.. في الموصل أيضا لم يبق من آثار الحضارة الآشورية سوى تماثيل لم يستطع حملها الناهبون

متحف المدينة الشمالية نقل قبل الحرب الكثير من تحفه إلى بغداد ظنا أنها أكثر أمانا!

TT

في الحرب ضد صدام حسين، كان تاريخ الموصل الغني جزءا من الدمار الذي صاحب الحرب. ففي اطار هيجان النهابين في المدينة الاسبوع الماضي، دخل هؤلاء الى متحف الآثار فيها، وسلبوا المئات من القطع الأثرية الفريدة من نوعها، بما في ذلك النقوش الجدارية، والألواح الطينية المسمارية، من مدينتي نينوى ونمرود الآشوريتين القديمتين.

وبينما يحتمل ان يكون معظم الغربيين لم يسمعوا بالموصل قبل الحرب، فان المدينة شهيرة بين علماء الآثار باعتبارها مركزا للمنطقة التي تشتهر بمواقع التنقيب الهامة فيها. وقد قامت الثقافات الانسانية المتعاقبة في هذه المنطقة منذ 10 آلاف سنة.

وربما تكون معظم محتويات متحف المدينة، التي تمثل العمل المشترك لأجيال من الباحثين، قد ضاعت الى الابد. وقال منهل جبر، مدير الآثار القديمة والتراث في محافظة نينوى اول من امس انه عندما دخل الى متحف الموصل المنهوب السبت الماضي شعر بالدمار. وقال «لقد احسست باليأس، بل وبكيت».

وقد رفع يده واظهر للزائر الشيء الوحيد الذي اسهم الناهبون بتقديمه لمجموعة المتحف، وهو الغلاف النحاسي لطلقة رشاشة كلاشنيكوف، وجد في الدور التحتاني للمبنى. واضاف انه، ببساطة، لا يمكن تقدير حجم الخسارة.

وقال جبر وقد ارتسمت على محياه ابتسامة شخص مصاب بالذهول «لا يمكنني الحديث عن ذلك. فكل قطعة او كسرة اثرية كانت مهمة بالنسبة لنا».

وقبل الحرب كان الباحثون يشعرون بالرعب من ان تؤدي القنابل الى تدمير الآثار التي ما زالت مدفونة في الجزء الشمالي من العراق في الحقول الخصبة بين نهري دجلة والفرات. وما يبدو ان احدا لم يتوقعه هو وباء النهب الذي اعقب انهيار سلطة حزب البعث.

وبينما انهار الجيش العراقي الاسبوع الماضي، كسر القائمون بأعمال النهب احدى البوابات التي تحمي مدخل المتحف، وحطموا النوافذ واقتحموا المبنى. وخلال 12 ساعة اخذوا كل شيء قيم تقريبا، تاركين خلفهم اكواما من بطاقات الكاتالوجات، والزجاج المحطم، وصور صدام حسين الممزقة. وكانت الاشياء الوحيدة التي لم يسرقوها هي تلك الاشياء الكبيرة والثقيلة التي لا يمكن حملها. فهناك فرن من الفخار عمره ستة آلاف سنة بحجم سيارة صغيرة ما يزال جاثما في بهو المتحف. وهناك ثمانية مذابح عبادة من الحجر نقشت عليها اسود، ويعود تاريخها الى 680 قبل الميلاد تنتصب مصطفة في الفناء. وهناك ثور آشوري مجنح برأس بشري يزن 30 طنا ما زال في احد الأروقة.

وبدا ان بعض الناهبين لم تكن لديهم فكرة واضحة عن الكنوز التي يضمها المتحف. فقد كسروا خزائن تفتح بقضبان عتلات او مناضد مخددة بحثا عن نقود. ولكن آخرين، كما ذكر جبر، كانوا يعرفون ما هو قيم، فقد «كانوا يعرفون ما الذي يريدون».

وفي الأروقة تجاهل اللصوص التماثيل المقلدة المصنوعة من الجبس، ونقلوا تلك المنحوتة من الرخام. وفي المكتبة في الدور التحتاني توجهوا الى الكتب والخرائط والمخطوطات النادرة، مبتعدين عن كتب البحث الاقل قيمة التي تشكل الجزء الاعظم من المجموعة. وبدا ان سرقة الكتب النادرة في المكتبة سببت الكثير من الازعاج للموظفين العاملين هناك.

وقال عبد الله امين، الباحث في الآثار الذي تقاعد عن العمل في المتحف قبل سنوات عدة، وبنبرة حزينة «كانت هذه المكتبة الاكثر اهمية في مجال الدراسات الثقافية في الموصل».

وخوفا من القنابل الاميركية رزم امناء المتحف قبل شهرين القطع الاكثر قابلية للتلف وشحنوها الى المتحف الوطني العراقي في بغداد للحفاظ عليها. ويقولون ان ما يقرب من نصف المجموعة قد انتهى الى العاصمة العراقية.

وقال جبر الذي أدار كل عمليات التنقيب عن الآثار في شمال العراق خلال الـ15 عاما الماضية «لم انقل القطع الى بيتي. كنت اعتقد انها ستكون اكثر امانا في المتحف».

لقد استثنت قنابل قوات التحالف متاحف العراق. اما الناهبون فلم يفعلوا ذلك. فقد اقتحموا متحف بغداد ايضا.

وقال العاملون في متحف بغداد انهم وضعوا الكثير من القطع الثمينة في موقع حفظ آمن. وقال جبر انه لم يكن قادرا على الوصول الى زملائه في بغداد. ولكنه يأمل في ان بعضا من قطع متحف الموصل قد جرى انقاذها على الاقل.

واضاف انه وموظفي المتحف الخمسين لا يمكنهم الا ان يحاولوا التفكير في المستقبل الآن. وقال «سنعود الى عملنا» على الرغم من ان ما يعنيه ذلك غير واضح. فالعاملون لم يعد لديهم الكثير مما يفهرسونه، ويعرضونه ويحفظونه.

ان قلقهم الأكبر يتمثل في امكانية عودة الناهبين. ونظرا للكثير من البنادق التي تنتشر في هذه المدينة التي يقطنها مليون شخص، لا يمكن لحراس المتحف غير المسلحين ان يوفروا الكثير من الحماية. وقال جبر انه «لا توجد، الآن، حكومة في الموصل لمساعدتنا في ذلك».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»