احتدام المعركة بين «البنتاغون» والخارجية في واشنطن حول السياسات الأميركية بعد الحرب

محافظون جمهوريون يتصدرهم غينغريتش يتهمون طاقم باول بـ«تقويض» مشاريع بوش

TT

حال تحقق الانتصار العسكري في العراق تصاعدت المعركة بين وزارتي الخارجية والدفاع (البنتاغون) الأميركيتين في ما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، حسبما قال بعض المسؤولين الأميركيين أول من أمس، مع وقوع المناوشات بين الطرفين يوميا حول السياسة التي يجب اتباعها تجاه كوريا الشمالية وعملية السلام في الشرق الأوسط واعادة اعمار العراق.

واذا ظلت العلاقات بين وزير الخارجية كولن باول ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد طبيعية فان المشادات البيروقراطية بين الكوادر الوسطى في الوزارتين قد اشتدت كثيرا، حسبما قال بعض المسؤولين. فقبل ايام من لقاء هذا الاسبوع في بكين بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، ضغطت وزارة الدفاع كي يتم تبديل رئيس الوفد جيمس كلي الخبير في الشؤون الآسيوية والذي يعد من أنصار باول بالسكرتير الثاني في وزارة الخارجية جون بولتون الحليف لرامسفيلد حول كوريا الشمالية، لكن باول رفض الاقتراح.

وبالنسبة للعراق تحاول وزارة الخارجية تقليل الدور الذي يلعبه رئيس المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي لأن المسؤولين فيها يرونه شخصا مثيرا للجدل لا يتمتع بأي تأييد داخل العراق. الا ان للجلبي مساندين عديدين ضمن الكادر المدني الموجود في وزارة الدفاع، حيث قاموا بنقله جوا الى جنوب العراق ثم الى بغداد مع مئات من مسلحيه القادمين ايضا من المنفى. ويكمن جوهر الخلافات بين الوزارتين في الشكاوى التي يطرحها المحافظون داخل وخارج الادارة الأميركية والتي تزعم أن وزارة الخارجية تعيق الرئيس جورج بوش عن تنفيذ أجندة حازمة لايقاف الارهاب ولمواجهة البلدان المعادية، وهذه النقطة طرحها الرئيس السابق لمجلس النواب وعضو لجنة البنتاغون الاستشارية نيوت غينغريتش، المقرب من رامسفيلد، في خطاب أمام معهد «أميركان انتربرايس» امس. ودعا غينغريتش لتغيير جذري في وزارة الخارجية وهذا يتضمن مراجعة جلسات الاستماع في الكونغرس الأميركي واجراء فحص لوزارة الخارجية بواسطة فريق من موظفين متقاعدين كانوا يعملون فيها. وقال انه يريد مقابلة النجاح الذي حققته وزارة الدفاع بعد أن أجريت عليها التغيرات بـ«فشل وزارة الخارجية» الذي وصفه بأنه شبيه بـ«ستة أشهر من الفشل الدبلوماسي متبوعا بشهر واحد من النجاح العسكري تعود الوزارة الآن لتحويله فشلا دبلوماسيا بعدم استغلال النصر الذي تحقق في العراق بشكل كامل». وقال غينغريتش ان «حكاية الهزيمة الدبلوماسية هي أكبر وأعمق» من النصر العسكري الأميركي. وبين العديد من الأمور ذكّر غينغريتش بالفشل في كسب تأييد تركيا لقبول القوات الأميركية على أراضيها، والحملة الفرنسية ضد الحرب وعدم القدرة على الحصول على قرار آخر من الأمم المتحدة يسمح باستخدام القوة. وقال ان الجهود الدبلوماسية قبل الحرب كانت فترة من «هزيمة متواصلة... فخلال 120 يوما كنا نفقد الأرضية على المستوى العالمي».

لكن باول دافع بقوة عن دبلوماسيته السابقة للحرب محاججا بأنه كان نصرا متميزا لكسب اجماع في مجلس الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للسماح بعمليات التفتيش عن الأسلحة في العراق. وحينما أخبِر مسؤول كبير من وزارة الخارجية عن ملاحظات غينغريتش قال انه حتى أغسطس (آب) الماضي «لم يكن هناك أحد معنا والجهود الدبلوماسية حتى الفاشلة منها وفرت الشروط» لاقامة القواعد للوحدات العسكرية وكسب حلفاء للحملة العسكرية وربما كسب الدعم لاعادة بناء العراق. ولمّح هذا المسؤول الى ان غينغريتش، الذي قال عنه انه يمتلك تاريخا طويلا في مهاجمة وزارة الخارجية، يستخدم باول كغطاء لمهاجمة بوش. وأضاف هذا المسؤول أنه اذا كان لغينغريتش «مشكلة مع باول فهو في هذه الحالة له مشكلة مع جورج بوش لأن ما فعله باول هو ما أراده بوش». من جهته، قال غينغريتش انه لا يمثل رامسفيلد وانه لا يسعى الى انتقاد باول، وأضاف ان ذلك «ليس حول ايديولوجيا معينة بل هي حول مدى الفاعلية في تنفيذ أي قرار نتخذه». لكن فيكتوريا كلارك المتحدثة باسم البنتاغون قالت انها لا تعرف أي شيء عن خطاب غينغريتش لكنها قالت ان ما يقوله أي عضو من «لجنة السياسات الدفاعية» أو يفعله لا يمثل بالضرورة سياسة دفاعية أو وجهة نظر يتبناها البنتاغون. وقال مسؤول من وزارة الخارجية ان «القتال اصبح وبشكل متزايد تحت مستوى الوزيرين»، مشيرا الى كبار مستشاري الرئيس للسياسة الخارجية، وان الخلاف في الأخير يجب أن يُحل بين باول ورامسفيلد نفسيهما.

