تشيني: «زعيم الظل» ومحور تقاطع كتل المصالح

TT

يعد ريتشارد (ديك) تشيني، رغم حرصه على البقاء في «الظل» نائب رئيس استنائياً في تاريخ الولايات المتحدة. فهو حقاً شريك في الرئاسة لا نائب رئيس تنحصر مسؤوليته في ترؤس جلسات مجلس الشيوخ، ويكون احتياطياً للرئيس اذا تعرض لعارض. وتكمن اهمية تشيني بالذات في وزنه التمثيلي ضمن قيادة الحزب الجمهوري. فهو اليوم الزعيم الاول لمعسكر اليمين المحافظ في الحزب ومن ثم في عموم الولايات المتحدة.

فبالرغم من ان الرئيس جورج بوش «الابن» برهن عن إخلاص منقطع النظير لتيار اليمين الجمهوري المحافظ، كان سجله السياسي عند ترشيحه للرئاسة غامضاً قصيراً. اما إرثه السياسي المتحدر إليه من ابيه، فلم يكن مشجعاً لغلاة اليمين على اعتبار ان جورج بوش «الأب» ورث قيادة التيار المعتدل، الذي كان في يوم من الايام عميق الجذور في ولايات الشمال الشرقي الليبرالي.

غير ان التحول الآيديولوجي للجمهوريين نحو أقصى اليمين واعتمادهم أكثر فأكثر في نفوذهم على ولايات الجنوب وولايات الارياف الغربية والجبلية خلخل توازنات الحزب. ولذا كان ثمة إدراك ان بوش وحده عاجز عن إرضاء مختلف الاتجاهات وتحديداً الاتجاه الريغاني المدعوم من اليمين الانجيلي الاصولي. ايضاً كان حاكم تكساس السابق قليل، بل عديم، شؤون السياسة الاتحادية وشجونها في واشنطن، وبالتالي لا بد من شخصية مجربة وخبيرة بدهاليز واشنطن وخباياها.

ولذا جاء اختيار تشيني للترشح لمنصب نائب الرئيس خطوة مدروسة، وذكية جداً. فالرجل يميني محافظ موثوق، وخبير مجرب في مناورات واشنطن، ودهاليز كتل مصالحها منذ دخل مجتمعها السياسي، وترقى في مراتبه حتى صار وزيراً للدفاع. ثم انه بجانب تفاهمه مع عائلة بوش، منذ عمل مع بوش «الأب»، خير ممثل لكتل المصالح الضخمة الغنية وعلى رأسها «لوبي» الطاقة، خاصة انه ترأس منذ مغادرته «البنتاغون» شركة هاليبرتون العملاقة للخدمات النفطية، وتعامل عندما كان وزيراً للدفاع بصورة وثيقة مع «لوبي» السلاح. والمعروف على نطاق واسع ان الحزب الجمهوري يستمد قوته وامواله من كوكبة من المصالح النافذة، وفي طليعتها شركات الطاقة (النفط) وشركات صناعة السلاح والمرافق العسكرية وخدمات القوات المسلحة، بجانب طيف واسع من قوى اليمين المحافظ.

* بداية الطريق

* ولد ريتشارد تشيني في مدينة لنكولن، عاصمة ولاية نبراسكا، في الوسط الغربي الاميركي، يوم 30 يناير (كانون الثاني) من عام 1941. بيد ان عائلته انتقلت من نبراسكا الى ولاية وايومينغ الجبلية الريفية التي تعد إحدى اقل ولايات الاتحاد الاميركي سكاناً. وترعرع «ديك» في مدينة كاسبر الصغيرة ثاني كبرى مدن وايومينغ. ثم التحق بجامعة وايومينغ حيث تخرج فيها بدرجتي البكالوريوس والماجستير في الآداب متخصصاً في الاقتصاد.

عام 1969 بدأ عمله في القطاع العام في مجلس نفقات المعيشة ضمن مكتب الفرص الاقتصادية، وضمن فريق البيت الابيض. وجاءته فرصة طيبة لتحقيق مزيد من التقدم السياسي عندما تولى جيرالد فورد منصب الرئاسة خلفاً لريتشارد نيكسون إثر «فضيحة ووترغيت»، فخدم ضمن الفريق الانتقالي لفورد، ثم صار نائب معاون للرئيس. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1975 رقي الى رتبة معاون للرئيس ورئيس لجهاز موظفي البيت الابيض واحتفظ بهذا المنصب طيلة فترة فورد الرئاسية.

* فترة تحضير وتأهب

* عهد فورد القصير انتهى بنكسة للجمهوريين، اذ انتزع حاكم ولاية جورجيا الديمقراطي جيمي كارتر الرئاسة. وهكذا خلال عهد كارتر، قرر تشيني دخول الكونغرس فترشح للمقعد الوحيد المخصص لولايته وايومينغ بمجلس النواب الاميركي عام 1977، وفاز بالمقعد وأعيد انتخابه له خمس مرات، ثم انتخبه زملاؤه رئيساً للجنة السياسية الجمهورية وشغل هذا المنصب بين عامي 1981 و1987. وبعد اختياره رئيساً لتجمع النواب الجمهوريين عام 1987، انتخب عام 1988 مسؤول النظام للأقلية الجمهورية ـ يومذاك ـ في مجلس النواب. وكانت هذه الفترة فترة ازدهار «الريغانية» في اميركا، حين سيطر اليمين الجمهوري على البلاد والعالم لمدة ثماني سنوات. وبعد انتهاء عهد رونالد ريغان وتولي نائبه جورج بوش «الأب» الرئاسة عين تشيني عام 1989 وزيراً للدفاع وظل في هذا المنصب حتى خروج بوش من البيت الابيض على يد الديمقراطي بيل كلينتون عام 1993. وطوال تلك الحقبة عرف تشيني بين زملائه وعلى المستوىين الاميركي والعالمي، بأنه سياسي محنك وإداري ذكي وحازم ودقيق في التعاطي مع كل ملف يوكل اليه. وكسب على الصعيد العسكري بالذات سمعة ممتازة لقيادته «البنتاغون» ابان حملتين عسكريتين كبيرتين، هما حملة إسقاط نظام مانويل نورييغا في بنما وحرب «عاصفة الصحراء» لتحرير الكويت. كما ادرك المهتمون بدقائق السياسة الاميركية دوره الحاسم في عملية بناء الترسانة العسكرية الاميركية وتخطيط مستقبلها في عصر ما بعد الحرب الباردة.

* العائلة

* أخيراً على الصعيد العائلي، تجدر الاشارة الى ان تشيني تزوج عام 1964 من لين آن فنسنت التي كانت زميلة دراسة له. وهو أب لابنتين هما اليزابيث وماري، وجد لثلاث بنات. وراهناً تشغل ابنته اليزابيث تشيني ـ بيري منصب نائبة مساعدة لوزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى، وذلك بعدما تدرجها في الشؤون الاستشارية السياسية والاقتصادية ضمن مؤسسة «آرميتاج آسوشييتس إل إل بي»، التي اسسها نائب وزير الخارجية الحالي ريتشارد آرميتاج.