الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي لـ«الشرق الأوسط»: العراقيون غيروا رأيهم ووجهوا دعوة للوفد العربي

دوافع الإماراتيين نزيهة وبغداد لم يرد بعد * الحرب ستقسم العراق وتؤدي إلى صراع في المنطقة * لن نتنافس مع الإيرانيين ما داموا يريدون حل الأمور سلميا مع العراق * لسنا خائفين من صواريخ الديمقراطية بل من صواريخ سكود

TT

* لم نسع لإقصاء الجلبي ولم ولن نتدخل في شؤون من يحكم العراق * رفضنا المشاركة في الحرب في أفغانستان لكننا منحنا الأميركيين ممرات جوية * الخلاف بين الدول الكبرى حول العراق مزر ومخيف * بوش بعث برسالة خطية موقعة إلى ولي العهد السعودي يعده فيها بالعودة إلى عملية السلام بعد الحرب.

* في فندق قصر المؤتمرات في جدة خصص الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي نحو ساعة من وقته للحديث الى «الشرق الأوسط» وتلفزيون المستقبل، حيث تحدث عن موقف بلاده من تطورات الأزمة العراقية التي ازدادت تعقيدا ذلك المساء بعد ان قدم كبيرا المفتشين الدوليين تقريرهما الى مجلس الامن الذي انقسم اعضاؤه بما ينذر بأخطار جديدة.

قلت للأمير سعود، الذي عرف بقلة احاديثه للاعلام العربي، انه يحمل بشكل عاطفي لواء مكافحة فكرة الحل العسكري، فرد بقوله: ارجو الا يفهم الامر عاطفيا، بل المسألة واردة من العقل. كانت الأسابيع الماضية مشغولة بحركة سفر غير عادية اعطت انطباعا واضحا حول محاولات السعودية وضع تصور لمواجهة الأزمة العراقية التي تهمها بشكل مباشر بسبب حدودها الطويلة شمالا وانعكاسات الحرب المحتملة على مجمل اوضاع المنطقة.

حاورت هذا الرجل الذي عرف بمهاراته الدبلوماسية، والذي كان شاهدا ومشاركا في متابعة وحل قضايا المنطقة منذ ايام الحرب الاهلية اللبنانية وما لحقها من حروب ونزاعات عربية. وتمحور الحديث تحديدا على القضية العراقية التي بقي على امر حسمها ايام معدودة وبدا على وجوه الجميع قلق واضح.

* الوفد العربي الموجود حاليا في نيويورك، الذي يمثل الجامعة العربية والمجموعة العربية هناك.. هل الهدف اقناع الولايات المتحدة أم اقناع مجلس الامن؟ وما صيغة الحل التي يحملها؟

ـ في الواقع اصبح وفدا خماسيا، لأن سورية اشتركت في الوفد، بالاضافة الى مصر والبحرين وتونس ولبنان وعمرو موسى من الجامعة العربية.

ودوره اطلاع الامم المتحدة واستطلاع واجبات التنفيذ على العراق، والسعي الى اقناع المجموعة الدولية بالتوافق مع المقترح العربي او القرار العربي الذي صدر وهو حل الازمة بالعراق، السياسية والدبلوماسية، واعطاء فرصة للعمل الدبلوماسي.

* هل في يدهم مشروع حل سلمي؟

ـ الحل السلمي الذي يرتكزون عليه هو القرار الذي اتخذ في شرم الشيخ من الجانبين، والدعوة الى حل سلمي مع الواجبات العراقية بتنفيذ قرارات مجلس الامن، خاصة القرار 1441. وفي هذا الاطار سيستطلع من بليكس والبرادعي والامين العام ما هي القضايا التي يراد للعراق ان ينفذها. ويذهبون الى العراق بجدول يطالبون فيه بتنفيذ هذه القرارات حتى يتجنب الضربة العسكرية.

* هناك مشكلتان في هذا الموضوع; الاولى يقول العراق ان كل الصواريخ دمرها، وبالتالي ما هو المطلوب منه؟ والنقطة الثانية: من يملك الحق في تخويل المجموعة العربية الفرصة هذه، ومن هو صاحب القرار؟

ـ صاحب القرار هو مجلس الامن من دون شك. أما الجزء الآخر من سؤالك، فهناك إجماع عالمي، بل رأي عام عالمي نما، والذي غذته في الحقيقة الدبلوماسية العربية ضد الحرب.

