لبنان: حكومة محاصصات حفظت للحود مواقعه ولم ترض الحريري والتمثيل الماروني خالف التوقعات

TT

لم تكن الفرحة عارمة ولا الوجوه منفرجة اساريرها ولا الزوار كُثُراً في قصر رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري بُعيدَ تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك على غرار ما كانت عليه يوم شكل الحكومة السابقة خريف العام 2000، فما بدا هو ان الوجوه كانت واجمة الى حد ما والابتسامات خجولة والزوار قلّة. ولم يكن بينهم وزراء من الوجوه الجديدة التي حظيت بـ«نعمة» التوزير.

وفي داخل القصر كانت تدور بين الحريري وبعض معاونيه احاديث غلب عليها طابع التقويم للحكومة الجديدة وما رافق تشكيلها من مفاوضات وعثرات.

وفي موازاة ذلك، كانت تدور بين الزوار القلائل، الذين توزعوا حلقات حلقات في صالون القصر، احاديث لم تشذ المواضيع التي تناولتها عن الحكومة الجديدة شكلاً ومضموناً ومدى انسجامها مع واقع الحال المطلوب منها ان تتصدى له. واللافت ان كثيرا من هؤلاء عبروا عن عدم رضى عن هذه الحكومة. وبعضهم جاهر بالقول انها ليست في مستوى المرحلة ولا تختلف عن سابقتها في شيء.

لكن الحريري، الذي اوحى امام زواره بأنه بدأ يعد نفسه للتكيف مع حكومته الجديدة، لم يكن قادرا على اخفاء «عدم رضاه» الكلي ضمنياً على التشكيلة الوزارية الجديدة، اذ سارع الى القول لسائل له عن «حجم» خسارته فيها: «أنا لم اخسر ولكن البلد هو الذي خسر، فحصتي من المقاعد السنية ما زالت كما كانت في الحكومة السابقة بل تحسنت، والوزراء المسيحيون الجدد الذين عينوا ليسوا بعيدين عني». وعندما سأله سائل آخر عن سبب الاستعجال في تغيير الحكومة رد الحريري قائلاً: «الجواب عن هذا السؤال ليس عندي».

وفي المقابل في قصر رئاسة مجلس النواب كانت الفرحة عارمة والوجوه منشرحة الاسارير والحاضرون كثر والنجوم فيه كانوا وزراء رئيس مجلس النواب نبيه بري الذين توافدوا الى المكان لشكر من كان له الفضل في توزيرهم. وقد جاهر المقربون من بري بالقول انه حاز في التشكيلة الوزارية «حصة الأسد». وبعضهم قال ان عدد الوزراء الذين يدينون بالولاء له يصل الى «ما يفوق العشرة».

والواقع ان الحكومة الجديدة كان اريد لها ان تضم اقطاباً سياسيين في صفوفها، لكن هذه الفكرة استبعدت لأن الرئيسين بري والحريري لم يحبذاها، فكان ان جاءت هذه الحكومة نسخة منقحة لسابقتها ولم تقنع بتركيبتها الرأي العام بأنها حكومة مواجهة واقع ما بعد الحرب على العراق، فالوزراء العشرة الجدد الذين عُيّنوا فيها الى جانب العشرين وزيراً الآخرين الذين وِرثتهم من الحكومة السابقة لا يبدو انهم «قوة ضاربة» تحتاج اليهم «ساحة الوغى» وانما شكلوا، او جِيء ببعضهم (النائبان أيوب حميد وعلي حسن خليل والطبيب الجرّاح علي عبد الله) لزيادة الحجم التمثيلي لحركة «أمل» في الحكومة وسد الفراغ الذي نشأ بفعل طردها وزيريها في الحكومة السابقة، والبعض الآخر جيء به لتمثيل حزب الكتائب اللبنانية (وزير التنمية الادارية كريم بقرادوني رئيس الحزب) ولاقامة توازن تمثيلي مختل ومفقود (تعيين النائب الياس سكاف عن مدينة زحلة ذات الغالبية السكانية الكاثوليكية وزيرا للصناعة الى جانب وزير الدولة الماروني خليل الهراوي الذي كان وزير الدفاع في الحكومة السابقة) وتمثيل «اللقاء الديمقراطي» الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط بتعيين النائب عبد الله فرحات وزيرا لشؤون المهجرين وهو ينتمي الى حزب الكتلة الوطنية، واستبدال ممثل حزب البعث العربي الاشتراكي، نزيه بيضون، بالأمين القطري للحزب النائب عاصم قانصوه. وكذلك استبدال ممثل الحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصوه بالوزير السابق النائب اسعد حردان. واستبدال وزير الثقافة غسان سلامة (كاثوليكي) بوزير الاعلام السابق ميشال سماحة (الخاسر في انتخابات العام 2000 التي ترشح فيها عن المقعد الكاثوليكي في دائرة المتن الشمالي على لائحة النائب نسيب لحود) الذي عُيّن وزيرا للاعلام مكان الوزير غازي العريضي الذي اسندت اليه حقيبة الثقافة التي كان يتولاها سلامة في الحكومة السابقة. وعلم في هذا المجال ان البعض رشّح سماحة لوزارة الخارجية لكن تمسك الحريري باسناد وزارة التربية والتعليم العالي الى الوزير سمير الجسر بدلاً من النائب جان عبيد ادى الى تعيين الاخير في الخارجية.

