أقلية في الجيش الإسرائيلي تسمع صوتا مغايرا لصالح التفاوض مع أبو مازن

الكشف عن مبادرة فلسطينية للتنسيق الأمني وتسليم إسرائيل 200 كيلوغرام من المتفجرات

TT

ازاء سيطرة التيار اليميني المتطرف على الحكومة وقيادة الجيش وجهاز المخابرات الخارجي «الموساد» في اسرائيل، ظهرت في نهاية الاسبوع قوى اخرى عسكرية تسمع صوتا مغايرا يدعو الى التعاون مع رئيس الوزراء الفلسطيني المكلف محمود عباس (ابو مازن) ومساعدته على استئناف المفاوضات مع اسرائيل.

وترفض هذه القوى التشكيك الاسرائيلي الرسمي في القيادة الفلسطينية الجديدة وتقول ان هناك بارقة امل تلوح في الافق ينبغي على اسرائيل ألا تضيعها سدى. وتتألف هذه القوى من مجموعة ضباط كبار تمرسوا في العمل الميداني في مواجهة الفلسطينيين وتميزوا بمعرفتهم حقيقة ما يدور على الارض، وهم يلاحظون ان التيار الذي يقوده ابو مازن، الذي يسعى لوقف كل ممارسات العنف واعلان هدنة هو السائد في صفوف الفلسطينيين حاليا، قيادة وشعبا، وان هذا التيار بات اقوى، وأقوى اثر سقوط بغداد. وبالامكان التفاهم معه على قواعد جديدة للعلاقات، ولا يجوز لاسرائيل ان تتجاهل ذلك او تتعامل معه باستخفاف.

وقام احد هؤلاء الضباط بالكشف امام وسائل الاعلام الاسرائيلية عن خطوة غير عادية تمت الاسبوع الماضي في اريحا، حيث ان جهاز الامن الفلسطيني اتصل بالجيش الاسرائيلي وابلغه ان افراده عثروا على مخزن متفجرات تابع لأحد تنظيمات المعارضة الفلسطينية، وانه مستعد لتسليم اسرائيل محتويات هذا المخزن، بشرط ان تقوم بتدميرها تحت مراقبة مندوب عنه. فوافق الجيش الاسرائيلي على ذلك، بعد التشاور مع مختلف الجهات المختصة والتأكد من صحة العرض الفلسطيني وعدم وجود خدعة. وتسلم الاسرائيليون المتفجرات، واذا هي عبارة عن خمسة انابيب غاز زنة كل منها 75 كيلوغراما من المتفجرات، تصلح كل واحدة منها لتدمير دبابة او عمارة من عدة طوابق. ثم نقلت الانابيب الى منطقة معزولة، وفجرتها هناك، بحضور ضباط من الامن الفلسطيني.

وردا على ذلك، ابلغت اسرائيل الفلسطينيين رفع الحصار عن مدينة اريحا، لتصبح المدينة الفلسطينية الوحيدة الحرة في الضفة الغربية، وذلك بعد سنة كاملة من الحصار.

يذكر ان هذه اول مرة يقوم فيها الفلسطينيون بخطوة كهذه، منذ توقيع اتفاقيات اوسلو قبل حوالي عشر سنوات. لكن قيادة الجيش الاسرائيلي حاولت التقليل من اهميتها. وقال ناطق بلسانها ان الفلسطينيين خافوا من ان تنفجر هذه الانابيب في منطقة سكنية وتحدث اضرارا جسيمة، وفي غياب خبراء متفجرات لديهم بادروا الى نقلها الى الجيش الاسرائيلي بهدف التخلص من هذا العبء وليس بدافع النية الطيبة.

وأغاظ هذا الاستخفاف اولئك الضباط من التيار المعتدل في الجيش، فنشروا تقويما مهنيا آخر للموضوع وقال احدهم انه «كان بإمكان الفلسطينيين ان يدفنوا هذه الانابيب الملغومة في باطن الارض ويتخلصوا منها لو ارادوا. كما كان بإمكانهم ان يجدوا طريقة لاستخدامها في عمليات تفجير ضد المستوطنات او على طريق السيارات العسكرية او المدرعات الاسرائيلية العديدة المنتشرة في المكان. الا انهم اختاروا تسليمها لاسرائيل. وعلمنا ان هذه الخطوة كانت بموافقة كبار المسؤولين الفلسطينيين، بمن في ذلك مسؤول أمني معروف بأنه مقرب من أبو مازن، مما يعني ان هناك قرارا استراتيجيا لدى الفلسطينيين في مكافحة الارهاب او تخفيفه. وحتى لو كان ذلك قرارا تكتيكيا فقط، فان علينا ان نعمل ما في وسعنا لتحويله الى قرار استراتيجي، بحيث نرد عليه بخطوات اكبر وأفضل وليس فقط بازالة الحصار».

وقال احد العاملين في شعبة الاستخبارات العسكرية ان الموقف الاسرائيلي المتصلب في الموضوع الفلسطيني سيؤدي الى ازمة جدية في العلاقات مع الولايات المتحدة، وليس فقط مع اوروبا. وستزرع اليأس التام في صفوف الفلسطينيين، بعد ان كان قد ساد هذا اليأس عموما وتفاقم اثر حرب العراق. واضاف هذا الضابط ان الانتصار الاميركي على العراق يجب ألا يدفع اسرائيل الى التعنت والتصلب او الى الشعور بالزهو، بل ينبغي ان يجعلها متفاهمة اكثر مع الاميركيين والاوروبيين، ومبادرة لتحسين العلاقات والاجواء مع الفلسطينيين: «فهذا هو افضل وقت للمبادرات الايجابية. كل مبادرة ستقابل بالترحاب لدى الفلسطينيين وعموما لدى العرب. وستعزز احترام الولايات المتحدة واوروبا لاسرائيل.

وستخفف من العداء لليهود في العالم. والأهم من ذلك كله، ستدفعنا جميعا باتجاه السلام، الذي لا حدود لفوائده. لذلك، فان مصلحة اسرائيل تقتضي إحداث تغيير في سياستها، والانطلاق بمبادرة من طرفها لتطبيق «خريطة الطريق» وتخفيف الضغط النفسي والاقتصادي والعسكري عن الفلسطينيين».

جدير بالذكر ان رئيس اركان الجيش الاسرائيلي، موشيه يعلون، يحمل وجهة نظر معاكسة تماما، فيرى مثل قوى اليمين ان الحرب خلقت توازنا جديدا في المنطقة، يفترض ان يؤدي الى اعادة الحسابات حول السياسة تجاه الفلسطينيين وسائر العرب وتخفيض سقف مطالبهم.