تصعيد متوقع في مستوى الاغتيالات وعلى القائمة شارون وموفاز والرنتيسي وضيف والزهار

TT

جاءت عملية اغتيال الدكتور ابراهيم مقادمة في غزة، امس، بصواريخ المقاتلات الاسرائيلية، بمثابة تصعيد خطير للتوتر بين الحكومة الاسرائيلية وجيشها المحتل من جهة وبين حركات المقاومة الفلسطينية عموما و«حماس» بشكل خاص، من جهة اخرى.

وارتفعت قائمة التصفيات لدى الطرفين عدة درجات مرة واحدة لتشمل ابرز القادة السياسيين. فهددت «حماس» باغتيال وزير الدفاع الاسرائيلي، شاؤول موفاز، ولمحت برفع المستوى حتى رئيس الوزراء، ارييل شارون. واطلقت اسرائيل الاشارات بأن قادة «حماس» السياسيين لم يعودوا خارج دائرة التصفيات.

ويرى المراقبون بحق، ان الاستمرار في هذا التصعيد، سينقل المنطقة الى مرحلة الارض المحروقة، بحيث لا تعود هناك محرمات لدى الجانبين، مما يعني ضرورة التدخل الدولي الفوري او الانفلات الكامل والقضاء على احتمالات الانفراج. ولا شك في ان توقيت هذا التصعيد، في هذه الفترة بالذات، عندما اقتنعت القيادة الفلسطينية بالمطلب الاسرائيلي والدولي تعيين رئيس وزراء فلسطيني، يهدد بنسف هذا التطور، ويضع عقبات كأداء في طريق رئيس الحكومة الفلسطينية المعتدل، محمود عباس (ابو مازن)، تهدد بنسف الجهود لتنفيذ الاصلاحات الفلسطينية والعودة الى طاولة المفاوضات.

المعروف ان مقادمة هو احد مؤسسي حركة «حماس» الاوائل. ويعتبر احد كبار المنظرين لها، الذي وضع لها اسس العمل. ومن خلال عمله كمحاضر في الجامعة الاسلامية في غزة، قام بالترويج لفكرها السياسي. وقد اعتقل في السجون الاسرائيلية 10 سنوات بعد ادانته بوضع برنامجها للكفاح المسلح، وقيامه بتجنيد عدد من قادة جناحها العسكري، في مقدمتهم صالح شحادة، الذي اغتيل في السنة الماضية مع افراد عائلته وجيرانه (16 قتيلا فلسطينيا سقطوا من جراء اغتياله يومها، معظمهم اطفال ونساء). كما عرف بمعارضته الشديدة لسياسة السلطة الفلسطينية. لكنه حرص على ان تكون معارضته لها سياسية، بالخطابات والمحاضرات والمقالات. واعتقلته السلطة الفلسطينية لعدة اسابيع، لكنها اطلقت سراحه مع اندلاع الانتفاضة.

وتعتبره «حماس» احد قادتها السياسيين. وتعتبر اغتياله بمثابة اعلان حرب شاملة على جميع القادة، بدءا بالشيخ احمد ياسين وحتى الدكتور محمود الزهار واسماعيل ابو شنب وعبد العزيز الرنتيسي، اضافة الى قائد الجناح العسكري محمد ضيف، الذي نجا من عدة محاولات اغتيال واصيب في آخر هذه المحاولات بجراح شديدة جعلته مقعدا. ولهذا، اعلنت ان هذه الحرب ستطال القادة السياسيين الاسرائيليين. وحددت موفاز بالاسم. كما دعا وزيران في الحكومة الاسرائيلية، هما زعيم الاتحاد اليميني المتطرف، افيغدور ليبرمن، والوزير بلا وزارة، مئير شطريت، الى تصفية كل قادة «حماس».

وعلى اثر هذه التصريحات، دبت الحرارة في القنوات الدبلوماسية بين الغرب واسرائيل. فسارع ناطق سياسي باسم حكومة الدولة العبرية يعلن ان اغتيال مقادمة لا يشكل اي تصعيد من طرف اسرائيل «انما هو تنفيذ قرار قديم جدا، لم ينفذ في الماضي بسبب وجود مقادمة بين جمهور من المدنيين». لكن «حماس» لم تقبل هذا المنطق، وقررت ان كل شيء سيكون مفتوحا من الآن فصاعدا، وان كل العمليات العسكرية ستكون مباحة.

الجدير ذكره ان قوات الاحتلال الاسرائيلي امتنعت خلال السنة ونصف السنة الاولى من الانتفاضة عن المساس بقادة بارزين في «حماس». وكانت ترد حتى على عمليات «حماس» بتوجيه الضربات القاصمة الى اجهزة السلطة الوطنية الفلسطينية، الامنية والمدنية، والى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ومقرات الرئاسة في غزة والخليل وجنين وبيت لحم والتي بلغت اوجها بمحاصرة عرفات عدة مرات وعلى مدى شهور في مقره في رام الله. ولفت هذا التمييز النظر، إذ تساءلت وسائل الاعلام الاسرائيلية كثيرا وبالحاح عن سبب امتناع الجيش عن المساس بقادة «حماس».

وفي الاشهر الاخيرة اقدمت قوات الاحتلال على تنفيذ عدة عمليات تصفية ضد قادة «حماس»، مما اعتبر مرحلة جديدة في الصراع. وهي تقرر اليوم تصعيدا جديدا في هذا الاطار. ويلاحظ ان «حماس» لم تكتف بتهديد القادة السياسيين الاسرائيليين بل قالت انها ستعود لسياسة تصفية عملاء الاحتلال الفلسطينيين «الذين باتوا يشكلون خطرا حقيقيا على مجمل العمل الوطني والمقاومة». وقد اثار هذا التصريح فزعا في صفوف القوى الوطنية الفلسطينية، التي كانت قد امتنعت عن مثل هذا الاجراء لفترة طويلة. فهي، رغم ادراكها خطورة ظاهرة العملاء الواسعة جدا، كانت قد قررت معالجتها باسلوب آخر يتسم بالحكمة والمودة (بواسطة اقناع افراد عائلات هؤلاء العملاء بلجمهم). اذ انها تخشى ان يتحول اللجوء الى تصفية العملاء الى معارك وصراعات داخلية وحرب اهلية. اذ ان العملاء كثيرو العدد (بضعة الوف). وقسم كبير منهم يعمل في الخفاء، وعائلاتهم لا تعرف انهم عملاء ولا تصدق انهم عملاء. واغتيالهم قد يثير نقمة لدى اهاليهم والرغبة في الثأر، مما يعني انها سترتد الى نحر اصحابها، وقد يفيد اسرائيل اكثر من غيرها.

لذلك، لم تكن صدفة ان توجه رئيس الوزراء المرتقب محمود عباس (ابو مازن) الى «حماس»، امس، داعيا الى عدم الانجرار وراء الاسرائيليين «الذين يريدون لنا ان نتورط في حرب اهلية حتى ننشغل عن الاحتلال ومقاومته».