والخشية من هذا الواقع ان يقرأ خطأ في العراق لان هناك اجماعا دوليا آخر، وهو اجماع على ضرورة تنفيذ العراق قرارات مجلس الامن.

فالوفد العربي امامه مسؤوليتان: ان يقنع الدول الدائمة العضوية واعضاء مجلس الامن بأن العراق سينفذ، ويقنع العراق، في الوقت نفسه، بالتنفيذ. فالمهمة غير سهلة اذا تطرقنا الى تاريخ المداولات في مجلس الامن.

* الطرف العراقي يقول بأن لا اسلحة لديه، وليس هناك اي شيء ليدمره. والطرف الآخر اي الاميركي يصرّ على ان هناك اسلحة مخبأة، وبالتالي انتم تعودون الى المربع الاول من جديد.

ـ الذي يقرر ذلك، مجلس الامن، هناك فرق تفتيش اوكلت اليها مهام معينة طالبت العراق بقضايا محددة.

فالوفد سيستطلع من الفرق المفتشة ما هي الاشياء التي على العراق ان ينفذها الآن عسى ولعل يحصل على هذا البرنامج وان يوافق العراق على تنفيذه في مهلة محددة.

* في شرم الشيخ رفض الجانب العراقي استقبال اي وفد عربي يتجه الى بغداد. هل غيّر رأيه؟

ـ الآن توجد دعوة من العراق للوفد العربي بأن يزور بغداد.

* في هذه الحالة هل سيحمل الوفد العربي ايضا الطرح الاماراتي؟

ـ في الواقع ان الطرح الاماراتي قُدم وشرحت الامارات هدفها منه اولا لمجلس التعاون، وثانيا للمؤتمر الاسلامي. من دون شك هو طرح جريء من الامارات، وأهمية الطرح انه صادر عن الامارات، والشيخ زايد شخصيا، وقد عُرف بمواقفه القومية الواضحة طوال عهده، وهذا ما يجعل الطرح نزيه الدوافع، ودافعه ليس الاساءة للعراق بل بالعكس حماية العراق من شرور المواجهة العسكرية، وهذا ما جعل مجلس التعاون يدفع بهذا القرار.

* الطرح الاماراتي يدعو الى تنحي صدام عن الحكم، ويعطيه اسبوعين فقط من تقديم المبادرة بحيث تخرج القيادة العراقية من بغداد، هل انتم مع الاماراتيين في الطرح؟

ـ بطبيعة الحال ان من يكون نزيه التفكير في هذه الامور لا بد ان يعتبر ان اسرع طريقة لحل الموضوع هو ما تقدمت به الامارات، ولكن قدمت بشكل نصيحة وليس بشكل إلزام. القرار قيل للعراق قيادة وشعبا اذا كانوا يتقبلون هذا المقترح ام لا، والمقترح لم يأت من جهة خارجية أو من جهة لها نية ضد العراق، بل أتى من دولة عربية عُرفت بمواقفها الانسانية ومواقفها القومية، وهي نصيحة لله، للعراق في هذا الاطار ولكن من يقبلها ومن يرفضها، هو العراق وشعب العراق.

* في تصريحاته الاولى اعتبرها العراق دعوة للاستسلام، دعوة للانهزام، وبالتالي رفضها العراقيون؟

ـ لم اسمع ردا رسميا من العراق، ولكن اعتبر ان الرد أتى عن طريق المباحثات التي اجراها الوفد العراقي في المؤتمر الاسلامي مع المبعوثين الاماراتيين، ولا اعتقد انها كانت بهذه الصورة.

* هناك تصريحات للسفير العراقي لدى الامارات بالرفض، انما هل وردتكم اجابة رسمية من العراق؟

ـ لم ترد اجابة رسمية، وفي الواقع لا اتوقع ان يكون هناك اجابة رسمية غاضبة على المقترح، لان مقترح الشيخ زايد، وكل ما يتوخاه، هو مصلحة العراق.

* من عنده الجرأة لحمل هذا الطرح رسميا وتسليمه شخصيا للقيادة العراقية في بغداد؟

ـ حصل الطرح على اية حال.

