وزير خارجية السودان: مفاوضات السلام تواجه عقبات وهناك ترتيبات لعقد لقاء بين البشير وقرنق

إسماعيل لـ«الشرق الأوسط» : الحركة الشعبية تصر على تقرير مصير المناطق المهمشة والحكومة اقترحت إجراء انتخابات لاختيار الممثلين في المحادثات

TT

اعلن الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل وزير الخارجية السوداني ان مفاوضات المناطق الثلاث المعروفة باسم المناطق المهمشة (جبال النوبة وابيي والنيل الازرق) بين وفدى الحكومة والحركة الشعبية في كينيا تواجهها عقبات في الاجراءات وفي مواضيع المفاوضات، وانها تفكر جديا في اتمام لقاء على مستوى القيادة بين الرئيس عمر البشير وزعيم الحركة جون قرنق وتجري الترتيبات لمثل هذا اللقاء لضمان نتائج ايجابية جادة.

وجدد وزير خارجية السودان اتهاماته الى اريتريا بدعم وتدريب المعارضة في اراضيها، وكشف في حوار مع «الشرق الأوسط» ان اسمرة رفضت استقبال وزيرة خارجية جنوب افريقيا ورئيسة لجنة تقصي الحقائق في الاتهامات التي قدمها السودان للاتحاد الافريقي كما رفضت اقتراحها بوجود قوة سلام ليبية ـ نيجيرية على الحدود المشتركة، وكذلك كشف عن مساعي ست دول اوروبية وعربية لتحقيق التقارب مع اسمرة، ولكن الخرطوم اشترطت ايقاف الحكومة الاريترية لعدائها وايذائها للسودان.

وفي ما يلي نص الحديث:

* لماذا وافقت الحكومة على طلب الحركة الشعبية بالتداول حول المناطق الثلاث أو ما تسميه (المناطق المهمشة) رغم انها في حدود الشمال وليس الجنوب؟

ـ الحكومة تعترف ان هذه المناطق مثل مناطق اخرى في السودان لديها مشكلات صنعها التخلف الاقتصادي وتحتاج الى رعاية وتنمية، ودون دخول في الاسباب التي ادت الى هذا الوضع، ودون شك ان الحرب المستمرة والمدمرة كانت واحداً منها.

ورغم ان مبادرة الايقاد تتحدث عن جنوب السودان المعروف بخريطة اول يناير (كانون الثاني) 1956 الا ان اصرار الحركة الشعبية على مناقشة هذه القضايا قبل حسم المسار الرئيسي لعملية السلام، ولحرص الحكومة على استكمال عملية السلام، وان يكون سلاما شاملا كاملا، لا استثناء فيه لا لفرد ولا لمنطقة ولا لمجموعة، جعلت الحكومة تقبل مناقشة قضايا المناطق الثلاث مع حركة التمرد وقبل انتهاء المسار الرئيسي للسلام، ورغم وجود قناعة بأن اعداد كبيرة من مواطني هذه المناطق غير راغبة في ربط قضاياها مع ما يجري في نيروبي.

صحيح انها تزيد عدالة، ومشاركة في السلطة والثروة وترغب في الخدمات والتنمية ولكنها تريد ان يتم ذلك في اطار مختلف للمباحثات التي تجري في نيروبي.

وكذلك فان كثيرين من ابناء الجنوب وبعض قياداتهم من المعارضة في الخارج او في الداخل ابدوا تذمرا، وعدم رضا لربط عملية السلام بقضايا (المناطق الثلاث) بحسبان ان مشكلات هذه المناطق تختلف عن اوضاع الحرب ومشكلة جنوب السودان، ورغم كل هذا، ونتيجة لاصرار الحركة الشعبية قبلت الحكومة التفاوض حول هذه المناطق الثلاث على ان يتم ذلك في مسار مختلف، ثم تعود الى المسار الرئيسي لاكمال مفوضات عملية السلام في مشاكوس برعاية الايقاد.

* ولكن كيف تسير المفاوضات بشأنها الآن؟

ـ المفاوضات تواجهها عقبات في الاجراءات وفي الموضوعات، بالنسبة لموقف الحكومة من الاجراءات فان وجهة نظرها انه من الافضل ان تناقش هذه القضايا في ثلاث لجان مختلفة، باعتبار انه لا رابطة جغرافية بين المناطق الثلاث، وانه ليس بالضرورة ان تتطابق مشكلة منطقة مع منطقة اخرى، فجبال النوبة في الغرب، والنيل الازرق في الشرق، ومشكلة ابيي تختلف عن مشكلة النيل الازرق وجبال النوبة.

