فريق بوش لإدارة العراق: جاي غارنر: أميركا كانت ستربح حرب فيتنام لو كان رئيسها آنذاك بوش

الحاكم الأميركي في العراق: جدل في الولايات المتحدة والعالم العربي حول علاقاته بإسرائيل وبلوبي الصناعات العسكرية

TT

اثار تعيين الولايات المتحدة جاي غارنر في منصب الاشراف على عملية اعادة اعمار العراق، جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة والعالم العربي، بسبب علاقات هذا الجنرال المتقاعد باللوبي الاسرائيلي ولوبي الصناعات العسكرية.

فقبل شهور قليلة كان غارنر، صاحب النجوم الثلاث، يعيش حياته بشكل طبيعي وهادئ في ضاحية اورلاندو الجميلة على مقربة من ديزني وورلد، قبل ان تستدعيه وزارة الدفاع (البنتاغون) وتطلب منه تولي احد اهم الوظائف في عالم اليوم: قيادة عملية بناء عراق ما بعد صدام حسين.

وكان غارنر قد حاز مرتبة عالية لنجاحه في ادارة عملية توصيل المساعدات الانسانية في شمال العراق بعد حرب الخليج السابقة عام 1991، لكنه ايضاً اثار من حوله جدلاً كبيراً وخاصة في العالم العربي بسبب علاقاته مع اسرائيل والغموض والسرية المحيطين بطبيعة العملية التي يتولاها.

خلال الشهور الماضية اختبأ غارنر في فندق هيلتون بالكويت ومعه نحو 300 من الضباط العسكريين والدبلوماسيين وطاقم المساعدة الانسانية يخططون لمرحلة سقوط نظام صدام. وفي الوقت الذي يتجنب فيه المسؤولون الاميركيون الاشارة الى مجموعة غارنر بكلمة حكومة انتقالية، فانه سيتولى وظائف الحكومة وخصوصاً عمليات توصيل المساعدات الى نحو 24 مليون شخص يعيشون في بلد مدمر تعادل مساحته مساحة ولاية كاليفورنيا.

ولفهم فلسفة غارنر في العمل، يتعين النظر الى فيتنام. وقال غارنر ان الولايات المتحدة لو حاربت في فيتنام بالطريقة التي حاربت فيها في العراق، لكانت ربحت تلك الحرب. واضاف في اول مقابلة اجريت معه يوم الاثنين الماضي: «كان عليهم نقل الحرب الى الشمال بدلاً من انتظار قدومها الى الجنوب. لو كان بوش رئيساً حينها لربحنا (حرب) فيتنام" واعترف غارنر بأن مهمته في الاشراف على اعادة تشكيل العراق، تشبه العمل ضد عقارب الساعة، ضد قوى فوضوية تضعف العراق وتقوي المشاعر المعادية للاميركيين. وقال في المقابلة الصحافية: «اذا تغيبت لفترة طويلة، في الوقت الذي تتزايد فيه التخمينات حول حكومتنا وحول شعبنا والشعب العراقي، فان فراغاً سيحدث، وسيملأ بطرق لا تريدها».

يشار الى ان الاشراف على اعادة اعمار العراق هو ارفع منصب يتولاه غارنر، البالغ من العمر 64 عاماً والذي اصبح صديقاً لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد بعد ان شاركه الاهتمام باقامة نظام دفاعي صاروخي. والى جانب المشاكل اللوجستية، فان عليه ان يشق طريقه عبر حقل الغام سياسي وان يوازن بين الضغوط التي تمارسها مجموعات كثيرة في العراق والولايات المتحدة.

ويقول الجنرال المتقاعد انتوني زيني الذي عمل عن قرب مع غارنر في عملية المساعدات الانسانية واعادة توطين الاكراد على الحدود العراقية ـ التركية بعد قيامهم بانتفاضة فاشلة ضد صدام حسين ان «جاي قام بعمل رائع في شمال العراق عام 1991، ولكن التحدي الذي يواجهه الآن مختلف تماماً». ويضيف زيني: «ان جاي هو الرجل المناسب لهذا العمل، فهو شخص لطيف وذكي جداً ومناسب تماماً لهذه المهمة».

وكان غارنر موفقاً تماماً في تدبير المأوى للاجئين الاكراد، حتى انه عندما حان الوقت لمغادرته شمال العراق في يوليو (تموز) 1991، استضافه المئات من الاكراد في ملاجئهم والحوا عليه بالبقاء.

لكن الآن، بعد 12 سنة، فان المعارضة العراقية منقسمة حول غارنر وعملية اعادة الاعمار التي يشرف عليها. بعضهم يحمله الخطأ هو ومساعديه بالبطء في التحرك، والبعض الآخر يتخوف من انه مقدم على رئاسة احتلال اميركي طويل المدى للعراق.

وقال احمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي في مقابلة اجرتها معه في الآونة الاخيرة شبكة «سي.ان.ان» من مدينة الناصرية بجنوب العراق: «اين هو غارنر الآن، لماذا لا يحاول هو ومعاونوه اعادة الكهرباء المقطوعة والمياه؟، ولماذا لا يزال في الكويت حتى الآن؟».

ويقول حامد البياتي ممثل المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في لندن: «لا نعرف ما اذا كان غارنر جيدا او سيئا، لكن ننظر الى انه يجب ان نتمتع بحكومة عراقية وليس بشخص عسكري، والا فان هذا سيكون فقط احتلالاً اميركياً».

