اغتيال رئيس الوزراء الصربي وشبح حرب الشوارع يهدد البلاد

اعتقال ثلاثة أفراد واتهام منظمة إرهابية محلية بارتكاب الجريمة واحتمال تورط عسكريين

TT

اغتيل ظهر امس رئيس الوزراء الصربي زوران دينديتش في بلغراد بعد اصابته برصاصتين استقرتا في جسده، وأودت بحياته في المستشفى المركزي ببلغراد .

واعلنت نتاشا ميسيتش رئيسة صربيا بالنيابة رسميا حالة الطوارئ في كامل جمهورية صربيا الى اجل غير معلوم، بعد اضطرابات شهدتها بلغراد.

وقالت مصادر طبية طلبت عدم الكشف عن هويتها ان «رئيس الوزراء مات متأثرا بجراحه داخل المستشفى وليس قبل الوصول اليه، وذلك بعد ان وضع في غرفة للعناية المركزة، ووضع الكمامات على وجهه». واضافت مصادر مطلعة في بلغراد لـ«الشرق الأوسط» ان الشرطة الصربية لم تعثر على الجناة بعد، ولا تعرف ما اذا قام شخص واحد باطلاق النار ام عدة اشخاص. الا انها اعتقلت مساء امس ثلاثة افراد تشتبه في ضلوعهم في عملية اغتيال رئيس الوزراء الصربي. كما عثرت على سلاحين آليين داخل سيارة في شارع «ادميرالا» بوسط بلغراد، قرب كنيسة ارثوذكسية. واتهمت مصادر داخل الحكومة الصربية منظمة وصفتها بالارهابية تدعى «فيهورط» وحملتها مسؤولية اغتيال دينديتش.

وسادت بلغراد حالة من الاضطراب ونزلت الشرطة والجيش للشوارع في مشاهد لم تر بلغراد مثلها منذ القصف الذي تعرضت له من قبل قوات «الناتو» عام 1999. واعتبرت الحكومة الصربية عملية «اغتيال دينديتش محاولة لوقف مسيرة الديمقراطية في البلاد، بعد انفراج كبير شهدته صربيا عقب عقود من الدكتاتورية».

وكان دينديتش قد تعرض لعدة محاولات اغتيال، في الاسابيع الماضية، اخرها محاولة جرت قبل نحو 5 ايام استخدت فيها شاحنة كبيرة قامت بتحطيم سيارة رئيس الوزراء بعد ان ظن مدبرو العملية انه بداخلها.

كما اشارت اصابع الاتهام لعدة جهات يهمها التخلص من من دجنجيتش، من بينها انصار الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلو سوفيتش المعتقل حاليا في لاهاي، الذين يتهمون دينديتش بتسليم زعيمهم للاستخبارات الاميركية التي نقلته بدورها الى محكمة لاهاي، عبر مطار توزلا البوسني الذي تعسكر فيه القوات الاميركية قبل وبعد اغلاقه في وجه الملاحة الجوية المدنية بعد احداث 11 سبتمبر (ايلول).

كما لا تستبعد الجهات الامنية ان تكون للمافيا ومنظمات الجريمة المنظمة يد في اغتياله بعد المطاردات، والعمليات الناجحة التي قامت بها الشرطة الصربية في ملاحقة العديد منهم والقبض عليهم. واخطر تلك التخمينات تلك المتعلقة بوجود دلالات على ان «الطواقي الحمراء» وهي فرق عسكرية تابعة للجيش (كوموندوس) وراء عملية الاغتيال وذلك بعد طلبه من المؤسسة العسكرية وكبار الجنرالات انه عليهم اعتقال وتسليم الجنرال راتكو ملاديتش قائد قوات صرب البوسنة اثناء الحرب بين عامي 1992 و1995. ومكمن الخطورة يأتي من الصبغة الرسمية لعملية الاغتيال حيث تحولت الخلافات السياسية الداخلية من خلافات في الرؤى الى حرب شوارع بين اجهزة الدولة في صربيا، وهو ما تنبئ به عملية اغتيال زوران دينديتش.

ويقول المراقبون ان الاوضاع الاقتصادية المتدهورة، والخلافات السياسية بين الاحزاب، ساهمت في كهربة الاوضاع العامة، لا سيما ان منظمات ارهابية صربية تتكون من العاطلين عن العمل والجنود المسرحين من الجيش والمقاتلين السابقين قد وجدت في حوزتها قوائم باسماء شخصيات سياسية وحزبية مرشحة للاغتيال من بينهم اسم رئيس الوزراء دينديتش.

وتشكو صربيا من ضعف عام على كافة الاصعدة بما فيها القضائية حيث ساهم الوضع الاقتصادي في تراخي قبضة القضاء وانتشار الرشوة والمحسوبية في مختلف اجهزة الدولة بما فيها الشرطة والقضاء والجيش ومختلف الوزارات بما فيها وزارة الخارجية حيث عثر على بعض العاملين متلبسين بتقديم وثائق سرية الى جهات اجنبية (الولايات المتحدة). وكان دينديتش قد حذر من ترهل القضاء وانعكاس ذلك على الوضع الامني بعد اطلاق سراح شخص حاول اغتياله قبل عدة اشهر وطالب باصلاح المؤسسة القضائية.

واعتبر الاتحاد الاوروبي «العملية ضربة كبيرة لعملية ادماج صربيا في العائلة الاوروبية»، اذ قال كريس باتن، المفوض الاوروبي للشؤون الخارجية، ان وفدا من الاتحاد الاوروبي سيزور بلغراد للاجتماع باعضاء الحكومة الصربية لمناقشة تداعيات الحادث. ووصف بيان للمفوضية دينديتش بانه «رجل المهام الصعبة». وفي واشنطن قال الرئيس جورج بوش «ان اغتيال دينديتش خسارة لصربيا وشعبها».

واشاد به قائلا «لقد كان ديمقراطيا وقام بتسليم سلوبودان ميلوسوفيتش لمحكمة لاهاي».

وقال الرئيس الكرواتي ستيبان ميسيتش «آمل ان تستمر العلاقة بين صربيا والجبل الاسود ولا تتأثر بالحادث». كما عبر خافيير سولانا، منسق الشؤون الامنية والعلاقات الخارجية بالاتحاد الاوروبي، والرئيس البوسني سليمان تيهيتش، والرئيس المقدوني بوريس ترايكوفسكي، ورئيس وزراء كوسوفو بيرم رجبي، وميخائيل شتاينر، رئيس الادارة الدولية المؤقتة في كوسوفو، عن شعورهم بالصدمة لما حدث «والذي تم في ظروف صعبة»، على حد تعبير شتاينر. وقد ادانت جميع الحكومات الغربية والاحزاب السياسية في صربيا عملية الاغتيال.