وفيما لم يتيسر للحريري امر اخراج الوزير جان لوي قرداحي من وزارة الاتصالات لأن بينهما «ما صنعه الحداد» حول ملف تخصيص الهاتف الجوال تمكن في المقابل من الاحتفاظ لوزراء من السنة ومن طوائف اخرى بالحقائب المهمة التي كانوا يتولونها في الحكومة السابقة فأبقى حقيبة المال لفؤاد السنيورة واسند حقيبة التربية والتعليم العالي الى وزير العدل السابق المحامي سمير الجسر، واسند حقيبة العدل الى وزير الدولة السابق بهيج طبارة الذي كان تولى هذه الحقيبة في حكومات سابقة ترأسها الحريري في عهد الرئيس اللبناني السابق الياس الهراوي. وعندما لم يتمكن من ابقاء النائب باسل فليحان (اقليات) في وزارة الاقتصاد اسندها الى حليفه النائب في كتلة جنبلاط النيابية مروان حمادة الذي كان وزيراً لشؤون المهجرين في الحكومة السابقة.

اما المقعد الوزاري السني السادس فقد احتفظ به النائب نجيب ميقاتي الذي ظل وزيرا للأشغال العامة والنقل ولم تنجح محاولات قام بها البعض لاخراجه منها، بل من الحكومة نهائياً وتعيين النائب الطرابلسي محمد الصفدي مكانه، خصوصا بعد تمسك الحريري باعادة توزير سمير الجسر، واستبعاد توزير النائب السابق تمام سلام وعزوف الرئيس السابق للحكومة عمر كرامي عن القبول بتوزير نجله فيصل عن طرابلس الى جانب ميقاتي.

اما في الحصة الشيعية فقد نال رئيس مجلس النواب نبيه بري الحصة الكبرى فيها لأنه تم استبعاد توزير ممثل لـ«حزب الله» او ان الحزب لم يبد رغبة بهذا التوزير، والتعديل الذي طرأ هو اخراج محمود حمود من وزارة الخارجية الى وزارة الدفاع والتخلي عن وزارة العمل التي كان يشغلها وزير الحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو لوزير الحزب في الحكومة الجديدة أسعد حردان (من طائفة الروم الارثوذكس) مقابل الحصول على وزارة السياحة (اسندت الى الطبيب علي عبد الله) والاحتفاظ بوزارة الطاقة والمياه ووزارة الزراعة ووزارة الشؤون الاجتماعية. ويضاف الى ذلك احتفاظ بري بالمقعد الوزاري للنائب في كتلته ميشال موسى الذي عين وزير دولة بعدما كان وزيرا للبيئة في الحكومة السابقة، وكذلك الابقاء على الدكتور أسعد دياب في وزارة الشؤون الاجتماعية.

وعلم ان اسم النائب ناصر قنديل ظل مطروحا للتوزير حتى ربع الساعة الاخير الذي سبق صدور مرسوم التشكيلة الوزارية وكاد ان يعين لو ان المعنيين توافقوا على ان يمثل حزب البعث العربي الاشتراكي بنائب سني هو نائب منطقة العرقوب قاسم هاشم، ذلك بعدما استبعد توزير النائب باسم السبع الذي كان مطروحا لتولي وزارة الاعلام.

على ان تمثيل منطقة بعلبك ـ الهرمل التي تعتبر من اكثر المناطق اللبنانية حرماناً، جاء هزيلاً من حيث الحقائب الوزارية التي اسندت الى الوزراء المنتمين الى تلك المنطقة وهم أسعد دياب الذي عين مجدداً وزيرا للشؤون الاجتماعية والدكتور علي عبدالله الذي عين وزيرا للسياحة والأمين القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي عاصم قانصوه الذي عين وزير دولة، أي بلا حقيبة.