* السؤال من سيسلمه؟ هل سيجرؤ الوفد العربي عندما يذهب الى بغداد على تقديمه من ضمن الاوراق؟

ـ الطرح موجود سواء باليد.. ما هو الفرق باليد او غير ذلك؟

* الخطورة؟

ـ انا لا اقدر ان اتنبأ بهذا الامر.

* اذا افترضنا ان الاجابة من بغداد كانت ايجابية وقررت القيادة العراقية قبول الطرح الاماراتي بالتنحي، هل عندكم في المملكة استعداد لاستضافة صدام حسين؟

ـ لا.

* أنتم منحتم اللجوء لعيدي أمين، ونواز شريف وهناك آخرون؟

ـ كفاية علينا ذلك.

* هل هناك تفكير حول أين ستكون استضافته؟

ـ هذا موضوع تنبؤات ولسنا في صدد التنبؤ في هذا، ولكن اذا ارادت القيادة العراقية التنحي فهي التي ستبحث عن المكان الذي تريد التنحي اليه.

* ألم يبحث ابدا موضوع المكان، مع اطراف عراقية أو مع اطراف عربية اخرى؟

ـ من قبل المملكة تقصد؟

* نعم.

ـ نحن لم نبحث بتاتا في موضوع العراق وتنحي السلطة في العراق الى ان جاء مقترح الشيخ زايد.

* في حال كان الرفض بقبول مقترح الشيخ زايد هل الحرب حتمية؟

ـ لا نريد ان نتنبأ به بهذا الشكل. بذلنا منذ البداية جهدا مضنيا في هذا البلد، منذ ان بدأت الازمة ومنذ بدأت تتفاقم لإقناع الجميع بضرورة الحل السلمي، وألا يكون هناك تفكير في العمل العسكري، لأن مجرد التفكير فيه يخلق ديناميكية لهذا العمل.

الآن، الحركة تجاه الصدام تتحرك تلقائيا، بصرف النظر عن العوامل ـ نحن نحاول جهدنا ان نشرح مخاطر هذه الحرب، ليس فقط على العراق، وليس فقط على المنطقة، ولكن على مصالح اميركا نفسها.

* هل مخاوفكم من الحرب في جزئها مخاوف على المملكة العربية السعودية؟

ـ المخاوف على المنطقة، وماذا سيحصل اذا ما وقعت الحرب على العراق، اذا هدمت البنية التحتية، اذا قضي على الامن الداخلي للعراق، اذا قسمت الفئات في العراق الى فئات متناحرة، بدل ان تكون فئة وطنية واحدة، من الذي سيجمع هذه الاطراف المتناحرة بعد ذلك؟ سيكون من المستحيل توحيده. ان مؤدى الحرب هو تقسيم العراق، وتقسيم العراق سيؤدي الى صراع في المنطقة، الوضع الجيوبولوتيكي لا يحتاج الى رجل فذ في الذكاء ان يعرف ذلك.

فخارطة العراق توضح ذلك: جيران العراق، التقسيم في العراق، ماذا سيحدث في هذه الجوانب.

سنكون مقبلين على فترة نزاعات طويلة، لذا فتجنب الحرب هو الخيار المنطقي، والامر الذي يحفظ مصالح الجميع.

* في حال حدوث شيء من هذا القبيل (التغيير) سواء الخروج سلما او حربا، هل تعتقدون ان هناك امكانية لتثبيت قيادة عراقية محددة؟ وهل في بال احد في المجموعة العربية بما فيها المملكة العربية السعودية، مَنْ سيحكم بغداد غدا؟

ـ انا لن اتطفل بذلك، وانا اعلم علم اليقين ان العراق يمتلك امكانيات بشرية وفكرية ووطنية. لا تنس أن العراق بلد منذ آلاف السنين موجود وحضارته معروفة، وتأثيره على الحضارة العالمية واضح، فالافتراض انه لن يحصل اتفاق على قيادة داخلياً من العراق وبرجالات العراق وبفكر العراق وبتأييد الشعب العراقي، اعتقد ان هذا فيه تطفل واستنقاص بالامكانيات العراقية، ونحن لن نكون طرفاً فيها.

* الايرانيون قدموا فكرة الاحتكام الى الانتخابات؟

ـ طلبوا استفتاء، وهذه الفكرة مطروحة والقرار النهائي فيه للعراقيين.