ولكن الحركة الشعبية تصر على مناقشة اوضاع المناطق الثلاث تحت مظلة واحدة، وحتى رئاسة وفدها لمفاوضات المناطق الثلاث اوكلتها لنيال دينق وهو رئيس وفدها في مفاوضات نيروبي، وربما قصدت من وراء هذا الاختيار الايحاء بأن مشاكل المناطق الثلاث جزء لا يتجزأ من المشكلة الرئيسية اي الجنوب.

* ولكن الم يكن هنالك بديل او خيار آخر؟

ـ الحكومة من جانبها وفي اطار المشاورات مع السناتور جون دانفورث لدى زيارته الاخيرة للسودان اقترحت ان تجري انتخابات تحت اشراف اطراف يتفق عليها، وكل منطقة تحسم مسألة التمثيل الفعلي لكل منطقة بدلا من ترك ذلك للحكومة او الحركة، ولكن هذا الاقتراح لم يؤخذ به.

* وكيف سيكون وضع الحكومة وخياراتها تجاه المناطق الثلاث في اطار الشد والجذب في الاجراءات؟

ـ الذي نقلته هو نموذج لاشكالية الاجراءات، وعلى كل حال فان الحكومة ستتبع سياسة المرونة، ومستعدة لتقديم بدائل مختلفة حتى تتجاوز مشكلة الاجراءات، وليس لدى الحكومة اي مانع في ان تقوم وفود من ابناء المنطقة يتولون التفاوض نيابة عن الحكومة ونيابة عن الحركة، وعند ذلك نكون قد تركنا ابناء هذه المناطق هم الذين يتفاوضون حول قضاياهم والحكومة، ومن جانبها حريصة على ان لا تكون الاجراءات سببا في تعطيل عملية التفاوض.

* ولكن لماذا قبلت الحكومة في الاصل والمبدأ الخروج على المسار الرئيسي للمفاوضات لوقف الحرب واحلال السلام؟

ـ كما اسلفت فان اصرار الحركة الشعبية من جهة وحرص الحكومة من جهة اخرى على مشاركة الجميع وانه لم نر بأسا في التداول والتفاوض، ولكن الحكومة لدى موافقتها اشترطت ألا يتم التفاوض تحت مظلة مبادرة الايقاد وقبلت بالتصور او البديل الجديد الذي ترعاه كينيا وليس الايقاد.

* ما هو الفارق في هذه الحالة بين الايقاد وكينيا؟

ـ ابعاد الايقاد عن رعاية المناطق المقصود من ورائه ان نتجنب مبادرة الايقاد التي تتضمن حق تقرير المصير للجنوب، فاذا بدأنا نقبل التفاوض بحق تقرير المصير في كل منطقة في السودان، فمعنى ذلك نعرض كل السودان للتمزق والتشتت، لان هنالك مشاكل عديدة في كل منطقة وحلها في التنمية الشاملة، اما حق تقرير المصير فقد وضعته الايقاد لمعالجة وضع جنوب السودان، ولكن الحركة الشعبية تصر على وضع حق تقرير المصير للمناطق الثلاث.

وهذه واحدة من النماذج الخاصة التي تتبعها الحركة الشعبية في اثارة الموضوعات.

* والى اين سينتهي المطاف اذا استمر الخلاف في الاجراءات والموضوعات؟

ـ رغم كل هذا، فان الحكومة تبذل ما في وسعها، وتقدم خيارات وبدائل مختلفة بهدف كسر الجمود الذي يخيم الآن على مفاوضات المناطق الثلاث.

* هل تتفقون مع المراقبين على وجود عدم ثقة بين الحكومة والحركة واهمية لقاء الرئيس عمر البشير وزعيم الحركة جون قرنق؟

ـ اولا بناء الثقة بين الحكومة والحركة امر ضروري، والحكومة واعية لاهمية هذه الخطوة، ولهذا بادرت باللقاء الذي تم بين الرئيس عمر البشير وجون قرنق في الاسبوع الاخير من يوليو (تموز) 2002 في كمبالا برعاية الرئيس الاوغندي يوري موسيفيني.

وكذلك حرصت الحكومة على الاستجابة لدعوة الرئيس النيجيري اوباسانجو لاتمام اللقاء بين النائب الاول علي عثمان محمد طه وجون قرنق، ولكن اللقاء الاول في كمبالا اعقبه احتلال قوات الحركة الشعبية لمدينة توريت في الاستوائية واللقاء لم يتم لملابسات معروفة، ولكن الحكومة ما تزال على موقفها المبدئي والقاضي بحتمية بناء الثقة بين الطرفين.