وظل باول يؤكد أن علاقته برامسفيلد جيدة على الرغم من الاختلافات بين الوزارتين. وقال باول في مقابلة أجريت معه هذا الشهر: «أتحدث دائما مع دونالد (رامسفيلد) ونحن نلتقي دائما ونتفاهم بشكل جيد». لكن باول أضاف: «هل هناك خلافات ونقاشات بيننا من وقت الى آخر؟ بالتأكيد. أنا لم أكن في أية حكومة بدون أن يحدث ذلك لكننا نحلها مثل أي شحصين يعملان لصالح شعب واحد ورئيس واحد». لكن مسؤولي وزارة الخارجية شعروا بالاستياء عندما جاءت اقتراحات رامسفيلد المطالبة بجعل بولتون رئيسا للمفاوضين مع الوفد الكوري الشمالي. كذلك قدم رامسفيلد اقتراحا آخر كانت وزارة الخارجية قد فكرت فيه وهذا ما جعل مسؤولي الخارجية يتساءلون ان كان رامسفيلد قد أعلِم بشكل كامل من قبل الفريق العامل معه.

اما غينغريتش الذي استقال من رئاسة مجلس النواب منذ سنة 1999 فقد ظل يحاول الحصول على دور بارز لنفسه في الحزب الجمهوري في ما يتعلق بالشؤون الدفاعية والأمن القومي وانتقد وزارة الخارجية على تأييدها لخريطة الطريق لتحقيق السلام في الشرق الأوسط بالاتفاق مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة. وقال غينغريتش ان العمل مع هذه الأطراف هو «صيغة للتخلي عن كل شيء تعلمناه خلال الاشهر الستة السابقة».

لكن بوش تحت ضغط توني بلير رئيس الوزراء البريطاني دعم الخطة قبل بدء الحرب ضد العراق بفترة قصيرة، وقال انه سيقدمها للاسرائيليين والفلسطينيين حالما يتم تعيين رئيس وزراء فلسطيني وربما يتم ذلك هذا الأسبوع، لكن مسؤولين كبارا في وزارة الدفاع قالوا انهم يتعاطفون مع الجهود الاسرائيلية لتقليل مشاركة الأوروبيين والأمم المتحدة في العملية السلمية. من جانبه قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية ان «الرئيس بوش صرح بدعمه لاقامة دولة فلسطينية خلال ثلاث سنوات، نحن الطرف الوحيد الذي يسعى لتنفيذ ما يريده».

وقال غينغريتش أيضا ان وكالة التنمية الدولية التي تعد أداة بيد وزارة الخارجية قد اساءت الى عملية اعادة الاعمار في أفغانستان وهي بحاجة الى اعادة هيكلة كي تصبح «مرنة وفعالة تستخدم مصادرها بشكل فعال». وتصادم باول ورامسفيلد حول دور هذه المنظمة في العراق، لكن باول في الأخير وافق على أن تقدم منظمة التنمية الدولية تقاريرها الى الجنرال المتقاعد جاي غارنر الذي اختاره البنتاغون لادارة عراق ما بعد الحرب. وقال غينغريتش ان «القشة الأخيرة» التي دفعته للتحدث ضد وزارة الخارجية هي تصريح باول عن نيته القيام بزيارة لسورية. وكان رامسفيلد ومسؤولون كبار في البنتاغون قد تهجموا على سورية بشدة متهمين اياها بمساعدة حكومة صدام حسين والسماح للمسؤولين العراقيين الكبار بالهروب. لكن تصريح باول سمح بتهدئة الأجواء الدبلوماسية. من جهته، قال غينغريتش ان على باول ألا يزور بلدا قال عنه في السابق ان لديه صلة بالارهاب. واضاف ان «باول سمح لأن يُقنع بالذهاب الى دمشق على يد مكتب الشرق الأدنى» التابع لوزارة الخارجية. واعتبر غينغريتش ذلك «استرضاء للديكتاتوريين». بالمقابل قال مسؤول من وزارة الخارجية الأميركية ان بوش قد أعلن في نهاية عطلة الأسبوع الأخيرة عن استجابة سورية للمخاوف الأميركية وهذا يعني دعمه لموقف باول.

وكسب باول اطراء كبيرا لرفعه لمعنويات العاملين في وزارة الخارجية حينما تمكن من كسب حصة مالية أكبر لها وتحسين الادارة في وزارة الخارجية ودعم الموظفين الموهوبين في ميدان الخدمة العامة. ووفق تقييم قامت به مجموعة من السفراء السابقين لعمل باول تم نشره الشهر الماضي من قبل مجلس العلاقات الخارجية التابع للكونغرس، فان وزير الخارجية الحالي قد بذل جهودا كبيرة للحصول على مصادر مالية أكبر لدعم وزارته ولتغيير ثقافتها السابقة وتحسين مستوى دبلوماسيتها العامة وتحسين صلتها بالكونغرس. واستنتج التقرير ان «الانجازات جوهرية بل حتى تاريخية». واعترف غينغريتش بأن باول قد تمكن من اعادة بناء المعنويات في وزارة الخارجية، لكنه أضاف أن باول «أعاد بناء معنويات أولئك الناس الذين لا يؤمنون بما يؤمن به جورج بوش وهم يسعون الى تقويض ما يؤمن به بوش».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»