* هل هناك تنافس بينكم وبين الايرانيين في التأثير على الاحداث المقبلة؟

ـ نحن نريد ان تحدث الامور سلمياً، وايران تقول انها تريد حل الامور سلمياً، واذا كان الوضع كذلك فليس هناك تنافس.

* هل تعتقدون ان التغيير في العراق سيكون، كما يخشى او يُقال، بداية تغييرات في المنطقة؟

ـ لا ارى الربط. فالتغييرات التي ستكون في المنطقة في حال حدوث حرب لا سمح الله انها تتهدد بالدخول في صراعات جديدة. كفانا ازمة. الآن نحن قادمون على العقد السادس من الأزمة الاسرائيلية التي سمّمت الأجواء في منطقة الشرق الاوسط وجعلت منها منطقة قابلة للتفجر، وهناك ازمة عراقية جديدة ونذكر ان لها 12 سنة ونصفاً الآن.

* يُضاف اليها العقد الذي سبقها...

ـ العقود التي سبقتها من الأزمات. اضافة الى ذلك تفكيك العراق والصراعات التي احتدمت، هذا هو الذي يخيف. اما مقولة اننا لا نريد هذا التغيير في العراق لأنه سيؤدي الى اننا سنهاجم بأفكاره الديمقراطية في المنطقة، فأقول بكل صراحة نحن نفضل ان نهاجم بصواريخ الديمقراطية الجيفرسونية من ان نواجه بصواريخ السكود وغيرها من الصواريخ.

* صواريخ «البوشية» هذه المرة..

ـ سمِّها ما تشاء، ولكن على اي حال فأميركا متزعمة حركة الديمقراطية في المنطقة هل تحتاج لدولة اخرى لتسير في هذا الطريق؟ نحن لا نخشى هذا الشيء (الديمقراطية).

* احمد الجلبي وهو احد قيادات المعارضة العراقية في الآونة الاخيرة صرح بأن المملكة العربية السعودية تحاول اقصاءه من احتمالات الحكم، فهل لكم علاقة بالمعارضة العراقية سابقاً او لاحقاً؟

ـ نحن لم نتدخل في الشؤون الداخلية في العراق ولم نسع الى اقصاء اي طرف، او ادخال اي طرف. كانت هناك اتصالات منذ زمن بعيد بالمعارضة ووجدنا ان الشيء الأسلم هو ان تسير المعارضة في طريقها عسى ان يُحل الوضع العراقي بقرار عراقي داخلي، وهذا ما نتمناه وليس لنا اي هدف او رغبة في اقصاء احد او ادخال احد. هذا شأن عراقي كامل.

* اتفاقية صفوان تحكم العلاقة بين العراق واطراف مختلفة بما فيها الولايات المتحدة، ووضع القوات الاميركية في المنطقة..

ـ الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا..

* وفقاً لذلك ما هي طبيعة وجود القوات الأميركية في المملكة العربية السعودية؟

ـ طبيعتها تنفيذاً لقرارات صفوان، التي اوجدت حظراً للطيران في منطقة جنوب العراق، وهذه الطائرات الموجودة وهي طائرات اميركية وفرنسية وبريطانية تقوم بهذا الواجب وما زالت تقوم بهذا الواجب.

* الا توجد مثلاً نية في تقديم تسهيلات للاميركيين؟

ـ نحن اعلنا ان سياسة المملكة عدم المشاركة بشكلٍ او بآخر في اي هجوم على العراق.

* اليست هذه مشكلة؟ انتم لكم علاقة مهمة وأساسية مع دولة عظمى وهي الولايات المتحدة. وفي حرب افغانستان انتم رفضتم التعامل مع الهجوم العسكري الاميركي على حكومة طالبان وعلى افغانستان بشكل عام. لكن هناك دولاً اخرى بما فيها ايران اعطتهم ممرات جوية وسمحت لهم باتفاقية ما تُسمى عملية الطوارئ والانقاذ. كيف اصبحت الآن ايران مستعدة للتعامل مع الاميركيين، وانتم الذين لكم علاقة دائمة وطويلة مع الاميركيين اصبحتم الآن الواقفين ضد هذا التعاون؟

ـ نحن علاقتنا مع الولايات المتحدة لم تأتِ أبداً على حساب المصلحة الوطنية، ومسؤوليتنا هي خدمة الشعب السعودي وحفظ أمن واستقرار المملكة العربية السعودية. وبالتالي فان علاقتنا بأي دولة كانت كبيرة ام صغيرة حدودها الدنيا العلاقات، والحدود القصوى المصلحة الوطنية للمملكة العربية السعودية.