اما تمثيل الطائفة المارونية فلم يأت حسبما كان سائداً من توقعات بأنه سيكون منسجماً مع التطور الايجابي الذي شهدته العلاقة السائدة بين رئاسة الجمهورية والبطريركية المارونية في الآونة الاخيرة وفي موازاته التطور المماثل في العلاقة بين البطريركية ودمشق. اذ استبعد المعنيون توزير النائب بطرس حرب او أي عضو في «لقاء قرنة شهوان» المسيحي المعارض او غيره من الاحزاب والقوى المسيحية وتم تمثيل حزب «الكتائب اللبنانية» برئيس الحزب كريم بقرادوني الذي عين في مقعد وزاري من ضمن حصة الطائفة الارمنية او حصة الاقليات المسيحية.

وفي هذا المجال قال احد النواب الذين استبعدوا من التوزير بسبب ما سمي «ضرورات المرحلة» ان ما حصل وادى الى تشكيل الحكومة بهذه الصيغة «كان خطأ خسِرنا بسببه المسيحيين».

واذا كان في الامكان اجراء جردة حساب لحصة رئيس الجمهورية في الحكومة فان الملاحظ ان هذه الحصة تبدو معقولة اذ ان الوزراء الذين كانوا محسوبين عليه في الحكومة السابقة ظلّوا في الوزارات التي يتولونها ومنهم نائب رئيس الحكومة عصام فارس والياس المر في وزارة الداخلية والبلديات وجان لوي قرداحي في وزارة الاتصالات اضافة الى الآخرين الذين انضم اليهم رئيس حزب الكتائب كريم بقرادوني.

وعلى رغم كل ما احتوته الحكومة من مضمون سياسي وتمثيلي ارضى هذا الفريق ولم يرض ذاك فإن توزيعة الحقائب الوزارية لا تشير الى ان الشكوى التي كانت قائمة في ظل الحكومة السابقة قد زالت او ستزول. فالخلافات الرئاسية التي كانت قائمة ستنسحب على الحكومة الجديدة بدليل ان وزارات الخصخصة لا تزال في يد من كان يشغلها في الحكومة السابقة وفي مقدمها وزارة الاتصالات التي يتولاها جان لوي قرداحي.

كما أن التوافق السياسي الذي اثمر ولادة سريعة للحكومة الجديدة هو، في رأي كثير من الاوساط السياسية اللبنانية، توافق مرحلي فرضته الضرورة الاقليمية وسيكون امام أول امتحان في أول جلسة لمجلس الوزراء بعد مثول الحكومة ببرنامجها الوزاري امام مجلس النواب لنيل الثقة. وقال قطب نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط» ان الحكومة الجديدة لا تستطيع ان تكون اكثر من حكومة تصريف اعمال وان ما حصل وأدى الى تشكيلها بالصيغة التي أُعلنت «كان خطأ فادحاً ومقصوداً». ورأى ان هذه الصيغة لا تساعد على توقع حصول الحوار المطلوب ان يحصل مع المسيحيين الذين يشعرون بأنهم خسروا جزءاً من حصصهم. وقال القطب نفسه: «ان الطائفة الشيعية إنتُقِصت حقوقها في الحكومة الجديدة فبدل ان تعاد اليها وزارة المال التي كان اتُفِق بعد «اتفاق الطائف» على ان تعطى لها في اطار توزيعة الحقائب الاساسية على الطوائف اللبنانية الكبرى أُخرِجَت من وزارة الخارجية المهمة الى وزارة الدفاع الاقل اهمية». اما العلامة الفارقة في الحكومة الجديدة والتي اشار اليها بعض المهتمين فهي تتمثل في ان تشكيلتها الوزارية ضمت في صفوفها اربعة مرشحين لرئاسة الجمهورية هم وزير الصحة سليمان فرنجية الطامح الى ان يكون خليفة الرئيس لحود ، ووزير الخارجية جان عبيد المرشح للرئاسة منذ عهد الرئيس السابق أمين الجميل، ووزير البيئة فارس بويز (وزير سابق للخارجية) الذي عمل عمه والد زوجته الرئيس السابق الياس الهراوي لكي يخلفه في الرئاسة عندما انتهت ولايته الرئاسية خريف العام 1998، ووزير الدولة خليل الهراوي (وزير الدفاع السابق) وهو ابن شقيق الرئيس الهراوي. وأبدى المهتمون خشيتهم من ان ينعكس وجود هؤلاء في الحكومة سلبا على عملها خصوصاً اذا راح اي منهم يعمل بمنطق صرف النفوذ لدعم ترشيحه لرئاسة الجمهورية، علما ان المعطيات القائمة حاليا تصب في مصلحة التمديد للرئيس لحود الذي تنتهي ولايته خريف العام 2004 ، كذلك ضمت الحكومة مرشحين او أكثر لرئاسة الحكومة لعل ابرزهم وزير الاشغال العامة نجيب ميقاتي ووزير الدولة عبد الرحيم مراد.

pol سياسة))"0.2) لبنان: حكومة محاصصات حفظت للحود مواقعه ولم ترض الحريري والتمثيل