البنتاغون يدرس خططاً لتطوير الجيش تركز على القوات الأخف عدداً والأسلحة الأدق تصويباً

TT

دفع النصر الذي حققته القوات الاميركية في العراق، ادارة الرئيس جورج بوش لتمتدح برنامج العمل الذي اقترحته بان تصبح القوات الاميركية اقل عدداً واخف وزناً في المعارك.

وقال نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني: «باقل من نصف القوات البرية وثلثي العناصر الجوية التي استخدمت في عاصفة الصحراء قبل 12 عاماً، حقق وزير الدفاع (دونالد) رامسفيلد والجنرال تومي فرانكس هدفاً اصعب بكثير، وهذا دليل ايجابي على نجاح مجهوداتنا لتغيير شكل الجيش لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين».

ولكن في الوقت الذي يتفاخر فيه الرئيس بوش والجيش الاميركي بنتائج الحرب، فان التغيير في بنية الجيش الذي تحدث عنه تشيني حدث خلال العقد الماضي، وغالباً قبل تولي بوش السلطة.

ويأمل العديد من الخبراء في ان الدرس الذي يمكن ان تخرج به ادارة بوش من النجاح في العراق هو الدور الحيوي الذي لعبته الدبابات والمدفعية وجنود المشاه في تحقيق النصر، فالطريقة التي ستقرا بها الدروس المستفادة من العراق مهمة جداً لانها ستؤثر على القرارات التي سيتم اتخاذها بشان تحديث الجيش والقوات المسلحة الاخرى.

وفي الوقت الذي يوجد فيه شبه اجماع على ضرورة تغيير الجيش، فان الحرب في العراق ابرزت العلاقة المضطربة بين الادارة وبعض كبار الضباط حول نوع التغيير المطلوب. ويقول المحلل العسكري بايرون كالان: «لا احد يجادل على مدى قوة وفعالية الاسلحة الدقيقة التصويب والاسلحة الذكية والمراقبة التي استخدمت في العراق، لكن مع ذلك اعاد الاستخدام المكثف للقوات الارضية التوازن للجدل حول تحديث الجيش والذي كان يتجه بقوة تجاه القوة الجوية والاسلحة الدقيقة التصويب».

يذكر ان رامسفيلد ابدى حرصاً شديداً على تغيير شكل الجيش الاميركي. وبحلول النصف الاول من مايو (ايار) المقبل، يتعين على رامسفيلد وكبار مساعديه ان يحددوا ما اذا كان الجيش سيمضي قدماً في مشروع اعادة التشكيل الذي استغرق اعداده ستة اعوام وتكلف 50 مليار دولار من اجل تطوير الدبابات والاسلحة الاخرى بحيث تصبح اخف واسرع عن المعدات العسكرية الحالية ولكن بقدرات اعلى على ارض المعركة.

ورغم ان رامسفيلد لم يعلق بعد على خطط اعادة تشكيل الجيش، فانه كان ابدى تفضيله للقوات البرية الخفيفة، والصواريخ الدقيقة التصويب والعمليات الخاصة والمعلومات التكنولوجية عن القوات البرية التقليدية. وقبل بدء الحرب في العراق شدد رامسفيلد اكثر من مرة على الحاجة لعدد اكبر من وحدات المدفعية الثقيلة، وحث كبار القادة العسكريين على وضع خطط لجعل القوات البرية اخف وزناً واقل عدداً.

وفي الوقت الذي تدافع فيه الادارة الاميركية عن موقفها السابق من تقليل الاعتماد على القوات البرية التقليدية في المسقبل، فان المسؤولين العسكريين يرون ان هذا قد يترك الجيش الاميركي في حاجة في المستقبل.

وقال اللفتنانت جنرال جون ريجس رئيس برنامج تطوير الجيش: «لا بد ان تكون لديك القدرة على التعامل مع قوات ضخمة وكبيرة العدد، ولا بد ان تكون لديك المقدرة للتفوق على الخصم على الارض اذا اردت ان تفرض سيطرتك على الارض».