* هناك هجوم عليكم في الصحافة الاميركية في قضية الحرب في افغانستان على ان السعودية كانت دولة رافضة للتعاون مع الحملة الاميركية في حين كانت هناك دول اخرى تعاونت.

ـ الحملة على الارهاب نحن نشارك فيها بشكل عميق وقوي وبشكل مؤثر ليس صحيحاً أننا لم نوافق على مرور الطائرات في الأجواء السعودية اثناء الحرب في افغانستان، ولكن عدم مشاركتنا في حرب افغانستان، لا يعكس بتاتاً عدم تماشينا مع الحرب ضد الارهاب. ولأجل ذلك اعتقد ان اكثر المعلومات التي جاءت في حرب افغانستان وضد القاعدة كان مصدرها من المملكة العربية السعودية.

* لكن عسكرياً..

ـ لم نشارك فيها، ونحن لن نشارك، وهذه سياسة اعلنتها القيادة الحكيمة في هذا البلد، في اي قتال ضد اي دولة مسلمة.

* رغم وجود مخاطر عليكم في العراق؟

ـ المخاطر نحن نعتقد انها يمكن ان تُحل سلمياً. وقلنا سابقاً انه اذا كانت الأمم المتحدة قررت ان هناك ما يسمونه الاختراق وشرحت ما هو هذا الاختراق وكان خطيراً الى درجة انه يهدد أمن الشعب السعودي، فالقيادة ستأخذ قرارها في ذلك الوقت. وفي الوقت الحاضر لا مشاركة.

* عند مراجعة الخلاف بين الفريق الاوروبي: المانيا ـ فرنسا مع مجموعة من الدول الاخرى ضد اميركا.. هل ندخل معه تاريخاً جديداً من الصراع الدولي؟

ـ نحن نرى في هذا شيئاً مؤسفاً حقاً، خاصة ان الخلافات بين الفريقين ليس لها اتصال مباشر بمشكلة العراق بقدر ما يكون هناك علاقة مباشرة بخلافات سياسية بين دولهم، وهذا يُرجعنا الى عالم الاستقطاب الدولي.

نحن اعتقدنا انه بعد انتهاء الاستقطاب الدولي سيكون هناك عهد من العمل السياسي الدولي مبني على اسس جديدة، أسس تراعي الشرعية الدولية، أسس تُبنى على التضامن ضد العدوان والتوسع، أسس مبنية على ان يكون هناك مساواة في النظرة الى الدول، فلا يشعر الصغير انه مضغوط عليه وان مصالحه مسلوبة، وأرى في الاختلاف الحاصل في مجلس الأمن وضعاً خطيراً جداً، لافقاد الأمم المتحدة هيبتها، لافقادها قدرتها على التصدي للمشاكل خاصة أننا نتطلع الى دور مهم للأمم المتحدة في قضية الشرق الاوسط بتنفيذ قراراتها في هذا الاطار. فهذا الانشقاق مز في الحقيقة.

* مزر أم مخيف؟

ـ مزر ومخيف في الوقت نفسه. نحن نأمل بالتخلي عنه. الذي وضح الآن بالانقسام الصادر عن دول الامم المتحدة الدائمة العضوية هو ان تحمل لواء الشرعية الدولية الدول غير الدائمة العضوية وتخرج بحل، ونحن نشجع ذلك ونساند اي مجهود من الدول غير دائمة العضوية.

* هل استخدام القوة كما نراه اليوم لحسم نزاع يعتبر سابقة من نوعها وخطيرة بغض النظر عن المخالفات العراقية؟

ـ في الواقع سبق استخدام القوة تحت المادة السابعة من ميثاق مجلس الأمن. وهو جزء من الميثاق وهذا لا ننكره، وكل القرارات التي أتت بشأن الحالة بين العراق والكويت مبنية على اساس الفقرة السابعة من ميثاق مجلس الأمن.

