إسرائيل تعد «هجمة سلام» على أوروبا لتجنيدها في المفاوضات مع الفلسطينيين

TT

تستعد وزارة الخارجية الاسرائيلية لمرحلة ما بعد الحرب على العراق بحملة دبلوماسية واسعة على دول اوروبا حتى تضمن تليين موقفها عند استئناف المفاوضات حول النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. ومع ان دافع هذه الحملة هو القلق من الموقف الاوروبي، الذي يبدو حاليا حازما باتجاه انهاء الاحتلال ووقف ممارساته واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، فان اسرائيل تسميها «هجمة سلام على الاوروبيين»، وتنوي ادارتها في اجواء صداقة.وسيقوم وزير الخارجية، سلفان شالوم، بجولة اوروبية حالما تخف وطأة العمليات الحربية في العراق. وسيحاول اقناع قادة تلك الدول بان «المعركة ضد الارهاب لا تنتهي بانتهاء الحرب وسقوط النظام العراقي»، على حد التعبير الاسرائيلي، وبأن «من واجبهم اتخاذ موقف حازم ضد الدور الفلسطيني في النشاط الارهابي العالمي، بمن في ذلك الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات». وهدف شالوم من ذلك هو تأخير المفاوضات «حتى يتوقف الارهاب تماما وتتم الاصلاحات الجذرية في السلطة الفلسطينية». كما انه يريد ان يضمن ألا تقام الدولة الفلسطينية المستقلة، «الا بعد انهاء هذه المهمات».

وكانت الحكومة الاسرائيلية قد اعتبرت الربط ما بين الحرب على العراق وانهاء النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، ضربة لسياستها. وقررت ألا تترك الامور تتطور وفقا لهذا النهج وان تتحرك على جميع الاصعدة لضمان اجراء المفاوضات بقيادة الادارة الاميركية وعلى طريقتها، التي اتسمت حتى الآن بالتحيز الواضح لصالح اسرائيل. ولكن المحللين السياسيين والخبراء في السياسة الاميركية يلفتون نظر الحكومة الى ان الموقف الاميركي ايضا قابل للتغيير، ويقولون «ان الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة ينتهج سياسة حادة على طريقة الاسود ـ ابيض. فهو اليوم متميز لصالح اسرائيل. ولكن، اذا طلب منا ان يحدث تغييرا جذريا في موقفنا وتوصل الى القناعة بان انهاء النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني هو المرحلة الحتمية القادمة بعد الحرب على العراق، فعلينا ان نكون مستعدين للتجاوب معه. لانه لا يحب من يقول له لا، ولا يقبل من حلفائه ان يشوشوا على سياسته».

ويرى هؤلاء ان محاولة تليين الموقف الاوروبي من السياسة الاسرائيلية لا يضرب، بل يساعد الادارة الاميركية على اتخاذ مواقف لينة تجاه اسرائيل. ويقولون انه لا يوجد امام الحكومة الكثير من الوقت، وعليها ان تبدأ العمل فورا في اوروبا وكذلك في الولايات المتحدة.

تجدر الاشارة الى ان رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، كان قد استعد لهذا التطور منذ عدة شهور، وطرح مخاوفه هذه امام الرئيس الاميركي، جورج بوش، قائلا انه لا يجوز ان تدفع اسرائيل بأمنها ثمنا للحرب على العراق. وطمأنه بوش يومها، واوضح له ان واشنطن لن تفرض سياستها على اسرائيل، وان ما تريده هو تحقيق سلام يضمن امنها اولاً وقبل كل شيء. وفي حينه قبلت اسرائيل مضمون الخطاب الذي القاه بوش وطرح فيه الخطوط العريضة لتسوية النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني (يونيو /حزيران 2002)، والتي كانت اساسا لما عرف باسم «خريطة الطريق»، وهي البرنامج التنفيذي لتلك التسوية. وقد اعيدت صياغة «خريطة الطريق» مرتين بناء على الاقتراحات الاسرائيلية والفلسطينية. وبعد الصياغة الاخيرة، بقيت لاسرائيل ملاحظات، وتقدمت باقتراح 100 تعديل عليها.

وحسب مصادر اسرائيلية سياسية، فان الرئيس بوش قبل العديد من هذه التعديلات واصبح مؤيدا للمطلب الاسرائيلي باستبعاد اوروبا وروسيا والامم المتحدة، خصوصا بعد الخلافات التي ظهرت بين واشنطن وكل من روسيا وفرنسا والمانيا والامم المتحدة في الموضوع العراقي. ويأمل شارون ان يثابر الرئيس بوش على هذا الموقف، مع انه لا يخفي قلقه من الموقف البريطاني ايضا، حيث ان رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، هو اكثر جهة اوروبية تربط اليوم بين الحرب على العراق وبين عملية السلام في الشرق الاوسط، واكثر من يضغط للانتقال سريعا لتسوية النزاع. وموقفه هذا ليس مجرد تكتيك، بل بات مستقبل بلير السياسي متعلقا به. واذا لم تستأنف المفاوضات في الشرق الاوسط، حيث يبدو واضحا ان هناك نية جدية لدى الغرب لتسوية النزاع بشكل جذري، على اساس اقامة دولة فلسطينية مستقلة، فانه قد يخسر مستقبله السياسي.

ولهذا، فان لندن ستكون العنوان الاول لزيارة سلفان شالوم وربما رئيس الوزراء، شارون، نفسه في القريب العاجل.