مواجهة جديدة بين أميركا وبقية أعضاء مجلس الأمن حول عودة المفتشين إلى العراق وبليكس يتهم واشنطن ولندن باستخدام أدلة «هزيلة» لتبرير الحرب ضد نظام صدام

TT

فيما شهد مجلس الامن الدولي امس اول مواجهة رئيسية منذ الغزو الاميركي للعراق مع استماعه لتقرير من هانز بليكس، كبير مفتشي الاسلحة التابعين للامم المتحدة، حول استعداده للعودة مع مفتشيه الى العراق لاستكمال مهمة البحث عن اسلحة الدمار الشامل وتدميرها، شكك الدبلوماسي السويدي، الذي استاءت واشنطن من عدم توصله الى دليل دامغ على امتلاك بغداد اسلحة دمار شامل، في معلومات استخبارات استخدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا في تبرير الهجوم على العراق، واصفا اياها بـ«الهزيلة». وتسعى روسيا وفرنسا، العضوان الدائمان في المجلس، والمانيا، العضو غير الدائم، الى اقناع الولايات المتحدة بقبول عودة بليكس ومفتشيه الى العراق لاستكمال مهمتهم في العثور على الاسلحة المحظورة وتدميرها وهو ما تتحفظ عليه واشنطن.

واضاف بليكس، في مقتطفات نشرت امس من حديث ستبث القناة الثانية لتلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية «بي بي سي» نصه الكامل السبت المقبل في اطار برنامج وثائقي بعنوان «الطريق الى الحرب: القصة السرية»، ان «هناك امثلة واضحة (...) فقد سمعنا عن عقد بين العراق والنيجر واستيراد 500 طن من اليورانيوم». واوضح «عندما حصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على العقد لم يصعب عليها ان تكتشف انه غير صحيح وانه بكل بساطة مزور». وتابع «انه امر مزعج جدا. من زور الوثائق؟ اليس من المثير للحيرة ألا تكتشف اجهزة الاستخبارات (الاميركية والبريطانية) التي يفترض انها تملك كل الوسائل التقنية اللازمة، انه عقد مزور؟».

وردا على سؤال حول ما اذا كان يتهم اجهزة الاستخبارات الاميركية والبريطانية بتزوير الوثائق بأمر من واشنطن ولندن، قال بليكس انه «لا يذهب الى هذا الحد». وقال «لقد تمكنوا من الحصول على هذا العقد المزور من مكان ما. وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) قالت انها حصلت على نسخة منه من بريطانيا (...) لكنني لا المح بالتأكيد الى ان الاستخبارات البريطانية قامت بتزويره». وحول دور وزير الخارجية الاميركي كولن باول - الذي عرض امام مجلس الامن الدولي قبل الحرب «ادلة»ضد العراق رأى بليكس انها لا تستند الى اسس صحيحة - التزم بليكس الحذر ايضا، قائلا انه لا يشك في اخلاص الوزير. واضاف «اذا كنت تجلس على القمة لا يمكنك فحص كل شيء».

واتهم بليكس المسؤولين الاميركيين بالسعي عن عمد للتشكيك في مصداقية فريقه في اطار تحضيرهم للحرب على العراق في محاولة لكسب دعم سياسي للعمل العسكري. وقال ان مزاعم المسؤولين الاميركيين بان فريقه تعمد اخفاء معلومات عن طائرة تجسس عراقية بدون طيار وقنبلة عنقودية في تقريره عن الاسلحة العراقية، كان الهدف منها التشكيك في مصداقية المفتشين. وأضاف «في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تسعى جاهدة لكسب اصوات في مجلس الامن وشعرت ان مثل هذه الروايات قد تكون مفيدة فاطلقتها... لذلك حاولوا جرحنا بقولهم اننا اخفينا ذلك». وردا على سؤال عما اذا كانت الولايات المتحدة سربت معلومات لكسب اصوات في مجلس الامن، قال بليكس «يبدو ان هذا ما حدث». ومع تجاهل ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش لدور الامم المتحدة في العراق بعد الحرب، دعا مجلس الامن الدولي بليكس امس الى بحث استعداده لارسال فريق من خبراء السلاح للعراق مرة اخرى. لكن ادارة الرئيس بوش ترى ان نظام العقوبات الذي فرض على العراق اثر غزوه للكويت عام 1990 وضع لتقييد حكومة لم تعد موجودة. وبدلا من بليكس يريد مسؤولون اميركيون ارسال خبراء سابقين بالامم المتحدة من الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا لاكتشاف الاسلحة المحظورة والتحقق منها، وبدأت بالفعل حملة لتجنيد هؤلاء الخبراء وتعتزم ارسال المئات من مفتشيها العسكريين والمدنيين الى العراق في الاسابيع المقبلة في خطوة من شأنها اغضاب اغلب اعضاء مجلس الامن ومنهم بريطانيا اقوى حلفاء واشنطن التي تؤكد على ان اي اسلحة دمار شامل يعثر عليها الجيش الاميركي يجب ان يتحقق منها مفتشو الامم المتحدة بمقتضى قرارات الامم المتحدة قبل رفع العقوبات عن العراق. كما ان لندن نصحت خبراءها بعدم التعاون مع المشروع الاميركي.