* جاءت بموافقة واضحة من مجلس الأمن. ولم يكن هناك خلاف على تفسير القرارات..

ـ هذا ما يجعلني دائماً استغرب ان الخلاف الحقيقي بين اعضاء مجلس الأمن ليس على استخدام القوة، وهو وارد في الفقرة السابعة من ميثاق الامم المتحدة، ولكن متى ستستخدم القوة وكيفية استخدام القوة، هذا يجب ان يتضح في اجراءات مجلس الامن. فمسؤولية مجلس الأمن ليست فقط في تنفيذ قراراتها ولكن بنفس القدر في تأمين الصلابة والقوة والفاعلية. انه يجب عليه ان يحفظ امن واستقرار وسلامة اراضي ووحدة الدول الاعضاء، فلا يجوز ان يُستخدم مجلس الأمن كأداة لاعطاء ترخيص العمل العسكري يجب ان يعالج القضية من اساسها. وقضية العراق هي تنفيذ قرارات مجلس الأمن وبالتالي على الأمم المتحدة ان تحاول تنفيذ هذه القرارات بالشكل الذي يحفظ للعراق وحدته، يحفظ للعراق سيادته، يحفظ للعراق استقلاله وأمنه الداخلي، وهذه في غاية الاهمية فانت لا تستطيع ان تأخذ جزءا من مسؤوليات مجلس الأمن وتجعلها تطغى على الاخر، فاذا انت في طريقك الى ازالة اسلحة الدمار الشامل قضيت على دولة العراق، قضيت على دولة مستقلة، تقسمت البلاد فانت لا تكون في الحقيقة عملت بميثاق الأمم المتحدة بل خالفت ميثاق الامم المتحدة.

* لقد أشار الرئيس الاميركي جورج بوش الى انه ينوي العودة الى الموضوع الفلسطيني بعد نهاية الأزمة العراقية. هل بلغتم بهذا رسميا؟

ـ سمو ولي العهد لديه رسالة خطية موقعة من الرئيس (بوش) يعد فيها بالمبادرة الى العودة الى عملية السلام في الشرق الأوسط، على اساس مقترحاته التي قدمها وعلى اساس المبادرة العربية.

* تعني مقترحات الرئيس بوش التي قدمت في الأمم المتحدة ومبادرة الأمير عبد الله؟

ـ في الامم المتحدة وعلى اساس مقررات المبادرة العربية للسلام.

* هل هناك توضيح اكثر في موضوع الالتزام الاميركي الذي كان في الرسالة؟

ـ هذا هو التوضيح الذي عندنا، ونحن نأمل ان يبدأ سريعا العودة الى خطة خريطة الطريق التي ذكروها وأخذوا عليها ملاحظات الجميع، وملاحظات الدول العربية. واكمال خطة خريطة الطريق يجعل المبادرة العربية نهاية الطريق الذي يرسمون خطته الآن.

* هل توجد لديكم مخاوف في حال نشوب حرب في العراق، بان يتطور النزاع مع اسرائيل في احداث صغيرة وتستغل في قضايا كبيرة من قبل اسرائيل ضد سورية او الفلسطينيين؟

ـ لا شك ان من اخطر العوامل التي يظهر شبحها الآن هو ان اسرائيل تريد ان تستغل اي عمل عسكري ضد العراق، والفوضى التي ستنجم لا محالة عن العمل العسكري لتنفيذ مآربها في اجبار الفلسطينيين على النزوح، في بناء المستعمرات، في اتخاذ اجراءات على الأرض لتحدد واقعاً جديداً يتعامل معها العالم من جديد، وهذه من المخاطر التي حذرنا منها، وحذر منها العالم العربي بأسره في كل قراراته التي اتخذها، والاتصالات الثنائية التي اتخذتها الدول العربية. من اخطر العوامل هذا العامل المتوقع حدوثه.

* ألم تنقلوا هذه المخاوف للولايات المتحدة باعتبارها الراعي الأول؟

ـ ابلغناها لجميع الدول الدائمة العضوية، وخاصة الولايات المتحدة.

* هل وردتكم تطمينات من الجانب الاميركي؟

ـ هناك وعود بأنه لن يسمح بهذا الشيء والمستقبل سيحكم على ذلك.

