تعقب أموال صدام في حسابات سرية وشركات واجهة حول العالم

مسؤول غربي: تحويلات فترة الحرب تمت إلى الأردن والأراضي الفلسطينية وبلغت ذروتها يوم سقوط بغداد

TT

في الوقت الذي سقطت فيه بغداد، وبدأ الناس يتجمهرون في ساحة الفردوس بالعاصمة العراقية لاسقاط تمثال صدام حسين، كان الرئيس يقوم باكبر عمليات تحويل مالية من البنوك العراقية الى اخرى في منطقة الشرق الاوسط، حسبما افاد مسؤولون غربيون. دخلت العاصمة في حالة من الفوضى وعمليات سلب، لكن عمليات النهب الاكبر كانت قد تمت في السر وتم تفريغ ما امكن من الحسابات العراقية الى اخرى خاصة في الخارج. تلك التحويلات التي رصدها مسؤولون غربيون، وتم تمريرها خصوصاً عبر اوروبا الى حسابات خاصة في الاردن والاراضي الفلسطينية كانت جزءاً من جبل جليدي مالي جمعه صدام وعائلته واركان نظامه، لاكثر من عقدين من الزمن.

ويسعى المحققون الاميركيون لتعقب الاموال المفقودة، المقدرة ما بين 5 مليارات دولار و40 ملياراً. لكن بعض الخبراء الماليين يعتقدون ان مبالغ اكبر قد تم تحويلها وربما وصل بعضها الى منظمات مثل «القاعدة».

وقالت صحيفة «الغارديان» البريطانية ان مسؤولاً اطلع على تفاصيل خمسة عمليات تحويل، بين 100 الف دولار ومليون دولار، ذهبت كلها الى بنك واحد. واوضحت الصحيفة ان المسؤول قدم لمراسلها اسم البنك لكنه طلب عدم نشره. ونقلت الصحيفة عن المسؤول قوله «لقد رصدنا (عمليات التحويل) عند بداية الحرب، ثم بلغت ذورتها في يوم سقوط تمثال صدام (في بغداد) واليوم الذي سبقه، ولم نر اي شيء آخر منذ ذلك الوقت». وكان احد المحققين الخاصين المطلعين على تدفقات الاموال في المنطقة قال ان «الناس من ذوي النفوذ في نظام (صدام) كانوا يحاولون منذ قبل بدء الحرب نهب ما يمكنهم وتحويله الى حسابات خارجية».

واكدت مصادر اخرى ان عملية واسعة بدأت لرصد مليارات الدولارات العائدة لعائلة صدام حسين والتي يعتقد انها وضعت في شبكة معقدة في شركات تعمل كواجهات وفي حسابات مصرفية سرية تمتد من بنما الى سويسرا والاردن.

وقال مسؤول كبير في وزارة الخزانة الاميركية ان ادارة الرئيس جورج بوش حددت موقع اصول مراقبة تقدر قيمتها بـ2.1 مليار دولار، وهي اموال غير مشروعة موزعة في مختلف انحاء العالم منذ بدء الحرب ولم تجمد قانونياً، حتى الآن. وهذه الاموال تختلف عن مبلغ 7.1 مليار دولار موجودة في صناديق حكومية عراقية جمدت بعد غزو العراق للكويت في اغسطس (آب) 1990، ويجري الاعداد حاليا لإعادتها الى العراق.

ويقول خبراء انه لا يمكن لأي جهة، بما في ذلك الحكومة الاميركية، معرفة الحجم الحقيقي لثروة عائلة صدام كونها موضوعة في شركات تعمل كواجهات وفي حسابات بالعديد من الدول. ويقول خبراء ومسؤولون ان تحديد هذه الاموال وضبطها ممكن في حال الحصول على وثائق عراقية في بغداد تكشف عن الممتلكات المالية لصدام والمقربين منه، وخصوصا ولديه عدي وقصي.

ويخشى مسؤولون في وزارة الخزانة الاميركية من ان يقوم الاشخاص الذين يتحكمون في هذه الاموال بمقايضتها بالماس والذهب وسلع اخرى لا يمكن اقتفاء اثارها قبل ان تتمكن السلطات المالية من التحرك. وقال ديفيد اوفهاوزر، المستشار العام في وزارة الخزانة الاميركية انه «منذ عام 1990 حظرت التجارة مع العراق فعلياً، ولهذا فان الاموال التي اودعت في مصارف خارجية من قبل صدام حسين والمقربين منه هي كلها اموال غير مشروعة، ونحن في حاجة الى ان نظهر للمسؤولين في مختلف انحاء العالم بانهم لا يستطيعون استخدام النظام المصرفي الدولي لاغتصاب شعوبهم».

وقال مسؤولون ان العثور على اموال صدام حسين بهدف استخدامها في اعادة اعمار العراق يماثل في اهميته مهمة منعها من الوقوع في «ايد خاطئة»، مشيرين الى احتمال وصولها الى منظمات تسعى لزعزعة الاوضاع في العراق او حتى تمويل عمليات انتقامية ضد الولايات المتحدة وبريطانيا. وقال تشارلز فورست من منظمة «اندايت»، وهي مؤسسة ممولة اميركيا وتتخذ من لندن مقراً لها وتهدف الى ادانة مجرمي الحرب العراقيين، «ان هذه الاموال يمكن ان تسقط في يد ارهابيين قد يستخدمهم صدام كوسيلة للانتقام».

وقد دعت الولايات المتحدة حكومات الدول الاخرى الى تجميد الاموال العراقية المشتبه فيها، والا فانها ستفقد امكانيات التعامل في اطار النظام المالي للولايات المتحدة.

