مسؤولون يعترفون بأن واشنطن بدأت تفقد الأمل في العثور على أسلحة دمار شامل في مواقع حددتها سابقا في العراق

TT

بعد 30 يوماً من البحث، باتت ادارة الرئيس الأميركي جورج بوش تعاني من فقدان مصداقية سبب شنها الحرب، والمتعلق بتوفر مؤشرات قوية على وجود اسلحة دمار شامل في العراق، حسبما افادت مصادر مطلعة لها علاقة بالتخطيط للكشف عن الاسلحة وشاركت في عملية البحث.

في واشنطن، وبعد اختبار بعض افضل ما توفر لديهم من أدلة، ان لم يكن كلها، باتت شكوك المحللين تتزايد بشأن الكشف عما يبحثون عنه في اماكن حددت في قائمة تضم اهدافا معينة تم وضعها قبل بدء القتال. وقد قرروا استبدال خطتهم واللجوء الى اجراء مسح شامل قد يؤدي الى العثور على دلائل واكتشافات غير متوقعة، بدلا من عمليات «الاستكشاف» السريعة.

وخلال آخر ايام الاسبوع الماضي، بدأت القيادة الوسطى التحرك بشكل عاجل لتكثيف اجراءات الأمن حول مجموعة واسعة من المنشآت، في مسعى للحفاظ على ادلة يخشى المسؤولون في وزارة الدفاع (البنتاغون) ضياعها. وهذا الاجراء اتبع عقب توفر معلومات تشير الى ان العراقيين سلبوا الملفات والبيانات التي كانت مخزونة في اجهزة الكومبيوتر والمعدات الخاصة ببرامج الاسلحة غير التقليدية، وذلك تحت ستار عمليات السلب التي شهدتها البلاد.

وقال خبراء انهم يعتقدون ان مسؤولين عراقيين سابقين يأملون اما في اخفاء علاقتهم بتلك البرامج او في تحسين علاقتهم بالادارة العسكرية الأميركية، او في بيع ما بأيديهم وتحقيق مكاسب شخصية.

واذا ثبت ان هذه الاسلحة او اساليب انتاجها قد تسربت من سيطرة المسؤولين العراقيين السابقين، اعترف مسؤولون بارزون في ادارة بوش، ان الحرب قد تثبت تزايد خطر انتاج الاسلحة التي قال بوش انه يريد التصدي لها. وقال دوغلاس فيث، مساعد وزير الدفاع الاميركي لشؤون وضع السياسات، في مقابلة عبر الهاتف: «ان هذا خطر». واضاف ان هناك مؤشرات «بأن بعض عمليات السلب تمت بشكل مدروس»، حيث ان عددا من مسؤولي حزب البعث والحكومة العراقية السابقين «نفذوا بعض عمليات السلب» طالت منشآت حكومية، و«من بين اولئك اشخاص يحتفظون بسجلات او مواد لها علاقة» بأسلحة الدمار الشامل.

كان الرئيس بوش قد شن الحرب وبررها بتؤكد الولايات المتحدة «ان لدى صدام حسين اسلحة دمار شامل». وقال وزير الخارجية الأميركي كولن باول، الذي تحمل مسؤولية رئيسية في اقناع الرأي العام بهذا الطرح، «تقديراتنا المتواضعة تشير الى ان العراق يختزن ما بين 100 الى 500 طن من عناصر الاسلحة الكيماوية».

وفي الوقت نفسه يواصل كل من المسؤولين السياسيين والخبراء المتخصصين، بمن فيهم بعض اولئك الذين ابدوا تحفظا غير معلن بشأن الحاجة للحرب، التعبير عن تفاؤلهم بأن القوات الأميركية ستتمكن في نهاية المطاف من العثور على الاسلحة الكيماوية والبيولوجية، ومكونات الصواريخ الباليستية ومعدات وخطط انتاج اليورانيوم المخصب. وقال احد كبار واضعي الخطط ان لديهم العديد من المؤشرات التي ما تزال امامهم، بما فيها «عشرات» من مجموعة المائة هدف التي تضمنتها القائمة التي اعدتها الحكومة الأميركية بهذا الخصوص. اما اولئك الذين يتعقبون هذه الاسلحة فيعقدون آمالهم على ما يسمونها بـ«مواقع معينة» قد تكتشف صدفة او بدعم من العراقيين الذين قد يدلون بمعلومات طوعية او تحت تاثير استجوابهم.

وحدث خلال نهاية الاسبوع الماضي، كما قال مسؤولون هنا، ان استجوب المحققون عالما عراقيا في جنوب بغداد. واضافوا ان العالم اخبرهم بأنه شارك في برنامج اسلحة كيماوية وان العراق دمر بعض اسلحته قبل ايام من اندلاع الحرب. وقد قادهم لنماذج من المواد الكيماوية التي وصفها فريق بحث أميركي بأنها من مكونات عناصر قاتلة. وقد امتنع المسؤولون العسكريون عن تحديد هوية العالم العراقي، او حتى تلك العناصر الفتاكة والمكونات التي عثر عليها. ولم يسمحوا لصحافية تعمل لصالح صحيفة «نيويورك تايمز» ورافقت فريق البحث وكانت اول من كتبت عن الاكتشاف الاخير، ان تلتقي بالعالم العراقي.

