الحرب الأميركية في العراق تقلب الموازين في إيران والكل يبحث عن قناة لفتح الحوار مع «الشيطان الأكبر»

TT

حينما اعلن الرئيس الايراني محمد خاتمي في جلسة غير علنية لمجلس الشورى الاسلامي قبل اسبوع عن تنظيم اجتماع المعارضة العراقية بالقرب من الناصرية، اعلن ايضا ان اميركا اصبحت اليوم جارتنا في الغرب، كما في الشرق، وعلينا ان نتعايش مع الواقع الاميركي في المنطقة رغم مرارة ذلك، ومن ثم دعا النواب الاصلاحيون عقب حديث خاتمي لفتح الحوار فورا مع الولايات المتحدة، لكن الاوساط القريبة من المرشد الاعلى علي خامنئي في اجهزة الاعلام الخاضعة له وفي مقدمتها الاذاعة والتلفزيون وصحف «كيهان» و«جمهوري اسلامي» و«رسالت» و«سياست» هاجمت خامنئي والاصلاحيين باعتبارهم «مرعوبين من القوة العسكرية الاميركية».

وبعد بضعة ايام حينما طرح الرئيس السابق ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني فكرة اجراء استفتاء شعبي لتحديد مسار العلاقات مع الولايات المتحدة، اصبح هو ايضا مستهدفا من قبل رجال «الولي الفقيه» الذين اتهموه بالاستسلام والتخلي عن قيم الثورة وتعليمات الامام الخميني، مما تسبب في ان يصدر رفسنجاني ايضاحات لتبرير موقفه باتهام بعض اجهزة الاعلام بتحريف وتزوير تصريحاته. ورغم ذلك فان ما بات مؤكدا منذ ما قبل انطلاق الحرب ان اطراف السلطة في ايران المحافظين والاصلاحيين وايضا رجال «الولي الفقيه» ناهيك عن القوى الوطنية والليبرالية المعارضة داخل ايران كانت تبحث، كلا على حدة عن قناة مباشرة ام غير مباشرة للحوار مع الادارة الاميركية. وبينما توسلت الجبهة المناهضة للاصلاحات التي تضم المحافظين والسائرين على خط المرشد، كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة خلال فترة رئاسة خاتمي الاولى لافشال مساعيه لفتح الحوار مع الولايات المتحدة من موقع القوة كونه منتخبا من قبل 24 مليون ناخب، اصبحت قضية العلاقات مع الولايات المتحدة القضية الاساسية والاولى لأقطاب الجبهة منذ اواسط العام الماضي.

بمعنى آخر، ما كان محظورا لخاتمي، بات مسموحا لرفسنجاني وعسكر اولادي وعلي اكبر ولايتي.

وكانت «الشرق الأوسط» قد كشفت في ديسمبر (كانون الاول) الماضي عن اتصالات قام بها احد ابناء رفسنجاني وحسين موسويان السفير السابق في المانيا ومستشار رفسنجاني مع شركة «كونوكو» النفطية الاميركية لارسال رسائل مهمة الى نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني القريب من رئيس كونوكو. وقد سافر بعد ذلك احد كبار مسؤولي الشركة الى طهران حيث استقبله رفسنجاني بمكتبه. واستنادا الى مصدر قريب من خاتمي فان الادارة الاميركية رفضت مقترحات رفسنجاني باجراء حوار مع ممثليه سرا، بل جاء في الرد الاميركي ان الولايات المتحدة ترفض الحوارات السرية، وتطالب باجراء حوار مباشر وعلني مع ممثلي الشرعية المنتخبة، اي مع خاتمي وممثليه. وحاول التيار القريب من المرشد بعد ذلك اختبار مدى استعداد الادارة الاميركية لاجراء الحوار مع رأس السلطة في ايران، بحيث اجرى احد مساعدي علي اكبر ولايتي وزير الخارجية السابق وكبير مستشاري مرشد الثورة اتصالات مع دبلوماسي اميركي رفيع وأحد مستشاري كوندوليزا رايس مستشارة الرئيس الاميركي لشؤون الامن القومي في ندوة اقيمت في احد البلدان الاوروبية، كما ان احد مراكز الدراسات التابع لمكتب مرشد النظام، فتح فرعا في دولة خليجية قريبة من ايران للتغطية على الاتصالات السرية بين رجال المرشد والاميركيين، غير ان نشر خبر فتح المكتب في «الشرق الأوسط» وعدم ابداء الجانب الاميركي رغبة في اقامة الاتصالات السرية كانا من اسباب اغلاق المكتب وقطع الاتصالات.