* التوجه فلسطينيا الآن هو لاستحداث منصب رئيس وزراء في داخل السلطة الفلسطينية ولم يسم صاحبه بعد، وطرح اسم (ابو مازن) ربما المرشح بشكل رسمي.

* هل هذا التطور يمكن ان يحل العقدة الاميركية مع الجانب العربي والفلسطيني؟

ـ الاصلاح في السلطة الفلسطينية تحتاج اليه فلسطين والسلطة الفلسطينية وليس لأسباب خارجية. انا اعتقد ان السلطة الفلسطينية اذا اجرت الاصلاحات التي تحتاجها سيفتح الطريق أمام اكتسابها اعترافاً دولياً بالدولة الفلسطينية، فنحن دائما ننظر الى الاشياء وننتظر الاخرين ماذا يصنعون، هذا منظورنا ونحن ابلغناه للسلطة الفلسطينية مباشرة.

* بتعيين رئيس مجلس وزراء؟

ـ اننا نعتقد ان الاصلاح وكسب الثقة الدولية والاعتراف بالدولة الفلسطينية شأن فلسطيني، فهم المسؤولون عن كيفية الوصول الى هذا الهدف لأن الدولة الفلسطينية منشأة بقرار مجلس الأمن، منشأة بقرار الأمم المتحدة والجمعية العمومية.

القرار الذي انشأ اسرائيل هو القرار الذي انشأ الدولة الفلسطينية، لا حاجة للفلسطينيين بان يكون هناك اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية. كل ما يحتاجون له ان يجروا الاصلاحات التي تكسبهم الثقة من العالم بأسره وليس دولة واحدة في العالم. ان الحكومة الحالية الفلسطينية هي اهل بالاعتراف كممثلة للشعب الفلسطيني، وهذا قرار تستطيع ان تتخذه الادارة الفلسطينية بمعزل عن اي عوامل.

فتذهب للأمم المتحدة وتطلب الاعتراف اذا كسبت الثقة واجرت الاصلاحات المطلوب اجراؤها.

* من جانب آخر يقول اسرائيليون ان الاصلاحات بما فيها توزيع الصلاحيات لم تمنح لرئيس الوزراء الفلسطيني إلا صلاحيات بلدية، في حين بقيت الصلاحية السياسية والادارية في يد الرئيس الفلسطيني؟

ـ ما دخل اسرائيل في الاصلاحات الفلسطينية؟

صاحب القرار في هذا هو الفلسطين وليست اسرائيل. باي حق يكون عدوكم والمتنازع معكم هو الذي يضع شروط الاصلاحات التي تسعون اليها؟

هل تقبل اسرائيل ان تفرض عليها فلسطين والدول العربية شروطا لاصلاحات سياسية داخلية.

هناك واقع يحاول ان يسمى بواقع يفرض بالقوة وهذا الواقع لن يكون مقبولا ولن يصير واقعا ابدا إلا اذا رضخ الناس له.

ان العالم العربي ليس عالماً مهزوماً يفرض عليه شروط يقبلها. العالم العربي ما زال بصحته وقوته ولاجل هذا الغرض كان مسعى ولي العهد لابراز هذا الواقع والخروج من الشعور بالهزيمة.. الشعور المتراخي، وان الدول العربية ليس من المفروض عليها ان تتراخى بل ان تشحذ همم الرجال وتسير في طريق نيل المصالح، ومبادرته التي اطلقها لاصلاح الوضع العام العربي واضحة للجميع.

* لماذا سحبت المبادرة؟

ـ لم تسحب وانما اجلت، واجلت لسبب ان مؤتمر القمة ليوم واحد ولا يمكن ان يعالج القضية العراقية والقضية الفلسطينية او مشروعا مثل هذا.

هذا المشروع مبني على المصداقية والجدية، فمن المصداقية ان نعترف اولا واخيرا ان اجتماعا ليوم واحد لا يمكن ان يعبر عن مصداقية في معالجة اصلاح بهذا الحجم وهذا القدر من الأهمية للعالم العربي.

