تركيا تعاملت مع حرب العراق بهاجسين مالي وكردي وواجهت نتائجها بدبلوماسية «تحديد» خسارتها على الجبهتين

TT

بين قطف الثمار المادية للحرب الاميركية على العراق والتجاوب مع مشاعر قاعدتها الانتخابية الاسلامية، والتخوف من احتمالات استئثار الاكراد بمزيد من الاستقلال الذاتي في شمال العراق... خضعت حكومة حزب «العدالة والتنمية» الاسلامي المشكلة حديثا في انقرة، لتجاذبات حادة عرقلت صياغتها لموقف من خطة الحرب توفق بين مصالحها الاقتصادية وتطلعاتها السياسية.

بدأت اشكالات الخيار الصعب في انقرة مع مطالبة الادارة الاميركية بنشر 62 ألف جندي داخل الاراضي التركية استعدادا لفتح ما أسماه البنتاغون بـ«الجبهة الشمالية». وترافقت الضغوط الاميركية على انقرة لاقرار هذا الطلب بعروض مالية سخية وصلت قيمتها، عشية تصويت البرلمان عليه الى 24 مليار دولار، منها 6 مليارات معونة مباشرة.

ورغم أن الحكومة التركية ـ التي كان يرأسها آنذاك عبد الله غول ـ تعهدت في 25 فبراير (شباط) الماضي بتقديم مذكرة بهذا الشأن الى مجلس النواب للحصول على موافقته على نشر القوات الاميركية، كشفت الصحف التركية عن «انقسامات حادة» حيالها داخل الحكومة نفسها.

في أجواء هذا التردد الرسمي في تمرير الطلب الاميركي، ألقت المؤسسة العسكرية التركية بثقلها الى جانب واشنطن وأعلنت، بلسان رئيس هيئة الاركان الجنرال حلمي أوزكوك، ان «المشاركة في الحرب أقل ضررا من عدمها».

الا ان التردد استمر سيد الموقف في انقرة، ففيما أعلن رئيس البرلمان، بولنت أرينتش، معارضته لاجراء نقاش حول طلب نشر القوات الاميركية في تركيا، قال رئيس الحكومة، عبد الله غول، ان الاتفاق مع واشنطن على نشرها ما زال مرهونا بالتفاوض على «قضية أو اثنتين». وكشفت صحيفة «حرييت» التركية أن إحدى نقاط الخلاف كانت مطالبة انقرة بدخول قواتها العسكرية الى شمال العراق وبنزع سلاح الميليشيات الكردية المسيطرة على المنطقة فور الانتهاء من العمليات العسكرية.

إلا أن واشنطن رفضت الطلبين معا فحذر الرئيس الاميركي جورج بوش تركيا من «اي عملية تدخل منفرد» لقواتها في شمال العراق فيما اعلنت القيادة العسكرية الاميركية قبولها بان «تراقب» الحكومة التركية عمليات «تسليح» الاكراد فقط.

حسم البرلمان التركي التردد الحكومي تجاه الطلب الاميركي بمعارضته، في الأول من مارس (آذار) ـ وباكثرية ثلاثة اصوات فقط ـ نشر القوات اميركية في تركيا، الامر الذي استتبع تخلي الولايات المتحدة عن خطة فتح «جبهة شمالية» فاعلة في حربها على العراق. الا ان المفارقة في هذا القرار كانت في دفعه الولايات المتحدة على زيادة اعتمادها على المقاتلين الاكراد في شمال العراق، مما أثار قلق انقرة من «مكافأة» سياسية محتملة للاكراد قد تأخذ طابع دعم مطالبهم الانفصالية في شمال العراق، مع ما يمكن ان يفرزه ذلك من مطالب مماثلة في اوساط الاقلية الكردية الكبرى في تركيا.

وفي هذا السياق كشفت واشنطن عن مطالبة انقرة باعلان أميركي رسمي يحمل تعهدا بان لا تعترف واشنطن باية دولة مستقلة قد يعلنها الاكراد في شمال العراق. وبالاضافة الى هذا المطلب الرئيسي سعت حكومة انقرة للحصول على حصة للاقلية التركمانية في اي حكومة جديدة في بغداد وعلى وعد أميركي بان لا تقع موارد العراق النفطية بايدي الاكراد.

وإذا كانت تركيا لم تخف قلقها، بعد اندلاع الحرب، من تراجع دورها في تحديد مستقبل شمال العراق، ومن خسارتها للمساعدات الاميركية الملحة، فانها لم تتراجع عن لغة الوعيد في تعاملها مع مستقبل شمال العراق فاعلنت بوضوح، بعد دخول ميليشيات البيشمركة الكردية الى مدينتي الموصل وكركوك بمواكبة أميركية ،انها لن تسمح باي «تغيير ديمغرافي» في المدينتين اللتين يطالب الاكراد بالعودة اليهما بعد نزوحهم عنهما في اعقاب عملية «تعريب» طبقت في عهد صدام حسين، وكما اعلنت انها لن تسمح «بفرض اي أمر واقع» عليها، وفق ما قال عبد الله غول ـ بصفته وزيرا للخارجية في حكومة «حزب العدالة والتنمية» الثانية برئاسة رجب اردوغان ـ لنظيره الاميركي كولن باول، في اتصال هاتفي في العاشر من أبريل (نيسان) الحالي. وعلى خط مواز بدأت تركيا التحوط لاحتمالات قيام «دولة كردية» في شمال العراق عبر تنسيق موقف موحد تجاه هذا الاحتمال مع كل من ايران وسورية تحت شعار الحفاظ على وحدة الاراضي العراقية.

وعلى صعيد العلاقة المتوترة مع واشنطن، سعت حكومة اردوغان الى ترميمها قدر المستطاع فوافق البرلمان التركي في 20 مارس (آذار) الماضي على فتح المجال الجوي امام الطائرات الحربية الاميركية المتوجهة الى العراق فقابلت واشنطن هذا الاجراء بالموافقة على قبول «مراقبين عسكريين» اتراك لمرافقة القوات الاميركية في شمال العراق، وبتخصيص معونة اقتصادية «متواضعة» لها في ميزانية الحرب الاميركية قيمتها مليار دولار وبدعم قروض مباشرة او ضمانات قروض تصل الى 8.5 مليار دولار.