال حقوق الانسان دعت الحكومة الى سحب القانون الذي سيقوض في رأيها، مكتسبات حققتها البلاد في مجال الحفاظ على الحريات. لكن العلمي يؤكد أن الحكومة لا تعتزم سحب القانون، مشدداً على أن من حق البرلمان ادخال تعديلات على مشروع القانون. ورغم أن هيئة تضم عدة جمعيات حقوقية تشكلت لمناهضة هذا القانون، وقامت الخميس الماضي بمظاهرة احتجاج أمام البرلمان، فان العلمي يعتقد أن مشروع القانون لن يواجه صعوبات كبيرة وسيتم اقراره من طرف البرلمان، بل يرجح اقراره قبل العاشر من مارس (آذار) المقبل حيث يتوقع أن يختتم البرلمان دورة استثنائية.

واستبق العلمي، الذي ينظر اليه كرجل حوار هادئ لا تعوزه الحجة لاقناع الذين يختلفون معه في الرأي، تأثيرات محتملة لمعارضي القانون على تحالف الغالبية المساند للحكومة، وعقد معهم اجتماعاً تنسيقياً قبل أن تبدأ مناقشة المشروع في «لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان» في مجلس النواب.

ويقول العلمي ان القانون الجديد كان لا بد أن يأتي لأن المغرب وقع على 17 اتفاقية دولية لمحاربة الارهاب في حين أن قوانينه الجنائية لا تشتمل على أية عقوبات على جرائم الارهاب. و أشار الى أن المغرب تبنى المفهوم العربي لجريمة الارهاب حتى لا يقع الخلط بين «الارهاب» و «المقاومة المشروعة» لأي احتلال.

ويعتقد المسؤول المغربي أن هناك مسألتين أديتا الى معارضة القانون. الأولى تتعلق بتداعيات 11 سبتمبر (ايلول) ، والثانية ترتبط بتمديد فترة الاعتقال المقررة لاستجواب المشتبه فيهم والتي تعرف مغربياً « بالحراسة النظرية، ذلك أن القانون الجديد يقر اعتقال كل من يشك في وجود علاقة له بجريمة ارهابية لمدة 144 ساعة (حوالي ستة أيام) قابلة للتمديد مرتين 96 ساعة (أربعة أيام) في كل مرة بناء على أذن من النيابة العامة. ويبرر العلمي هذا النص مشيراً الى أنه من الأفضل أن تكون فترة الاعتقال مقننة بدل أن تتم خارج القانون ومن دون رقابة قضائية.

ويقر العلمي بوجود «أخطاء» واكبت حملة اعتقالات جرت في الآونة الأخيرة لمجموعة أشخاص يشك في أن لهم ارتباطات مع تنظيم القاعدة أو تنظيمات أصولية متطرفة.

وكانت منظمات حقوقية نددت في وقت سابق بتلك الحملة، وقالت ان «عمليات اختطاف» جرت في بعض المدن لعدد من الأشخاص. كما أقر بحدوث تجاوزات. وقال «بالفعل هناك حالات جرت فيها عمليات اعتقال ولم تخطر أسر المعتقلين بذلك»، لكنه أوضح «حتى لا تتكرر مثل هذه الأخطاء فان القانون الجديد يقنن الأمور».

وفي موضوع آخر يستشف من خلال بعض أجوبة العلمي أن الحكومة المغربية الحالية تعتزم تغيير أسلوب تعاملها مع البرلمان. والمؤكد أن العلمي، وهو حقوقي درس الصحافة، أنيطت به هذه المهمة، لذلك يؤكد أن مشاورات جرت وستجري مع مهتمين ومعنيين قبل احالة أي قانون على البرلمان. ويقول بلهجته الواثقة «جرت اتصالات مع جمعيات حقوقية وأشخاص مهتمين قبل أن تتبنى الحكومة القانون الجديد لمكافحة الارهاب». ويزيد قائلاً «الأمر لا يقتصر على هذا القانون بل يشمل جميع القوانين المهمة ومن ذلك مثلاً القانون المتعلق بالانتخابات».

وفي موضوع آخر كشف العلمي خلال حوار دام ساعتين ولم يكن كله للنشر، النقاب عن المشاورات التي أجراها ويجريها ادريس جطو الوزير الأول (رئيس الوزراء) مع النقابات وأرباب العمل. وقال انها تهدف الى الوصول الى «ميثاق اجتماعي» جديد متفق عليه بين جميع الأطراف وعلى ضوئه ستحال من جديد «مدونة الشغل» (قانون العمل) التي كانت الحكومة قد سحبتها من البرلمان بعد أن تعثر اقرارها عدة سنوات. وأوضح العلمي ان الميثاق الجديد سيشتمل على «حزمة» من القوانين والتدابير الجديدة التي يؤمل أن يحصل عليها اتفاق كل الأطراف ستتحقق على صعيد القوانين الجديدة والتغطية الاجتماعية والتقاعد، مع اقرار كل طرف بضرورة تقديم تنازلات ممكنة للحصول على مكاسب. وقال العلمي ان جطو أتبع منهجية جديدة في الحوار مع النقابات وذلك بالاستماع الى كل نقابة على حدة مما سهل وضع تصور للحلول الممكنة. في الاجتماعات التي كانت تجري من قبل ويحضرها الجميع كانت كل نقابة تعمد أحيانا الى المزايدة على النقابات الأخرى لتسجل موقفاً لصالحها، أما في اللقاءات المنفردة فان كل نقابة تطرح مطالبها بوضوح. هكذا يعتقد العلمي. وتوقع العلمي على ضوء هذه المعطيات أن يقر البرلمان «مدونة الشغل» قبل بداية الصيف المقبل.