ويقوم حالياً عدد كبير من المحققين بمحاولة تعقب اموال صدام حسين في البنوك العالمية والشركات الواجهة، بما في ذلك وزارة الخزانة الاميركية وحكومات اخرى، ومحامون يمثلون عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر (ايلول) .2001 لكن نك بيك المدير العام السابق لمؤسسة «كرول اسوشييتس»، الذي ترأس تحقيقا لصالح الكويت حول الشركات العراقية الواجهة، قال ان هناك عقبات تواجه هذه الجهود، «فالمرء لا يحصل على التعاون الذي يحتاجه من الهيئات المصرفية الاجنبية ما لم يتمكن من تقديم دليل على علاقة مثبتة مع النظام العراقي، ومن العسير جداً اثبات هذه العلاقة دون اطلاع كامل على السجلات المصرفية». واضاف بيك ان افضل وسيلة لحل هذه المشكلة هي العثور على «كنز نفيس من وثائق يكشف عنها في بغداد».

ويسعى محامو عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر منذ فترة، لتقدير ثروة صدام حسين. ويحاول جون فاوسيت، الذي يحقق في تمويل «القاعدة» لصالح عائلات ضحايا هجمات سبتمبر، حساب المبالغ المالية التي يحتفظ بها نظام صدام في البنوك الخارجية، عبر تقدير عائدات النفط غير القانونية وغيرها من عمليات التهريب ثم طرح ما يعتقد ان نظام صدام كان يسير به شؤونه وشؤون البلد من تلك المبالغ. وقالت «الغارديان» ان فاوسيت يعتقد ان المبالغ الخاصة بصدام تتراوح بين 5 مليارات دولار و10 مليارات دولار.

ويعتقد مسؤولون وخبراء ان العقوبات الدولية التي فرضت على العراق بعد احتلاله للكويت كان لها تأثير عكسي يتمثل في تشجيع اقتصاد التهريب من قبل كبار المسؤولين الحكوميين. ويعتقد ان بعض الاموال التي تم الحصول عليها بفعل عمليات التهريب استخدمت لاغراض الدولة، مثل شراء اسلحة او دفع رواتب موظفي الاجهزة الامنية، لكن اموالاً اخرى استخدمت لاغراض خاصة محضة. وقدر تقرير لمكتب الحسابات العامة الاميركي ان الحكومة العراقية حصلت على ما يزيد على 6 مليارات دولار خلال الفترة بين عامي 1997 و2001، ومن اموال مستردة باتفاقات خاصة، وعمليات تهريب خارج اطار برنامج «النفط مقابل الغذاء» الذي اقرته الامم المتحدة، والذي بموجبه استخدمت عائدات مبيعات النفط العراقي لدفع اثمان شحنات الغذاء والدواء والامدادات الانسانية الاخرى للمدنيين العراقيين.

وجرى الحصول على كثير من الاموال غير المشروعة عبر صادرات نفط غير قانونية الى تركيا والاردن وسورية. وتضمنت خطط اخرى لجمع الاموال السيطرة على مشاريع استيراد السجائر المهربة وسلب اموال الزوار الى الاماكن الشيعية المقدسة في النجف وكربلاء.

واشار محققون الى ان بعض تحويلات الاموال العراقية خلال فترة الحرب تمت الى شركات تعمل كواجهات لنظام صدام حسين. واوضحوا ان واحدة من تلك الشركات تحمل اسم «مونتانا مانيجمنت» بدت نموذجاً لعمليات شركات صدام. وعلى الرغم من انها كانت مسجلة في بنما، فانها كانت تؤدي اعمالها من سويسرا. وكانت مونتانا تملك حصة 8،4 في المائة من شركة «هاشيت فيليباتشي ميديا» الفرنسية للنشر، التي تصدر عدة مطبوعات، وتملك ايضاً حصة 2،5 في المائة في شركة «ماترا» اللفرنسية التي تعمل في مجال تصنيع الالكترونيات والصواريخ.

وتبلغ قيمة الحصص العراقية في شركتي هاشيت ماترا، التي جمدتها الحكومة الفرنسية، حوالي 90 مليون دولار. وقال متحدث باسم هاشيت ان الشركة ستتعاون في تحويل حصص مونتانا الى حكومة عراقية جديدة ما ان تصادق الامم المتحدة على ذلك.

ووفقاً لما ذكره يوليس كرول، مؤسس الشركة المتخصصة بالتحقيقات المالية، فان معظم استثمارات صدام كانت في بنما وسويسرا وفرنسا والمانيا وقبرص وبريطانيا وايطاليا. وقال كرول ان صدام «كان يعمل عبر شبكة من الشركات الاجنبية»، مضيفاً ان الاموال «يمكن ان تمر عبر ثلاثة اماكن قبل ان تصل الى حساب مجهول الاسم».

والشخصية الرئيسية في اقامة الكثير من شركات الواجهة العراقية كان برزان التكريتي، الأخ غير الشقيق لصدام، الذي اعتقلته قوات خاصة اميركية امس في بغداد. وكان تكريتي احتل، لسنوات عديدة، مناصب سفير العراق لدى سويسرا، والمندوب الدائم لدى الامم المتحدة. وعلى الرغم من ان برزان كان قد فقد حظوته لدى صدام بعد انهيار زواج ابنته من عدي صدام حسين عام 1998، فقد واصل السفر بحرية بين بغداد وجنيف. وقال تشارلز فوريست: «اذا نظر المرء الى افراد العائلة الاساسيين، فسيرى ان برزان كان الاكثر معرفة بالشؤون المالية. لقد كان العقل المدبر للعملية، والشخص الذي تعين عليهم الاعتماد عليه للتعامل مع الجهات المالية».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»