* النقطة الرئيسية في مبادرة سمو ولي العهد هي مسألة تفعيل الجامعة العربية والقسم في ان لا يكون هناك لجوء للقوة؟

ـ في الواقع هي عناصر مترابطة اساسها المصداقية في التعامل، اساسها بناء التضامن العربي على اسس صلبة، وان تكون حلقات هذا التضامن مبنية على اقوى الحلقات وليس على اضعفها. وبالتالي يحتوي بقدر ما يحتوي على القسم وعلى الجدية في التعاطي مع الأمور، على الجدية في الالتزام بها وجعل الافعال بدل الاقوال هي التي تحكم الادارة. تحدث ايضا عن الاصلاحات التي يجب ان تحدث في الدول العربية حتى تكون هذه العناصر متراصة وكل اطرافها قوية وقادرة على ان تتحمل مسؤولياتها لمواجهة المستقبل بثقة وقدرة.

* طالما الحديث عن الاصلاح الداخلي يمكن ان يقال انظروا الى المملكة، لماذا لم تبدأوا بأنفسكم في مسألة الاصلاح بدلا من تقديم هذه المبادرة للمجموعة العربية؟

ـ طبعا انا لست الاخصائي في الاصلاحات في الداخل، ولكن كمواطن عربي اشهد في كل يوم قراراً اصلاحياً وقراراً في طريقه الى السير في الاصلاح.

هناك حركة دائبة في هذا الاطار، في هذا العهد.. في عهد خادم الحرمين الشريفين رأينا انطلاقات عديدة. النظام الأساسي للحكم، نظام المقاطعات، مجلس الشورى الآن البرنامج الذي تبناه سمو ولي العهد في الاصلاحات. ان المواطن في هذا البلد يعرف انه في حركة دائبة ومستمرة لانجاز الاصلاح، الاصلاح الذي يرغب فيه المواطن السعودي والذي يحفظ وحدة هذا الوطن واستقراره وضمان الأمن.

* في موضوع الأمن لا بد ان نعرج على المنظمات المتطرفة التي اتهمت فيها المملكة العربية السعودية بأنها تصدر الافكار المتطرفة والعنف. تحديدا السعودية مستهدفة بالنقد في هذا الجانب.

ـ بطبيعة الحال ستكون مستهدفة بالنقد في هذا المجال لانها هي التي رعت العمق الاسلامي والدعوة الاسلامية ولكنها لم تكن يوما تدعو الى التطرف. منذ سنين طويلة كانت الدول الغربية تدعو المملكة العربية السعودية إلى أن تكون هي الدولة التي تسعى الى تطوير المؤسسات الاسلامية في دولها وليس غيرها، لأن الرسالة التي كانت تتخاطب بها المملكة العربية السعودية كانت رسالة مقبولة، وكانوا يعرفون ويعلمون حق العلم ان ما تمارسه هو الأسلوب المعتدل في هذه الأمور والتفاهم والتعايش. وهذه الصورة لم تتغير ولكن الذي تغير الوضع الداخلي في داخل الأوساط الغربية. وبعد عمل ارهابي فظيع وشنيع في الولايات المتحدة في سبتمبر (ايلول) 2001، هذا الذي غير المفاهيم واصبح هناك بحث عمن يتحمل المسؤولية. ومن الاشياء المعتادة، ان تجد في فترة محن طرفا يحمل المسؤولية.

* كم تعتقد ان السعودية تتحمل نسبة من 5% الى 95%؟

ـ نحن اعلنا وقمنا بكل التحليل الداخلي، اذا كانت الاتهامات التي وجهت الينا صحيحة، ليس عندنا عُقُد في المملكة. في المكان الذي يتطلب فيه الاصلاح نقوم بالاصلاح، في المكان الذي توجد فيه تهمة لا مبرر لها نرفضها ولا نقبلها وسنبقى على نهجها خادمين للاسلام، خادمين للمسلمين. ولكن اذا كان هناك اي نواقص في هذه الاتجاهات من قبل اي جهة في داخل المملكة ستتخذ الاجراءات الكفيلة باعادة الصورة الى طبيعتها.

* في موضوع العاصفة الصغيرة التي حصلت مع ليبيا هل انتهت ام ما زالت قائمة؟

ـ انتهت، نحن نقدر ونعز الشعب الليبي ونضال الشعب الليبي. وفي الفترة الأخيرة كان هناك توافق مع القيادة الليبية ونحن نتفق مع ما اعلنه العقيد القذافي انه لا يمكن بعد بناء هذا الصرح من العلاقات بين البلدين ان يذهب هباء في ساعة غضب.