النفط العراقي بين عقود التقاسم والتخصيص ويخرج من دائرة أحلام لبنان وسورية

TT

فيما كان العراق يتهيأ لمواجهة الضربة العسكرية الاميركية، لم تتوقف الاتصالات بين العاصمة اللبنانية والعاصمة العراقية حول احياء التعاون النفطي بين البلدين، خصوصاً ان مصفاة طرابلس (شمال لبنان) صممت اساساً لتكرير النفط العراقي الخفيف 36 درجة (API) التي كان يصلها عبر خط انابيب ثلاثي يمتد بطول 34 كيلومتراً من الحدود اللبنانية ـ السورية. وقد وصلت طاقة المصفاة قبل الحرب اللبنانية الى 1850 مليون طن سنوياً. وكانت تغطي ما بين 65 و70% من احتياجات البلاد.

وبالرغم من حراجة موقفه، تعهد العراق بإعادة ضخ نفطه عبر خط الانابيب، وتخصيص مصفاة طرابلس بنفط خام مخفض الاسعار، على غرار ما كان متبعاً مع الاردن. وذهبت الحكومة العراقية السابقة الى حد تقديم عرض للحكومة اللبنانية من اجل انشاء مصفاة جديدة في طرابلس.

ولكن كل هذه «الاحلام» اللبنانية سقطت مع تغير الاوضاع العسكرية والسياسية في العراق، وخصوصاً مع مسارعة القيادة الاميركية في العراق الى وقف ضخ النفط العراقي الى سورية، وحرمانها من عائد سنوي يقدر بمليار دولار. وبذلك يتحول النفط العراقي الى ورقة اساسية في السياسة الاميركية الشرق اوسطية.

ويعتبر الدكتور نقولا سركيس (مستشار لدى الدول المنتجة للنفط وشركات دولية، ومدير المركز العربي للدراسات النفطية، ومدير مجلة «النفط والغاز العربي») ان ما يحصل اليوم في المنطقة وعلى صعيد الصناعة النفطية «يذكرنا الى حد كبير بما حصل بعد الحرب العالمية الثانية، أي تسابق الشركات النفطية الكبرى (الاميركية، البريطانية، الهولندية، والفرنسية) على مصادر الامدادات مدعومة من حكوماتها. لكن المرحلة الراهنة تتميز بفارقين مهمين: اولهما وجود لاعبين جدد ابرزهم الصين التي انتقلت خلال 15 سنة من مصدر الى مستورد للنفط الخام، مع استهلاك يتوقع بلوغه 10 ملايين برميل في العشرين سنة المقبلة، فضلاً عن روسيا التي تلعب دوراً رئيسياً بفعل شركاتها النفطية الكبرى. اما الفارق الثاني فهو بروز رؤية سياسية جديدة للعالم العربي (تتقاطع فيها التيارات القومية والاشتراكية، والاصولية، وحتى الارهابية) في موازاة انفجار سكاني».

واضاف سركيس: «ان العراق يلعب، في هذا الجو، دوراً رئيسياً، لكونه يمتلك احتياطات نفطية مكتشفة مهمة (112 مليار برميل) وطاقة ضخمة من الحقول غير المستغلة، والتي تقدر احتياطياتها بما بين 150 و250 مليار برميل، اي ما يوازي الاحتياطيات المكتشفة في السعودية، التي تعتبر المنتج الاول في العالم».

وتابع: «اياً تكن مبررات الولايات المتحدة للحرب على العراق، فان الهدف الاساسي يبقى النفط»، مذكراً بتقرير صدر في الولايات المتحدة قبل احداث 11 سبتمبر (ايلول) حول «امن الطاقة» اعده فريق العمل الذي يرأسه نائب الرئيس الاميركي الحالي ديك تشيني. ويقول هذا التقرير، بحسب سركيس، ان احدى اولويات واشنطن هي «الوصول بأفضل طريقة الى الموارد النفطية في الخليج العربي».

ويرى سركيس انه «لفهم السياسة الاميركية حيال الخليج، من الضروري ان نأخذ في الاعتبار خصائص العراق بمعزل عن الازمة الراهنة. فهذا البلد سيكون العملاق النفطي الجديد في العقود المقبلة. فمن اصل 73 حقلاً معروفة في الوقت الراهن، لم يستغل حتى الآن سوى 15 حقلاً. وهناك نحو عشرة حقول من الـ 58 الباقية تعتبر حقولاً عملاقة. وعلى سبيل المثال، فان الحقلين اللذين تم التفاوض حولهما ـ من دون توقيع الاتفاقات ـ مع فرنسا (عبر شركة توتالفينا الف) يحتويان على احتياطيات مكتشفة تقدر بما بين 15 و16 مليار برميل، اي ضعف الاحتياطيات التي استغلتها الشركة الفرنسية في العالم بأسره بعد 80 عاماً من الحضور. وأكثر من نصف اجمالي الاحتياطيات النفطية في الولايات المتحدة».

وفي ضوء الزيادة المتوقعة في استهلاك النفط العالمي الى حدود 90 مليون برميل يومياً في غضون عشر سنوات، و120 مليوناً بحلول العام 2030، اي ما يوازي ضعفاً ونصف ضعف اجمالي طاقات الانتاج الحالية لمنظمة اوبك، يرى الخبير اللبناني ضرورة تطوير طاقات الانتاج كل اربع او خمس سنوات بما يوازي انتاج المملكة العربية السعودية، مشيراً الى انه «ومن اجل مواجهة الاحتياجات ينبغي مضاعفة الانتاج اليومي في الشرق الاوسط (حيث يوجد ثلثا الاحتياطيات العالمية) خلال ثلاثين سنة، لرفعه من 21 مليون برميل الى 43 مليون برميل».

ويمتاز النفط العراقي عن سائر نفوط الخليج كما يقول سركيس ايضاً، بأنه «الاكثر اهمية، والاسرع استخراجاً، والاقل كلفة استثمار».

ومع سيطرة «قوات التحالف» على العراق بدأت الشركات النفطية الكبرى تتسابق على قالب الحلوى. ففي 25 مارس (آذار)، وقعت فرقة الهندسة في الجيش البري الاميركي عقداً مع شركة «كيلوغ براون اندروت» التابعة لشركة «هاليبورتون» الاميركية لاطفاء الحرائق واعادة تشغيل آبار النفط العراقية التي تعرضت للحرائق. وكانت الشركة نفسها فازت بعقد مماثل في الكويت عام 1991 بعد حرب الخليج الاولى، علماً ان ديك تشيني كان رئيس ومدير عام المجموعة بين 1995 و2000.

من جهتها اجرت «بريتش بتروليوم» و«شل» اتصالات مكثفة مع الحكومة البريطانية لمساعدتهما في الحصول على عقود استغلال للاحتياطيات.

وتتفق الشركات الاميركية والبريطانية على اعتماد عقود تقاسم الانتاج، فيما تفضل بعض فصائل المعارضة العراقية تلزيم ادارة الآبار والمحافظة على «السيادة» على هذه الآبار. غير ان تضرر البنية التحتية النفطية سيجعل هامش المناورة امام المعارضة العراقية ضيقاً. وفي موازاة ذلك، يرى وزير النفط والثروة المعدنية السعودي السابق احمد زكي اليماني، في حديث صحافي ادلى به اخيراً ان خلفية السياسة الاميركية تكمن في تخصيص الآبار النفطية العراقية.