وفي هذا الصدد نحن نفكر جديا في اتمام لقاء على مستوى القيادة بين الرئيس عمر البشير وزعيم الحركة جون قرنق، ونعمل الآن على الترتيبات المطلوبة لمثل هذا اللقاء حتى تكون النتائج مثمرة وجادة وتحقق من جانب بناء الثقة، ومن جانب آخر نعطي دفعة لعملية السلام.

والحكومة تعلم انه بمجرد التوقيع على اتفاقية السلام، لا بد من عمل دؤوب ومكثف بين الطرفين، وبمساندة المجتمع السوداني والاقليمي والدولي لانزال الاتفاقية ارض الواقع، وهذا يتطلب بالضرورة من جانب الحكومة العمل منذ الآن على تهيئة الاجواء الملائمة.

* كيف تنظر الحكومة لجدية الحركة بالنسبة لعملية السلام مع وجود اكثر من اتهام لها بالتعويق وآخرها احداث دارفور؟

ـ الحكومة ليست غافلة عن المعوقات التي تضعها اطراف مختلفة امام عملية السلام سواء اكانت من جانب الحركة الشعبية، او بعض دول الاقليم، وبالتحديد ارتيريا، وبعض القوى والمنظمات الدولية، ولكن كل هذا لا يمنع الحكومة في ان تقدم المبادرات والبدائل المختلفة، وتبذل غاية الجهد الممكن في سبيل الوصول الى السلام دون افراط او تقريط، حيث ان الحكومة مقتنعة ان السلام هو رغبة الشعب السوداني اولا، ورغبة الغالبية العظمى لدول المحيط الاقليمي وكذلك الدولي، ولذلك سنمضي في طريق السلام الى آخر الطريق، ولن نكون بأي حال من الاحوال الجهة التي تجهض او تدمر ما تم تحقيقه حتى الآن في عملية السلام بل سنحرص على البناء عليه والمضي قدما فيه.

اقول هذا، وكما ذكرت، ونحن ننظر بعين حذرة لكل المؤامرات والممارسات التي تريد اجهاض السلام وتفتيت السودان وتمزيقه.

* هل صحيح ما تناقلته التقارير الاخيرة بتحرك عواصم اوروبية لتحقيق التقارب بين الخرطوم واسمرة؟

ـ الحكومة، ليست مسؤوليتها تغيير النظام في اريتريا، فهذه مسؤولية شعب اريتريا وحده، والذي يهمنا هو ان يوقف النظام الاريتري استهدافه للسودان وايذاءه، فالنظام الاريتري ما يزال يؤوي معسكرات التدريب للمعارضين داخل اراضيه، ونحن نعرفها، ونعرف مواقعها، والحكومة الاريترية تتولى التدريب وتنظيم ورش العمل ضد السودان في اريتريا وهي تقدم جوازات السفر الاريترية والتي يتحرك بموجبها اهل المعارضة، وكل الذي نريده من النظام ان يغير منهجه العدائي مع دول الجوار.

* الم يحدث تغيير اخيرا بالنسبة لتعامل اسمرة في الداخل من جهة ومع الخرطوم من جهة اخرى؟

ـ نحن نتلقى يوميا تقارير عن الهاربين من صفوف الجيش الاريتري للسودان، وكذلك الحال بالنسبة للاريتريين وآخرهم القنصل الاريتري في جدة وكذلك القنصل الاريتري في الدوحة.

ونصيحتنا للنظام الاريتري هو ان يقرأ قراءة صحيحة المتغيرات الاقليمية والدولية، لانه لا يعقل ان يكون في هذا العصر دولة لا يوجد فيها برلمان، ولا توجد احزاب سياسية، ولا صحف او حريات، ان الشعب الاريتري يريد ان يعبر عن نفسه لماذا لا تتاح له الفرصة؟ كيف يرد النظام في اسمرة اذا سئل أين وزراء الخارجية السابقون الذين عملوا مع هايلي وري وبطرس سلمون؟ وكذلك اين يوجد وزراء الدفاع السابقون، واين توجد مجموعة الـ15 واين يوجد الرجل الثاني للنظام محمو شريفو انهم جميعا في السجن؟ وهذه المجموعات لم تحمل السلاح وانما طالبت ان تتاج لها الفرصة لتعبر عن نفسها.

ولا بد للنظام في اسمرة ان يتساءل عن دوافع هروب سفراء اريتريا في الصين والامم المتحدة ونيجيريا وبلجيكا وهولندا من تلك العواصم الى السودان، وكل هؤلاء يطلبون حق اللجوء السياسي، واول سفير اريتري لدى السودان حامد حمد وقد جاء للخرطوم بعد التطبيع في منتصف التسعينات، وقد كان من المدافعين عن النظام باعتباره من قياداته وهو الآن في السجن.

