الجمارك الأميركية تضبط قطعا أثرية منهوبة من العراق ومؤتمر عالمي الشهر المقبل لتنسيق الجهود لملاحقة التحف المسروقة

TT

قال مسؤولون أمنيون أميركيون إن القطع الأثرية والفنية التي سرقت من متاحف العراق بدأت تظهر في أسواق الكثير من بلدان العالم، وإن ما لا يقل عن قطعتين يُعتقد أنهما سُرقتا قد تمت مصادرتهما من قبل الجمارك على الحدود الأميركية، وصودرت احدى القطعتين ـ ورد انها لوحة فنية ـ من قبل الجمارك بعد أن كشف تحقيق سريع عن «ظروف تدعو للشك» حيث أكد بعض الخبراء في آثار بلاد وادي الرافدين أنها على الأكثر سُرقت حسبما قال مسؤول أمني. أما القطعة الثانية فهي موضع فحوصات ومن المحتمل أن تكون هناك قطع أخرى قد تمت مصادرتها وتخضع للفحص أيضا.

لكن المسؤولين في دائرة الجمارك رفضوا التعليق على التحقيق. إضافة إلى ذلك فإن القسم المتخصص في الأعمال الفنية المسروقة والتابع لمكتب المباحث الفيدرالي بدأ بجمع معلومات من خلال صلاته بعدد كبير من المشترين على الصعيد العالمي والباعة المتخصصين في التحف الفنية لبلاد وادي الرافدين والشرق الأوسط. وقالت لين تشافنتش مديرة قسم السرقات الفنية في الـ «إف بي آي» الذي يقود المساعي المبذولة لاسترجاع القطع الفنية المسروقة إن عددا من الأشخاص الذين لهم صلات بقسمها أعلموا عن وصول قطع أثرية لا تقدَّر بثمن تم نقلها عبر بلدان الشرق الأوسط باتجاه الولايات المتحدة وأوروبا واليابان حيث يتوفر الزبائن المستعدون لدفع مبالغ كبيرة مقابل اقتنائها.

ويقول الخبراء إنهم على قناعة كبيرة بأن 50 في المائة من الأعمال الفنية تنتهي في الولايات المتحدة. وتشافنتش وخبراء في السرقات الفنية متلهفون للحصول على موافقة وزارة الدفاع الأميركية على إرسال محققين إلى بغداد للبدء بعملية شاقة لتصنيف القطع المفقودة. ويبدو أن معظم الوثائق الموجودة في المتاحف تم تدميرها أثناء عمليات النهب. وبدون وجود فهرس بالقطع الفنية المسروقة لن يكون بإمكان مؤسسات فرض القانون أو الوسطاء الفنيين على الصعيد العالمي أن يعرفوا بالضبط عما يبحثون. وبدون أن يكون هناك توثيق للمسروقات فإنه لن يكون بإمكان المسؤولين القيام بالكثير لاسترجاع أية قطعة حال دخولها إلى الولايات المتحدة حسبما قالت تشافينتش. وأضافت «نحن لا نستطيع القول إن كانت هذه القطعة سومرية أو أنها مسروقة لنسترجعها... لكنني إذا قارنتها بفهرس مصور للمسروقات أستطيع آنذاك أن أقوم باسترجاعها لهذا السبب نحن نحاول التحرك بأسرع ما يمكن من الآنوتستطيع دائرة الجمارك أن تصادر قطعا فنية مزودة بأوراق ثبوتية تبدو أنها مزيفة حتى بدون وجود أدلة قاطعة على عدم شرعيتها لذلك فإن هذه الوكالة قادرة على مصادرتها أثناء فترة التحقيق.

وأتضح الآن أن لسياسة السريّة والعزلة في العراق لعدة عقود تأثيرا سلبيا على الجهود المبذولة لاسترجاع ما سُرق. فالفادة العراقيون السابقون لم يكونوا يسمحون للأكاديميين والخبراء بزيارة المتاحف لفهرسة القطع الأثرية مثلما يفعل أغلب المتاحف في العالم. وتقول تشافينتش ومسؤولون أمنيون آخرون وخبراء فنيون إنه إذا كان مخربو الملكية العامة قد لعبوا دورا ما فإن هناك على الأكثر لصوص فن محترفين لعبوا دورا أكبر في الخسارة الهائلة التي تعرضت لها المتاحف العراقية.. فتدمير فهارس المتاحف المصورة وبطاقات التعريف لكل قطعة فنية وأوراق البحث هي علامة قوية على أن اللصوص كانوا مصرين على ألا يتركوا أي أثر يوصل للأعمال الأثرية المسروقة. وقالت تشافينتش متحسرة «إنها خسارة هائلة لأوساط الباحثين. فبدون وجود أي بحث فإنه حتى في حالة العثور على شيء ما فإنه لن يكون ممكنا معرفة المحتوى أو التاريخ الذي يقف وراءها».

من جانبها أرسلت منظمة الشرطة الدولية (الانتربول) التي تضم 181 بلدا، وفدا إلى الكويت لمحاولة الحصول على إذن بالدخول إلى العراق. وسيعقد مكتب الانتربول الأميركي أيضا مؤتمرا عالميا في مقر المنظمة العام في مدينة ليون الفرنسية يومي الخامس والسادس من مايو(ايار) المقبل للتنسيق بين الجهود المبذولة. ودعا المسؤولون الأميركيون عددا من بلدان الشرق الأوسط، التي سيمر غالبا الكثير من القطع الأثرية والفنية عبر أراضيها، الى المشاركة في هذا المؤتمر.

وكان المتحف الوطني في بغداد يضم أكثر من 170 ألف قطعة أثرية تتضمن تماثيل وكؤوسا وخناجر وقطعا أخرى تعود إلى ملوك حكموا قبل سنة 3000 قبل الميلاد. وبعض هذه القطع مبعثرة حتى الآن على أرضية المتحف، لكن المسؤولين قالوا إنهم لا يعرفون مدى الضرر الذي أصابها حتى يتمكنوا من مشاهدتها بأنفسهم. موبعد أن قام الجيش الأميركي بتأمين المتحف سُمح للمسؤولين العراقيين بالعودة إليه ومن المتوقع أن يصل اختصاصي بريطاني كبير بالآثار إلى المتحف خلال يوم أو يومين.

في الوقت نفسه بدأ معهد الدراسات الشرقية في جامعة شيكاغو بتعليق صور على موقعه الانترنتي لقطع أثرية شهيرة تنتمي للمتحف الوطني العراقي والتي يعتقد أنها قد سُرقت. وقال ماكغواير غيبسون الخبير في آثار وادي الرافدين الذي بدأ الإعلان على هذا الموقع الانترنتي: «نحن نسعى إلى جعل الناس على دراية بالخسارة». وقال غيبسون إن «الكثير من الناس شاهدوا هذه الأشياء في الكتب الدراسية ونأمل أن ظهر أي منها في الأسواق الا يستطيع مقتنوها أن يزعموا أنهم لا يعرفون أنها مسروقة».

وقالت منظمة الانتربول والـ «إف بي آي» إنه حتى الآن كان الرد مثيرا للدهشة إذ تلقيا سيلا من المكالمات الهاتفية من مؤرخين وآخرين يعرضون مساعدتهم. وقالت فيفيانا باديلا مديرة برنامج الملكية الثقافية في الفرع الأميركي من منظمة الانتربول: «الكثير من التحفيات التي يزيد عمرها على 5000 سنة قد اختفت... العراق مهد الحضارات إنه المكان الذي اختُرعت فيه الكتابة، والقطع الأثرية هي صلتنا بالماضي».

خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»