وأعلن أن الحكومة ستطلع البرلمان على برامجها القطاعية المدققة وسيشمل ذلك آجال انجاز ووسائل تمويل أي مشروع وذلك لضمان تواصل مثمر بين الجانبين.

ويعد العلمي الذي خبر جيداً العمل البرلماني حيث أنتخب كنائب في عدة برلمانات، من المطلعين على « خبايا» اللعبة البرلمانية، كما تمرس كثيراً بصفته عضوا قياديا في حزب الاستقلال في العمل السياسي، لذلك ينظر اليه باعتباره أحد أبرز «الوجوه» السياسية في الحكومة الحالية. ومن هذا المنطلق يمكن التعامل مع وجهة نظره حول الانطباع السائد حول انقسام حكومة جطو الى «فريق سياسي» و«فريق تكنقراطي» كرأي يعتد به، فهو يرى أن هذا التقسيم يبقى نظرياً أكثر منه تقسيماً فعلياً.

الحكومة يفترض أن تعمل كفريق منسجم لتنفيذ برنامج متفق عليه، ولم يحدث مطلقاً أن عرفت اجتماعات الحكومة انقساما في الآراء أو نقاشاً حاداً، لكن في السياسة وكما هو الشأن في الرياضة، فان الخلل في المراكز وفي أسلوب اللعب يتضح بعد أن تبدأ المباراة، آنذاك يمكن اللجوء الى أن معالجة الخلل كلما بدا أن هناك خللا هكذا تبدو له الأشياء.

وعلى مستوى الممارسة ينفي العلمي، الذي عادة ما يحدث تأثيراً ملحوظاً في نفوس الذين يحاورهم، أن تكون واجهته أية مشاكل مع نواب حزب العدالة والتنمية (أصولي معتدل) الحزب الأعلى صوتاً ضمن صفوف المعارضة. ويقول «بكل موضوعية، الحكومة حريصة على أن تلعب المعارضة دورها لان ذلك يثري النظام البرلماني والقرارات المهمة في الدول العريقة في الممارسة البرلمانية تتخذها داخل البرلمان».

وبشأن ما ذكر حول عزم الوزير الأول أن يتخذ له مكتباً في البرلمان في اطار نهج «الحوار الدائم» بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية، يقول العلمي مبتسماً «قرأت ذلك في الصحف لكن الخبر ليس صحيحاً». ويوضح قائلا «المبنى الحالي للبرلمان كان لا يتسع حتى لأعضاء مجلس النواب فما بالك كيف أصبح عليه الوضع مع اضافة مجلس المستشارين (الغرفة الثانية)... الذي سيكتمل تشييد مبانيه في نهاية السنة الحالية، اذن الفكرة حتى ولو وجدت فهي غير قابلة للتطبيق عملياً. واذا كان الغرض هو التشاور بين الوزير الأول والبرلمانيين من أعضاء المجلسين أستطيع أن أؤكد جازماً أنه يلتقي باستمرار مع برلمانيين، كما أنه يعقد بانتظام اجتماعات مع كل مكونات الغالبية البرلمانية».

وبالنسبة لشكوى بعض النواب من أن بعض الوزراء لا يحضرون نهائياً الى البرلمان والاشارة بالدرجة الأولى الى وزير الداخلية والأمين العام للحكومة، يفسر العلمي بكياسة «وزير الداخلية (مصطفى ساهل) تكون عادة لديه ارتباطات ملحة يومي الثلاثاء والأربعاء وهما اليومان المخصصان لأسئلة البرلمانيين في مجلسي النواب والمستشارين، لذلك يتعذر عليه الحضور. أما الوزير المنتدب لدى وزارة الداخلية (فؤاد عالي الهمة) فالواضح أن البرلمان ليس من ضمن مهامه كمسؤول حكومي. وبالنسبة للامين العام للحكومة (عبد الصادق ربيع) فالوضع مختلف، لأن الأمين العام للحكومة له مركز قانوني خاص يميزه عن الوزراء في اطلاعه بالمهام المسندة اليه غير أنه فيما يرتبط بالصلاحيات التنفيذية التي تدخل في مجال اختصاصاته فان الحكومة تسأل عنها وتجيب. وفي ختام هذا الحوار الذي جرى في مقر وزارته في الرباط بدا العلمي واثقاً من أنه سيحقق انجازات لافتة خلال تقلده مهامه الحكومية. وقال بتواضعه الملحوظ «نعمل حالياً على الاستفادة من الأنظمة المعلوماتية لمتابعة العمل البرلماني، انتظروا أخباراً مهمة في هذا الصدد في غضون أسابيع».

اعتاد سعد العلمي دائماً أن يسير الى أهدافه بصبر وأناة.

هل سيصل هذه المرة؟