والسفير الذي جاء بعده للخرطوم هو الآن في السجن ايضا. اما السفير الاخير عبد الله هاجر فقد لجأ الى اوروبا.

الا تثير هذه التطورات الجارية من جانب نظام اريتريا انتباه المجتمع الدولي، وان هذا الوضع فيه خطأ ويحتاج الى مراجع؟

* ولكن هل تنظر الحكومة لوساطات عواصم اوروبية للتقارب مع حكومة اريتريا؟

ـ اريتريا هي احدث دولة استقلت عام 1992، وهي خلال سنوات الاستقلال دخلت في حروب مستمرة مع جيرانها مما جعل الشعب الاريتري وقودا لها، ونحن من جانبنا نتمنى بصدق ان يراجع النظام في اريتريا هذه السياسات لسببين، اولها يتاح للشعب الاريتري فرصة لكي يعيش في امان واستقرار ورفاهية وتنمية بعد هذه السنوات الطويلة من العناء. وثانيها ان يتذوق الاريتريون طعم الاستقلال والاستقرار لمصلحة الاقليم، وحتى يستطيع الاقليم ان يعيش في هدوء وسلام.

بالنسبة لمبادرات او مساعي الصلح فقد جربنا من قبل وساطة قطر وليبيا وست دول اوروبية طلبت التدخل بالوساطة، وكذلك دول عربية شقيقة، ولكن موقفنا هو ان النظام الاريتري لا يريد ان يعتعرف بانه يدعم المعارضة السودانية وان يقر بتقديم المساعدات لها ولذلك طلبنا من الاتحاد الافريقي ان يحقق في شكوانا ضد اريتريا.

* هل اتخذ الاتحاد الافريقي اجراء تجاه هذه الشكوى؟

ـ نعم الاتحاد الافريقي شكل لجنة برئاسة وزيرة خارجية جنوب افريقيا وقد طلبت زيارة الخرطوم ورحبنا بها، وقد جاءت بالفعل ونقلنا اليها الصورة كاملة بما فيها الاعتداءات الاريترية على السودان، خاصة وان هنالك نصا في ميثاق الاتحاد يحظر على اي دولة استخدام اراضيها لزعزعة الاستقرار في دولة اخرى.

* كيف تنظر الى ما تم التوصل اليه في القمة العربية في شرم الشيخ والقمة الاسلامية في الدوحة؟

ـ كان هنالك تخوف من بعض الدول العربية، ومن قطاع كبير من الشارع العربي، ان هذه القمم قد يكون القصد من وراء انعقادها تمرير قرار الحرب ضد العراق، أو على الاقل الخروج بقرار غامض يتيح مثل هذا الاتجاه، ولكن خرجت بموقف واضح يمثل الحد الادنى المطلوب حيث رفضت بشكل قاطع ضرب اي دولة عربية، وان يكون حل المشكلة العراقية عبر مجلس الامن وبوسيلة المفتشين الدوليين.

بل ومضت اكثر من ذلك بأن شكلت لجنة تتحرك الآن بين نيويورك وواشنطن وبغداد وعواصم الدول الاعضاء بمجلس الامن بهدف تجنيب المنطقة الحرب وآثارها المدمرة.

والسودان مؤمن ايمانا قاطعا بأن الحرب اذا وقعت لا قدر الله فان اثارها السلبية ستصل اليه والى اي دولة عربية اخرى.

بل ان اي اختلاف او انقسام بين الدول العربية ينعكس سلبا على ما يجري في السودان، ولهذا نشط رئيس جمهورية السودان بأن تكون هنالك مشاركة عربية في لجان التفتيش التي تقوم بالتفتيش عن الاسلحة المحظورة في العراق لضمان الشفافية. وقد تسلمت يوم 3/12 رسالة من الجامعة العربية تفيد باختيار اثنين من علماء السودان المختصين في ابحاث الطاقة الذرية للمشاركة مع اللجان المعنية في البحث في العراق.

* هل تم تطويق الآثار التي ترتبت على الخلافات العلنية المباشرة في شرم الشيخ والدوحة؟

ـ ما يجري وراء كواليس الاجتماعات من اتفاق او خلاف لا يشكل امرا غريبا، لان العبرة بالخواتيم، ولكن المشكلة في الطابع الاعلامي وما افرزه من تداعيات نتيجة ما نقله من خلاف وتراشق، والذي دون شك نحرص على حصاره، واعتقد اننا نجحنا فيه.