ويتفق مع هذا الرأي غريغوري اوروين المحلل العسكري بجامعة تمبل، ويقول: انا لست مستعداً لقبول فكرة التخلي عن الجيش الضخم، ولا اعرف كيف يمكن ان تسير الامور بدون ذلك، فليست لدينا فكرة عن شكل عدونا المقبل». ويضيف ان التفوق الاميركي الساحق على الجيش العراقي لا ينبغي ان يصيب الاميركيين بالغرور.

وواضح حتى الآن، كما يقول الخبراء، ان ما جعل القوات الاميركية لا تقاوم على ارض المعركة ليس عنصراً واحداً ولكن اشتراك القوات الجوية والبحرية والبرية بما فيها المشاه الخفيفة والثقيلة.

ويقول ريتشارد هارت سينريتش، الرئيس السابق للدراسات العليا بـ «آرمي سكول»: «اذا كان هناك شيء واحد له الفضل فيما تحقق في العراق، فهو الاشتراك بين القوات الذي كان يجعل اثرها يبدو مثل انفجار واحد، ففي كل مرة كانت احدى القوات تتقدم ناحية هدف ما كانت قوة اخرى تدعمها، فالجو يدعم الارض، والارض تدعم الجو، واذا لم تنجح الناحية اليمنى في تحقيق شيء حققته الناحية اليسرى، ولكن المفتاح الرئيسي لمثل هذه العمليات كان هو الاتصالات المتطورة والتنسيق». ويضيف سيزيتش مشيراً الى المتعصبين للقوات الجوية «في كل مرة كنا نحاول الاعتماد على حل واحد كنا نطرد الفكرة بعيداً. فارض المعركة اكثر تعقيداً لحدوث مثل هذا الامر وليس هناك رصاصة فضية».

وعلى سبيل المثال وقبيل وصول القوات الاميركية الى بغداد، كان منتقدو القوات التقليدية يؤكدون بان المدرعات سيكون لها دور محدود في القتال في المناطق المدينية. ولكن عندما دخلت القوات بغداد ساعدت المدرعات قوات المشاة على التوغل في عمق المدينة والتصدي للمقاومة العراقية بالقليل من الخسائر وقليل من الضحايا بين المدنيين.

كذلك اثبتت المدفعية التي يطلق عليها الجنود «زهرة التنين» فعالية كبيرة وخاصة اثناء القتال في الطقس السيئ الذي يحد من فعالية الدعم الجوي وايضاً في المراحل الاخيرة عندما كانت القوات الاميركية على مقربة امتار من الجنود العراقيين. فالمدفعية هي التي دعمت الاميركيين سبعة ايام في الاسبوع واربع وعشرين ساعة في اليوم، كما يقول، جو بلنز من قوات مشاة البحرية (المارينز). كذلك، فان مدفع المارينز من عيار 155 ملم يبلغ مدى 15 ميل. وبالاستعانة بتحديد الكومبيوتر تستطيع هذه المدفعية ان تصيب هدفاً حجمه 50 غالون. وكذلك في خلال ثلاثين دقيقة استطاعت نيران المدفعية ان تطلق 400 جولة من القذائف على مواقع الخصم.

وقال ويل ويلالبومي من المارينز: «كان هناك الكثير جداً من القذائف التي تتساقط من السماء في نفس الوقت وتم استخدام الكومبيوتر والقمر الصناعي لمنع اصطدامها ببعضها البعض كما لو كنا في غرفة تحكم في الطائرات في لوس انجليس. وفي نفس الوقت فان الدعم الجوي لعب دوراً مهماً على ارض المعركة».

