القوات الأميركية تفرج عن رجل دين ومرافقيه بضغط من النجف ومصادر تتحدث عن وصول «قوات بدر» إلى كربلاء قادمة من إيران

TT

في سابقة من نوعها وفي ثاني مواجهة بين الحوزة الشيعية في النجف والقوات الاميركية خلال اقل من اسبوع، اضطر الجيش الاميركي امس لاطلاق سراح الشيخ محمد الفرطوسي الوكيل السابق للزعيم الشيعي الراحل محمد صادق الصدر، مع ستة من الطلبة المرافقين له. وكانت الحوزة قد نجحت في فرض رجل دين محافظاً للكوت رغم المعارضة التي ابدتها واشنطن لتعيينه.

عند عودتي الى بغداد امس من كربلاء التي كانت ما تزال تحيي ذكرى اربعينية الامام الحسين في اجواء آمنة يميزها تلاحم ابناء هذه الطائفة، وجدت احتجاجاً سلمياً كان قد نظم وبدأ في التفرق خارج فندق فلسطين ضم العشرات من المدنيين العراقيين الذين أمرتهم الحوزة بـ«محاصرة المكان» والاحتجاج سلماً على اعتقال الفرطوسي والمطالبة باطلاق سراحه فوراً والا سيبقون هناك الى ما لا نهاية.

وقال احد الشيوخ المتظاهرين لـ«الشرق الاوسط» موضحاً «لقد أُمرنا من قبل الحوزة العلمية بالاحتجاج بصورة ديمقراطية وهادئة على عملية اعتقال الشيخ التعسفية، والان وقد اطلق سراحه فبامكاننا الانصراف».

ولم يعد في فندق فلسطين او في بغداد كلها اي جهة اميركية بالامكان الحديث اليها او الاستفسار منها عن الاوضاع سواء من جانب المدنيين او من قبل الصحافة مما جعلني اسأله عن الجهة التي اكدت له خبر اطلاق سراح الشيخ فقال: «لقد مرت منذ قليل سيارة بمبعوثين من الحوزة واطلعتنا على ان الشيخ قد افرج عنه بسلام ولذا قررنا الانصراف والا لبقينا»، ورفض توضيح الاسباب التي ادت بالقوات الاميركية الى اعتقال رجل الدين، معتبراً ان «ايادي خفية تحاول الايقاع بين الحوزة العلمية والقوات الاميركية لتدخل الطرفين في مواجهة مباشرة بعضهما البعض».

ولم تستبعد مصادر في بغداد ان يكون توقيف الفرطوسي رسالة من الاميركيين الى رجال الدين في العراق تتعلق بالشعارات التي ترفعها الاعداد الهائلة من السائرين على الاقدام الى كربلاء من كافة محافظات العراق لاحياء اربعينية الامام الحسين، وكذلك بالتصريحات الصادرة عن زعمائها في الحوزة العلمية في النجف، مثل آية الله علي السيستاني، والتي ترفض الوجود الاميركي في العراق حتى وان احترم المقدسات والمراكز الدينية العراقية. وأشارت مصادر الى ان الشيخ الفرطوسي قبض عليه وفي حوزته قطعة سلاح غير مسموح له باستخدامها او توزيعها على شبان يكلفون احيانا بمهام الرقابة او مهام اخرى.

وما يزيد في توتر الجيش الاميركي الذي تولى السيطرة على بغداد والمدن الاخرى بدلاً من قوات المارينز، دخول «قوات بدر» التابعة للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق الذي يتزعمه محمد باقر الحكيم من ايران عبر «طريق سرية» حسبما افادت معلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط».

ومن الصعب التعرف على قوات بدر في كربلاء وتمييزهم عن غيرهم من المدنيين المسلحين الذين يقومون بتنظيم حركة «الزوار» ومن طوابير اولئك الذين يقومون بشعائر «التطبير» (وهو ضرب الرؤوس بالسيوف) نظراً لتخفيهم في ملابس مدنية وعملهم كغيرهم من الشبان المسلحين تحت لواء الحوزة العلمية.

وقوات بدر هي الآن ليس القوات المسلحة الحزبية الوحيدة في العراق، فلدى دخولي بغداد امس وجدت قوات عسكرية استجدت في البلاد تدعى «قوات العراق الحر» وهي تابعة للمؤتمر الوطني العراقي الذي يتزعمه احمد الجلبي الذي سبق له ان قال انها تعمل تحت جناح قوات التحالف في العراق، بينما يراها العراقيون الذين تحدثت اليهم في كربلاء «ميليشيا» ويرفضون انتشارها في البلاد مع انها تساعد على استتباب الامن لغياب الاطار القانوني لانتشارها.

ويعول الشبان الشيعة من العراقيين كثيرا على قوات بدر كما فهمت منهم لثقتهم في «تنظيمها وتجربتها» في مساعدة الحوزة العلمية في كربلاء والنجف في مهامها الجديدة وهي ضمان امن وسلامة العراقيين الذين بدأوا يبعدون انفسهم عن الوجود الاميركي في البلاد لاسباب دينية أساساً.

غادرت كربلاء امس عائدة الى بغداد بعد ليلة صاخبة لم ير فيها اي من سكانها النوم لاستمرار وصول مواكب العشائر والمحافظات بأعلام حمراء وخضراء وسوداء اخرى ترفرف على رؤوس شبان يلطمون على صدورهم في حركات منسقة ودقيقة. شبان يمثلون عشائر البعض منها يتحدر من احفاد الامام علي كرم الله وجهه (الملقب هنا بحيدر)، كعشائر بني اسد. وتحولت ساحة كربلاء الفقيرة ليلا الى مسرح ذي الوان زاهية وشعائر تدفقت جميعها فجأة بعد اختفائها سنوات طويلة بسبب منعها وكبتها. السفر الى كربلاء من بغداد يستغرق في الغالب ساعة من الزمن لكنه استغرق هذه المرة حوالي ثلاث ساعات بسبب ازدحام المرور الذي اربكه سير الالاف من العراقيين على الاقدام للوصول لاول مرة بعد سنين طويلة الى كربلاء واحياء شعائرهم. ولم تخل هذه المسيرة من مناظر التلاحم الشعبي بتقديم الكثير من الاهالي والافراد الأكل والشرب وحتى الخيام التي نصبت على اطراف الطريق للزوار للنوم فيها.