وتركت ادارة الرئيس جورج بوش العديد من الاسئلة المتعلقة بغارنر بدون اجابة. وبدوره، احال البنتاغون الاسئلة عن غارنر الى البيت الذي لم يرد. ولم يستطع المتحدث الرسمي باسم البنتاغون في الاسبوع الماضي ان يؤكد او ينفي ما اذا كان غارنر قد قاد عملية زرع بطاريات صواريخ باتريوت مضادة للصواريخ في اسرائيل خلال حرب الخليج السابقة.

وبعد انتهاء حرب تحرير الكويت، دافع غارنر عن قدرات باتريوت امام الانتقادات التي وجهها الكونغرس، في الوقت الذي اعترف فيه بأن نظام الدفاع الصاروخي تصدى لعدد قليل من صواريخ سكود عكس ما يدعيه البنتاغون. وقال غارنر امام لجنة تابعة للكونغرس في ابريل (نيسان) 1992: «ان الحرب هي آخر الحلول، وهذا الحل الاخير جعل الولايات المتحدة وحلفاءها ينتصرون في عاصفة الصحراء، وكان لصواريخ باتريوت دورا كبيرا في هذا النصر».

لكن البروفسير تيدور بوستال الاستاذ بمعهد مساشوستس للتكنولوجيا والذي قاد حملة الانتقادات ضد صواريخ باتريوت وكان احد الحاضرين لجلسة الاستماع في الكونغرس يرى ان غارنر «كان متكبراً ووقحاً»، وانه كان احد كبار المسؤولين الذين يكذبون حول عملية قدرات باتريوت. وبعد ان تقاعد من الجيش عام 1997، قبل غارنر دعوة وجهها له المعهد اليهودي لشؤون الامن القومي لزيارة اسرائيل، وفيما بعد وقع غارنر ومعه 42 ضابطاً متقاعداً حديثاً بياناً اعده المعهد يشيد بضبط النفس الذي تقوم به قوات الامن الاسرائيلية في التعامل مع المقاتلين الفلسطينيين ويدين القيادة الفلسطينية لقيامها بتعبئة الاطفال بالكراهية.

ووفقاً لما يقوله فواز جرجس استاذ الدراسات الشرق اوسطية بكلية سارة لورانس، فان غارنر ينظر اليه في العالم العربي على انه احد الايديولوجيين المقربين من رامسفيلد. واضاف جرجس: «انه يعد احد الصقور في واشنطن الذين ارسلوه لينفذ خططهم الجيوسياسية».

ومنذ اعلن عن اختياره في يناير (كانون الثاني) الماضي، ليرأس مكتب البنتاغون الخاص باعادة اعمار العراق، تحول غارنر الى مانع صواعق امام معارضي الحرب حتى انه تم اطلاق موقع على الانترنت حمل اسم «اوقفوا جاي غارنر» stopjaygarner.com وهو موقع يعارض الخطط الاميركية لمرحلة ما بعد الحرب في العراق. ويصور المعارضون غارنر على انه المثال الرئيسي على العلاقات الوثيقة بين الجيش الاميركي والصناعات العسكرية، مشيرين الى عمله لشركة «اس. واي تكنولوجي» وهي شركة مقرها كاليفورنيا لصناعة الصواريخ وفازت بعقود مع البنتاغون قيمتها عشرات ملايين الدولار.

لكن اصدقاء غارنر الذين عملوا معه يرون ان تصويره على انه ايديولوجي امر كاريكاتيري لضابط عسكري محور تركيزه هو العمل من اجل الحصول على نتائج. ويدللون على ذلك بعمله في شمال العراق عندما شكل فريقاً ناجحاً جداً مع فريد كوني، «اسطورة» العمل الانساني الذي قتل في ما بعد في الشيشان. والعلاقة بين غارنر وكوني كانت هي مفتاح نجاح عملية الاكراد برمتها، حسبما يقول فيل تانر الذي كان يعمل مستشاراً سابقاً للجنة المساعدة الاميركية والذي عمل مع الرجلين في كردستان. ويضيف تانر ان غارنر كان مستعداً لخوض المخاطر وكان راغباً في العمل مع كوني، اذ كان ملتزماً جداً وحريصاً على عودة الاكراد الى منازلهم. وفي مقابلة تلفزيونية اجريت لاحقاً معه، تحدث غارنر باعجاب عن كوني، وقال عنه انه «رجل المخاطر».

ويصف تانر والمساعدون السابقون كيف ان غارنر استطاع ان يجعل البنتاغون يزيد صلاحيته ليقدم الغطاء العسكري له من اجل عودة اللاجئين الاكراد الى مدينة دهوك ويطرد الشرطة السرية العراقية من هناك.

وكان الاستيلاء على دهوك ضرورياً من اجل عودة اللاجئين الى منازلهم من الجبال التي كانوا فيها يتضورون جوعاً ويتجمدون من البرد. ووفقاً لوثائق ارشيفية عسكرية لم تنشر، فان غارنر دخل كثيراً في نزاع وخصام مع كبار المسؤولين العسكريين الاميركيين من امثال كولن باول رئيس هيئة الاركان حينها الذي كان دوماً يفضل التحرك بحذر.

ويشار الى ان اعضاء غارنر المكلفين الاشراف على اعادة اعمار العراق، يملكون وجهات نظر مختلفة. ويضم الفريق مجموعة من وزارة الخارجية، وآخرين من المحافظين الجدد الذين يؤمنون بضرورة اعادة تشكيل الشرق الاوسط، وكذلك مجموعة من العاملين في المساعدة الانسانية صغار السن الحساسين والتواقين للمغامرة.

* خدمة «واشنطن بوست» و«لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»