بول وولفويتز: «كيسنجر البنتاغون»

TT

بول وولفويتز، من حيث الوزن السياسي، والتأثير السياسي ايضا، أكبر بكثير من منصبه الرسمي فهو إسمياً مجرد نائب وزير الدفاع، في حين انه في واقع الأمر اهم من معظم الوزراء في إدارة الرئيس جورج بوش «الابن». بل انه عند التداول في الاسماء التي ستشغل مناصب الادارة كان اسم وولفويتز مطروحاً كوزير. والواقع ان عودة وولفويتز، اليهودي ابن حي بروكلين النيويوركي والاستاذ الجامعي اللامع، الى «البنتاغون» جاءت أشبه بالعودة الى المؤسسة الأم التي عمل لها ومعها مرتين من قبل، والتي فصله عنها العمل الدبلوماسي ومن ثم العمل الاكاديمي. وهو يمكن ان يلقب بـ«كيسنجر البنتاغون» لأنه مثل هنري كيسنجر يهودي واكاديمي يلعب دورا مؤثرا في السياسة الاميركية.

ولد بول دنديس وولفويتز يوم 22 ديسمبر (كانون الاول) عام 1943 في مدينة نيويورك. وتخرج في جامعة كورنيل بدرجة بكالوريوس في الرياضيات ثم حصل على دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية من جامعة شيكاغو. وبدأ حياته العملية أستاذاً في جامعة ييل. وكان في هذه الفترة من المعجبين بالسناتور الديمقراطي اليميني هنري جاكسون، أحد اكبر اصدقاء اسرائيل في مجلس الشيوخ، مثله في ذلك مثل باقي الرعيل الذي يعرف الآن بـ«المحافظين الجدد» Neo-conservatives الذي يتحكم فعلياً في السياسة الخارجية الاميركية.

اهتمام وولفويتز بالشؤون الاستراتيجية اهله للالتحاق بالوكالة الاميركية للحد من التسلح ونزع السلاح بين 1973 و1977. وتولى خلال هذه السنوات مسؤوليات حساسة صقلت خبراته تماماً0 ومن ثم في عام 1977 عين نائباً مساعداً لوزير الدفاع وشغل هذا المنصب حتى عام 1980. وبعد سنة امضاها مجدداً استاذاً في معهد الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز في واشنطن، عين عام 1981 مديراً لجهاز التخطيط السياسي في وزارة الخارجية مع بواكير عهد الرئيس رونالد ريغان. ثم رقي عام 1982 الى منصب مساعد لوزير الخارجية لشؤون الشرق الاقصى وحوض المحيط الهادئ، وكان في هذه الفترة قد اكمل مع اترابه من «المحافظين الجدد» تحوّلهم العقائدي من الحزب الديمقراطي الى اقصى يمين الحزب الجمهوري ـ مع جين كيركباتريك وريتشارد بيرل وايليوت ابرامز وغيرهم.

ظل وولفويتز في الخارجية بواشنطن حتى تعيينه سفيراً لدى اندونيسيا عام 1986 حتى عام 1989. وفي ذلك العام عاد الى «البنتاغون» في منصب وكيل وزارة الدفاع. وظل في هذا المنصب حتى عام 1993 عندما عين عميداً واستاذاً للعلوم السياسية في معهد بول نيتزه للدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز. وبقي في هذا المنصب حتى تعيينه نائباً لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد في الادارة الحالية.

فلسفة وولفويتز السياسية تختصر ببعدين اثنين، الأول هو نهج براغماتية المحافظة اليمينية جداً الرافضة لأي فكرة تعايش مع قوى منافسة للولايات المتحدة او مهددة لمصالحها، بصرف النظر عما إذا كانت ديمقراطية ام لا، والثاني، هو الدعم الاستراتيجي لإسرائيل. وكان وولفويتز احد خطباء مسيرة واشنطن اليهودية الشهيرة بعد اعتداءات 11 سبتمبر (ايلول) 2001. وفيها أكد دعم واشنطن المطلق لإسرائيل، الا انه قوبل بصفير الاستهجان عندما قال امام جموع المتظاهرين ان الدعم المطلق هذا يجب ان يأخذ في الاعتبار ايضاً وجود حقوق للفلسطينيين.

ايضاً من مقولات وولفويتز الشهيرة، وهو الذي تعامل طويلاً مع ديكتاتورات الشرق الاقصى، وعلى رأسهم سوهارتو في اندونيسيا وفرديناند ماركوس في الفلبين، «ان الولايات المتحدة تفضل بطبيعة الحال ان تكون كل حليفاتها دولاً ديمقراطية، الا انها لا يمكن ان تفكر بتغيير نظام الحكم في اي من هذا الدول الا اذا كان البديل مقبولاً لها».

في الموضوع العراقي، كان وولفويتز رأس حربة الخط المتشدد الداعي لخوض الحرب لاطاحة حكم صدام حسين. وكان اسمه على رأس اسماء الشخصيات اليهودية في الادارة التي أثار الصحافي والسياسي المحافظ بات بيوكانان عاصفة في واشنطن عندما اتهمها «بتسيير» السياسة الاميركية ورهنها وفق «اللوبي الاسرائيلي» الاميركي واهواء تل ابيب، وهو اليوم احد كبار دعاة مهاجمة سورية.