فيشر ينصح إسرائيل بانتهاج طريق السلام لوقف تدهور مكانتها في أوروبا

TT

اختار وزير الخارجية الالماني، يوشكا فيشر، ان يقنع قادة الحكم في اسرائيل بتغيير موقفهم الرفضي من خطة «خريطة الطريق» والجنوح لانتهاج طريق السلام، من زاوية لم يتوقعوها، الا وهي: «وقف التدهور الخطير في مكانة اسرائيل في اوروبا». وفوجئ فيشر بان زيارته الى اسرائيل توافقت مع زيارة قادة التنظيمات اليهودية، الذين طرحوا افكاره نفسها تقريبا على رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، وحذروه من مغبة الاستمرار في السياسة المنفردة للاوروبيين.

وكان فيشر قد وصل الى اسرائيل، اول من امس والتقى خلال اليومين الماضيين عددا كبيرا من القادة في الحكم وفي المعارضة، ابرزهم الرئيس الاسرائيلي موشيه قصاب، ورئيس الوزراء، ووزير الخارجية، سلفان شالوم، ورئيس المعارضة عمرام متسناع، ويوسي بيلين، وزير القضاء السابق وأحد مهندسي اتفاقات اوسلو الذي يقود اليوم حزب الاشتراكية الديمقراطية، وغيرهم. واستقبل بحرارة بالغة، باعتباره صديقا حميما لاسرائيل، كما ذكرت وزارة الخارجية.

وحاول فيشر اقناع المسؤولين الحكوميين بان يوافقوا على «خريطة الطريق»، التي جاءت لتطبيق مبادئ السلام في الشرق الاوسط كما طرحها الرئيس الاميركي، جورج بوش، في خطابه في 24 يونيو (حزيران) الماضي، وان يكفوا عن معارضتهم للمشاركة الاوروبية الكاملة في مراقبة تطبيق الخطة. وقال لهم ان مكانة اسرائيل في اوروبا آخذة بالتدهور، ليس لان هناك عداء تقليديا لها كما يزعم اليمين الاسرائيلي، بل لان سياستها غير مقبولة، وتتنافى مع القانون الدولي وحقوق الانسان، وتفتقر للمبادرات الشجاعة من اجل تغيير العلاقات مع الفلسطينيين. واكد ان اسرائيل دولة قوية متطورة تحظى بدعم دول الغرب بلا استثناء. لكن سياستها تجاه الفلسطينيين لم تعد تحتمل، وذلك ليس بدافع التحيز للشعب الفلسطيني وقفيته او للعرب بل لان الاوروبيين يشاهدون على شاشات التلفزيون يوميا صور المعاناة الفلسطينية من جراء السياسة الاسرائيلية ويستمعون الى العديد من التصريحات الاسرائيلية الرسمية وغير الرسمية التي تتسم بالعربدة والعنف والعداء.

وقال فيشر انه وغيره من اصدقاء اسرائيل الكثيرين في اوروبا، باتوا يشعرون بالحرج، ولم يعودوا يستطيعون الدفاع عنها بسبب مواقفها هذه. واكد انه من منطلق هذه الصداقة الحقيقية يتوجه الى اسرائيل بالنصيحة ان تغير سياستها: «ساعدوني انا وامثالي، على مواصلة الجهد لتجنيد الدعم لكم في اوروبا ولمواجهة قوى التطرف والارهاب التي بدأت تستغل هذا الواقع في اوروبا لتنفيذ اعتداءات عنصرية على اليهود».

وحسب مصادر في الخارجية الاسرائيلية فان الوزير الالماني قدم عدة اقتراحات لمساعدة الموقف الاسرائيلي وجعله سلاميا واضحا. فقال «ان مطالبة الفلسطينيين بالتنازل عن حق اللاجئين في العودة منذ بداية المفاوضات او كشرط من شروط استئناف المفاوضات هو خطأ جسيم. اذ لا يمكن ان يوجد ذلك الفلسطيني الذي يقدم لكم هذا التنازل. ومحاولة استبعاد اوروبا يدخلكم انتم واصدقاؤكم الاوروبيون في مأزق حقيقي في القارة البيضاء، حيث ان الاوروبيين مقتنعون بان «خريطة الطريق» تشكل برنامجاً ممتازاً وواقعياً لتسوية النزاع، وهي تنصف اسرائيل وتأخذ في الاعتبار جدا احتياجاتها الامنية. ورفض هذه الخريطة او عرقلة تطبيقها لن يكون مفهوما لدى الاوروبيين بل سيكون سببا آخر لمزيد من التدهور في مكانة اسرائيل.

وهذا امر لا نريده لكم باي حال من الاحوال»، وحاول الاسرائيليون اقناعه بالمقابل، بضرورة تغيير الموقف الاوروبي وتقريبه من الموقف الاميركي.. «فالادارة الاميركية ادركت مدى صحة السياسة الاسرائيلية، بعدما تعرضت مباشرة للارهاب الاسلامي الكبير في تفجيرات 11 سبتمبر 2001 التي تمت باسم القضية الفلسطينية»، حسب زعمهم. وقالوا له ان «قوى الارهاب تعد للقيام بعمليات ضخمة في اوروبا ايضا فلا تنتظروا هذا الخطر حتى تتوصلوا الى استنتاجنا والاستنتاج الاميركي. او على الاقل لا تلومونا نحن، فاننا اول من تعرض ويتعرض للارهاب».

كما حاولوا اقناعه بالعدول عن زيارته للرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، في مقره في رام الله. وقالوا له انه بهذه الزيارة يلحق الضرر في جهود رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد، محمود عباس (ابو مازو)، لمكافحة الارهاب، لكن فيشر اعلن لمن التقاهم في اسرائيل انه مصر على مقابلة الرئيس الفلسطيني في مقره وعدم الاكتفاء بلقاء ابو مازن. وقال لهم: عرفات هو الرئيس الفلسطيني المنتخب، ونحن لا نوافق على سياسة عزله، لانها لن تعود بالفائدة على مسيرة السلام ولا على الاصلاحات ولا على اسرائيل.

واوضح فيشر للقادة الاسرائيليين ان «عرفات هو اول من طرح فكرة الاصلاحات في الحكم وانتخاب رئيس وزراء فلسطيني، وذلك خلال لقاءاته العديدة مع قادة اوروبيين. ولا يجوز ان نهمله اليوم، عندما بدأ يطبق افكاره».

وسيلتقي فيشر عرفات وابو مازن وغيرهما من القادة الفلسطينيين، اليوم، في رام الله.

واهتم فيشر لدى قوى المعارضة الاسرائيلية بمعرفة امكانيات التأثير الجماهيرة على حكومة شارون ودفعها باتجاه عملية السلام، وما هو الافضل لهذه العملية او تكون المعارضة في الحكومة او تعمل من خارجها.

وكان وفد عن المؤتمر اليهودي في اوروبا بقيادة رئيسه ميشال فريدمن، نائب رئيس الجالية اليهودية في المانيا، قد بدأ زيارة الى اسرائيل في نهاية الاسبوع. واعلن ان هدف الزيارة هو «التضامن مع اسرائيل في الاجواء الحربية في المنطقة». وراح فريدمن ينتقد الاوروبيين الذين يحاولون الظهور مستقلين في مواجهة الولايات المتحدة، فيصدرون القرارات ضدها. لكنه في الوقت نفسه طلب من شارون، ان يأخذ حالة اليهود في اوروبا في الاعتبار ويهتم باظهار موقف سلامي لاسرائيل.