الأهوار.. صدام وعد أهلها بحياة يابانية وارتد بهم إلى عصور ما قبل سومر وأكد

TT

من اعماق الغمر العراقي وعلى تخومه انبثق اعظم اختراعين في تاريخ البشرية على الاطلاق: الكتابة والعجلة. وسط هذا الغمر وعلى حافاته نشأت ثلاث من اعظم حضارات العالم القديم: سومر واكد وبابل.

لكن الاهوار كوفئت عن انجازها الحضاري بان تُرك اهلها لقرون متصلة في عزلة موحشة ارتدت فيها حياتهم الى بدائية ما قبل سومر واكد وبابل.

وفي العام 1979، بعد اكثر من اربعة آلاف سنة من اختراعهم الكتابة حصل اهل الاهوار على وعد علني بنقلهم الى القرن العشرين. وقبل اشهر قليلة من انقلابه على رئيسه ورفيقه الاكبر الرئيس العراقي الاسبق أحمد حسن البكر، جال نائب الرئيس صدام حسين (الرئيس لاحقاً) في الاهوار وتعهد بتحويلها الى منتجعات سياحية تجعل من سكانها، المعدان (مربي الجاموس) وجامعي القصب وصيادي السمك وزارعي الرز، في مستوى اغنياء اليابان واميركا واوروبا.

على الفور بدأت الآلات الحديثة بالعمل داخل الاهوار.. ولكن لتمهد غمرها وارضها الرطبة للحرب على ايران. وعاماً بعد آخر من سنوات الحرب الثماني كانت مناطق واسعة من هذا الغمر الممتد على مساحة 20 ألف كيلومتر مربع تفرغ من سكانها وتزرع بالالغام والاسلاك الشائكة. وعلى بقايا قرى القصب القائمة قامت الربايا العسكرية وامتلأت الدروب المائية الضيقة بجثث الجنود القتلى بدل المشاحيف التي تجمع القصب والبردي أو تصطاد السمك. وفي احدى السنوات اطلقت حكومة بغداد حملة جندت فيها عشرات الالاف من مقاتلي «الجيش الشعبي» وطلبة المدارس والجامعات وعمال المؤسسات الحكومية، فضلاً عن السكان المحليين، لابادة منابت القصب والبردي التاريخية لجعل القوات الايرانية مكشوفة اذا ما اندفعت عبر هذه المناطق.

ولقد توجبت الحرب على الاهوار بمشروع اسطوري لتجفيفها بذلت فيه جهود جبارة وانفقت اموال طائلة للتعجيل به، وهو ما تحقق خلال سنوات قليلة. ففي العام 2000 قدر خبراء الامم المتحدة، استناداً الى دراسات ميدانية وصور ملتقطة عبر الاقمار الصناعية، ان 7% فقط من مناطق الهور التاريخية ظلت بحالة جيدة، فيما انعدم أي أثر للاهوار في المناطق الاخرى، وخصوصاً الاهوار الشرقية، او انها اصبحت غير صالحة للنشاط البشري التقليدي في هذه المنطقة.

اشتملت خطة تجفيف الاهوار على خمسة مشاريع كبرى:

1 ـ تكتيف انهار محافظة ميسان (العمارة) بانشاء سدود ترابية تتراوح اطوالها بين 6 كيلومترات و18 كيلومتراً على 7 انهار وروافد وجداول لمنع وصول المياه الى الاهوار والاراضي الزراعية القريبة.

2 ـ تهذيب ضفاف الانهار بانشاء سدين ترابيين يقطعان نهايات جميع الانهار والروافد والجداول التي تنتهي في هور العمارة مما نجم عنه انخفاض منسوب المياه في هذا الهور وحرمان السكان المحليين في مياه الشرب والسقي.

3 ـ تحويل مياه نهر الفرات الى المصب العام، وهو ما ادى الى تغيير المجرى الطبيعي والتاريخي لنهر الفرات ابتداء من مدينة الناصرية والقاء مياهه في المصب العام المعروف بـ«النهر الثالث» أو «نهر صدام» وجعل مجرى الفرات مبزلا لسحب مياه اهوار العمارة وهور الحمار.

4 ـ تكتيف نهر الفرات في محافظتي ذي قار (الناصرية) والبصرة لمنع مياه النهر من التسرب الى هور الحمار.

5 ـ تقطيع الاهوار في محافظتي ميسان والبصرة عن بعضها البعض بعدة سدود لتسهيل عمليات تجفيفها.

الخطة في مجملها، وإن لم تكتمل بعد، انتهت الى تشريد عشرات الالاف من العوائل، إما بالقوة المسلحة او بقوة النتائج التي اسفرت عنها الخطة. فقد جفت افضل المناطق الصالحة لزراعة الرز وتربية الجاموس واصطياد الاسماك والطيور، وانقطاع المياه الصالحة للشرب.