ويقول العديد من الدبلوماسيين ان الولايات المتحدة ستجد صعوبة في اقناع اغلب شعوب العالم بحقيقة وجود اي اسلحة كيماوية او بيولوجية او نووية قد يعثر عليها الجيش الاميركي دون تحقق من جانب طرف محايد. وقال ديفيد شيفر وهو محام دولي ومسؤول سابق بوزارة الخارجية الاميركية ويشغل حاليا منصب نائب رئيس رابطة العاملين بالامم المتحدة «كان اساس ابقاء نظام العقوبات لسنوات ان يؤكد مفتشو الامم المتحدة نزع سلاح العراق». واضاف «قد يبدو ذلك مسالة فنية او غير واقعية في هذه المرحلة في ضوء حقيقة ان النظام تغير... لكن ما زالت هناك اهمية كبيرة على الاقل من وجهة نظر المجتمع الدولي لان يتحقق خبراء الامم المتحدة مما تدعيه قوات الاحتلال».

وقال بليكس الذي سيترك منصبه في يونيو (حزيران) المقبل انه مستعد لارسال فرق تفتيش اذا وافق مجلس الامن على ذلك واذا كان عملهم مستقلاً عن الجيش. لكنه قال ان الجيش الأميركي لديه ميزة الان بالمقارنة بمفتشي الامم المتحدة السابقين اذ لم يعد هناك ما يرهب العلماء من الكشف عن اماكن اي اسلحة قد تكون متبقية. وكانت لجنة المراقبة والتحقق والتفتيش التابعة للامم المتحدة «انموفيك» التي رأسها بليكس قد اعلنت ان حكومة صدام حسين لم تعلن بالكامل عن جميع الاسلحة والعناصر الكيماوية والبيولوجية. وفي حين لا تعارض اي من الدول الاعضاء في مجلس الامن صراحة رفع العقوبات لم يهرع سوى عدد محدود من هذه الدول للانضمام الى الولايات المتحدة في دعوتها لرفعها. وقال وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف في اواخر الاسبوع الماضي «هذا القرار لا يمكن ان يأتي بشكل تلقائي. انه يتطلب ان تستوفى الشروط الواردة في قرارات مجلس الامن».

وتبدو الولايات المتحدة حريصة على ابعاد مجلس الامن عن اية ترتيبات مستقبلية في العراق بعد ان رفض اعضاء اساسيون فيه مثل فرنسا وروسيا والصين والمانيا الموافقة على مهاجمة العراق. ولكن ما لم ترفع العقوبات ستظل النسبة الاكبر من عائدات نفط العراق تضخ عبر الامم المتحدة مما يعطل الجهود الاميركية لاعادة الاعمار.

ولم تجد القوات الاميركية والبريطانية الغازية اي اسلحة نووية او كيماوية او بيولوجية منذ بدئها الحرب على العراق في 20 مارس (اذار) الماضي لاطاحة الرئيس صدام حسين. واول من امس قالت صحيفة «نيويورك تايمز» ان عالما عراقيا ابلغ فريقا عسكريا اميركيا بان العراق دمر اسلحته الكيماوية والبيولوجية قبل ايام فقط من بدء الحرب. وتردد ان العالم الذي لم يفصح عن هويته لكن قيل انه عمل في برنامج الاسلحة الكيماوية العراقي لاكثر من 10سنوات، قاد الفريق الاميركي الى مواد تستخدم في انتاج اسلحة محظورة قال انها كانت مدفونة.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»