وفي نيويورك حيث اعلن مندوب ايران الدائم في الامم المتحدة الدكتور محمد جواد ظريف منذ تسلم مهامه، انه مكلف من قبل النظام وليس من قبل اجنحة الحكم، باجراء اتصالات مع الدوائر المعنية بشؤون ايران، لتحسين صورة النظام، لم تتجاوب تلك الدوائر مع مساعي ظريف ما دفع مندوب ايران الدائم للاعتراف بفشله خلال احدى زياراته لطهران.

وهكذا فان قضية العلاقات مع الولايات المتحدة ظلت محورا للنزاع بين اطراف السلطة منذ ما قبل الحرب ضد النظام العراقي. وبينما بدت هذه الاطراف متفقة حول ضرورة تغيير مسار السياسة الخارجية حيال الولايات المتحدة، الا ان كل طرف اعتبر نفسه اكثر استحقاقا للدخول في المفاوضات مع «الشيطان الاكبر».

من ناحية ثانية وخلافا لادارة الرئيس السابق بيل كلينتون التي ظلت مقتنعة بضرورة فتح الحوار مع ادارة خاتمي ودعم الاصلاحيين، فان ادارة جورج بوش فقدت اهتمامها بمصير الاصلاحيين بعد ان تبين لها حسب قول جيفري كمب السياسي والباحث الاميركي المخضرم ان خاتمي ليس قادرا على تذويب الجليد في بحر العلاقات بين البلدين، وخاتمي على حد قول جيفري كمب كان يرغب ليس فقط في فتح الحوار مع الادارة الاميركية واقامة علاقات طبيعية مع واشنطن بل انه كان يفكر ايضا بضرورة تغيير ملامح النظام من نظام ديني عقائدي الى نظام ديمقراطي شبه علماني.

ولكنه خسر كافة الفرص المتاحة له لتنفيذ رغباته، نتيجة لمعارضة مرشد النظام القوية ومؤامرات اركان السلطة من رفسنجاني الى عسكر اولادي وقادة الحرس والسلطة القضائية ضده وضد رجاله. وقبل خسمة أشهر اعتقل عباس عبدي زعيم طلبة خط الامام واحد ابرز معماريي مشروع الاصلاحات بتهمة السعي لاثارة الرأي العام لصالح قيام العلاقات بين ايران والولايات المتحدة بنشره نتائج استطلاع اجرته مؤسسته، بينت ان 76 في المائة من الايرانيين يطالبون بعودة العلاقات بين طهران وواشنطن. واليوم يدعو هاشمي رفسنجاني احد اركان النظام لاجراء استفتاء عام لتحديد توجهات المجتمع حيال فتح الحوار مع الولايات المتحدة.

وكان احد النواب من التكتل الاصلاحي قال في الجلسة المغلقة للبرلمان الايراني السابق ذكرها، اكد في كلمته «ان الشيطان الاكبر، قام بما فشلنا في تحقيقه، بحيث اسقط نظام طالبان المعاند لنا في افغانستان دون ان ندفع نحن ثمنا لذلك، وها هو اليوم، يزيل كابوس البعث وصدام حسين لذلك الرجل الذي اعتبر خلق الايراني واليهود والذبابة خطيئة من قبل الله، وثماني سنوات حاربنا صدام حسين ودفعنا نصف مليون شهيد ونصف مليون جريح ومعوق، وانتهت الحرب تاركة وراءها، 250 مدينة وبلدة و700 قرية مدمرة، دون ان نتمكن من تغيير الوضع في العراق وكسب حقوقنا المشروعة، وما فشلنا في تحقيقه خلال ثماني سنوات، حققته اميركا في ثلاثة اسابيع». وتابع النائب حديثه قائلا «لاكثر من 23 عاما حاربنا مجاهدين خلق، وفشلنا في استئصال جذورهم بسبب دعم النظام العراقي. واليوم اين هو مسعود رجوي؟ لقد ضربت القوات الاميركية معسكرات مجاهدين خلق، ودمرت مراكزهم. بحيث لن يكون مصير رجوي وقادة مجاهدين خلق افضل من مصير صدام حسين. هل نحن بحاجة الى دلائل اخرى، لكل نقبل بان اميركا هي اكثر حلفائنا صدقا ودعما لنا؟».