وقال مسؤول في البنتاغون طلب عدم نشر اسمه انه في احد ايام الاسبوع الماضي كان هناك فصيل مدرب يحاول الاستيلاء على جسر من القوات العراقية وطلب الفصيل من مقاتلات «اف. 15» اسقاط القذائف على القوات العراقية، لكن الطيارين كانوا يحلقون في عاصفة رملية شديدة منعتهم من الرؤية وتحديد الهدف بدقة بدون المخاطرة وقصف القوات الاميركية القريبة. وعلى الفور اتصل الطيارون بطائرة من طراز «ايه 86» كانت تحلق فوق العاصفة الرملية ومجهزة بانظمة كومبيوتر واقمار صناعية فحددت الهدف بسرعة وعن طريق التنسيق استطاع طيارو الـ «اف. 15» ضرب القوات العراقية التي كانت تهدد الجنود الاميركيين.

ويعترف المتحمسون للقوات الثقيلة التقليدية، بان الوحدات اصبحت حالياً ثقيلة جداً وبطيئة جداً للاقدام على العمل وتستهلك الكثير من الوقود والذخيرة والمتطلبات الاخرى. وتبعاً لخطة اعادة تشكيل الجيش فان الخطوة التالية هي التطوير الجذري عبر اسلحة جديدة وقوات مقاتلة بنهاية هذا العقد. وسوف يتم الجمع بين سرعة القوات المحمولة جواً ووحدات المشاة الخفيفة والقوة الضاربة في شل نيران العدو للدبابات الثقيلة والمدفعية والعربات المدرعة.

وقد دافع رامسفيلد وتشيني وآخرون عن ورقة واحدة على الاقل يطلق عليها الجيش «نظام القتال المستقبلي» وهي تركز على القوات السريعة الخفيفة. وتدعو الورقة الى ضرورة الاعتماد على الدبابات التي تملك القدرة القتالية الضاربة على ارض المعركة بقذائف تزن 70 طناً حالياً لكنها ستزن 20 طنا او اقل فقط في المستقبل.

وعلى عكس من هذه القذائف، فان الارصفة الجديدة سيصبح من الممكن نقلها جواً بدلاً من خطوط الامداد الطويلة التي تحتاجها تلك الدبابات حالياً، وستحمل معها فرقة الدبابات الذخيرة التي تكفيها لمدة اسبوع دون اي دعم اضافي. ويتعهد الجيش بقدرته على نشر هذه الفرقة في اي مكان من العالم خلال 96 ساعة وبنقل فصيل مثل الفرقة الثالثة مشاة التي قادت الهجوم على بغداد خلال خمسة ايام وبنقل خمسة فصائل خلال ثلاثين يوماً.

وتحتاج هذه العملية حالياً الى شهور عديدة حتى يتمكن فصيل من نقل دباباته الثقيلة ومدفعيته وعربات المشاة وخزانات الوقود والمعدات الاخرى الى نقطة الصراع. وفي العادة فان المعدات تنقل بالقطارات الى موانئ السفن ومنها الى اعالي البحار، وينقل الجنود عادة بالجو فيما بعد. لكن وحدات الجيش المستقبلية سيصبح من الممكن نقلها بالكامل عبر الجو او عبر وسائل النقل الخفيف. فمثلاً القوات الجديدة سيمكنها القفز في ميدان المعركة عن طريق نقلها بالجو من نقطة لنقطة للسيطرة على الاهداف الحيوية بدون المغامرة بمواجهة قوات العدو ذات التسليح الثقيل. القوات الاميركية المستقبلية ستكون دباباتها ومعداتها الاخرى من الخفة بحيث يمكن حملها وتوصيلها بالجو ومن القوة ايضاً بحيث انها تسحق قوة العدو بسهولة.

ورغم ان التكنولوجيا المطلوبة لتنفيذ هذه الافكار غير موجودة الآن، فان مخططي الجيش يقولون ان دراساتهم تؤكد انه من الممكن تحقيق هذا بنهاية العقد الحالي، ولكن فقط اذا سمح لهم بالمضي قدماً.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»