وبدون معرفة تفاصيل اضافية حول ما تم العثور عليه لا يمكن التأكد من اهميته، حسبما قال خبراء. وحرص وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد أول من امس على عدم الاسراع الى استنتاجات، وقال انه ليس لديه «جديد يمكن اضافته» الى التقارير الميدانية، وان المحققين لديهم «التزام بتحليل الاشياء واداء عملهم بشكل صحيح وباسلوب منضبط». اما الخبراء فقالوا انه بالامكان استخدام أي من مكونات السلاح الكيماوي تقريبا لأغراض مدنية.

ولأن المواقع المعينة قد تكتشف في أي مكان، فان الجيش الأميركي يسابق الزمن لتعقب الملفات والمعدات التي تنتشر في انحاء العشرات من المواقع الحساسة المحتملة في بغداد، والتي تعرضت للنهب خلال الايام الاولى لسقوط نظام صدام حسين.

وخلال اواخر الاسبوع الماضي بدأت القوات الأميركية الموجودة في العاصمة العراقية، بالتحرك للسيطرة على جميع مباني الوزارت الحكومية الـ23، اضافة الى عشرات المواقع الاخرى التي قالوا انها قد تحتوى على معلومات قيمة. اما كبار المسؤولين الأميركيين ممن يشرفون على الوضع في العراق بعد الحرب فقد انتقدوا بشدة تباطؤ عملية تأمين تلك المواقع. ووصف احدهم في مقابلة اجريت معه في الكويت، ما حدث بانه «ظاهرة الباب المخلوع». وقال ان الجنرال المتقاعد جاي غارنر، الحاكم المدني الأميركي للعراق، اراد توفير حماية خاصة للمباني التابعة لعشر وزارات، حددها على انها مواقع محتملة لبيانات الاسلحة، لكن واحدة منها فقط هي وزارة النفط تم تأمينها عقب سيطرة القوات البرية الأميركية على بغداد.

واضاف المسؤول ان القادة الميدانيين لم يتمكنوا من «منح الاولوية الملائمة للسيطرة على هذه الاماكن» و«انه لم تكن هناك قوات كافية لتنفيذ المهمة المتعلقة بالحفاظ على المباني والسجلات».

وفي الوقت نفسه، يقوم واضعو خطط البنتاغون بتحويل بعض افضل مواردهم الخاصة بالتحقيق في هذه المسالة، بعيدا عن المواقع المستهدفة التي ذهبوا الى العراق من اجل استكشافها. وتم تكليف اثنتين من فرق الاستكشاف الميدانية الاربع، القيام بأعمال المختبرات والتحليل الخاصة لما يطلق عليها المسؤولون «مواقع لا علاقة لها بأسلحة الدمار الشامل»، وذلك بدلا من القيام بمهام متابعة هذه الاسلحة.

هذه منشآت لم تتضمنها السجلات وقد توفر مؤشرات تجيب عن اسئلة لها علاقة بالارهاب واسرى الحرب. ولأن عدد هذه المواقع كثير للغاية، فان فريقي العمل سيقومان بما وصفه ضابط خبير بمهمة شاقة تتمثل في محاولة اتخاذ قرار بشأن جدوى تفتيش أي من هذه المواقع. وقال هذا الضابط العسكري الذي يشارك في عملية تعقب الاسلحة: «لقد تبدل تركيز الجهد الاساسي. وبسبب كل ذلك السلب، المصحوب (بحقيقة) انهم لم يكتشفوا شيئا يذكر من تلك الاسلحة، يتوجب علينا تأمين هذه المواقع. كما انهم لا يستطيعون اهدار الاشياء لأن المؤشرات التي نتبعها في الوقت الراهن لم تدلنا على شيء».

الآن ومع سيطرة القوات الأميركية على بغداد، التي تعد قلب صناعة الاسلحة العراقية، اعرب بعض اعضاء الفريق المكلف هذه المهمة الرئيسيين عن شعورهم بالاحباط نتيجة للتحول الاخير. فحتى الاربعاء الماضي كان مسؤولو البنتاغون يتوقعون ان تسمح نهاية الحرب للفرق الميدانية بتكثيف جهودها والعثور على مواقع الاسلحة ذات الاولوية القصوى وبأعداد هائلة.

وقال سيباستيان كيندال، ضابط سلاح الجو الملكي البريطاني المشرف على مركز قيادة عملية التفتيش في معسكر الدوحة: «لم يتم التوصل لقرار نهائي بشأن تخفيض عدد الفرق الخاصة بالبحث عن اسلحة الدمار الشامل». لكنه اضاف: «يمكن القول ان الاجواء تبدلت استنادا الى الواقع». وتابع: «سنعمل بشكل حثيث على تفحص القائمة من اسفل الى أعلى». وبالرغم من ان العديد من المواقع الاضافية قد لا تكون على علاقة معروفة ببرامج الاسلحة السرية، فانه اضاف ان البعض منها «قد يكون مرتبطاً بأسلحة الدمار الشامل من حيث وجود معلومات او وثائق متعلقة بها هناك».

ومع عدم تطابق عمليات تفتيش المواقع المحددة مع ما كان يؤمل منها، توصل مسؤولو البنتاغون الى نتيجة مفادها ان تعقب الاسلحة يحتاج الى تعزيزات بشرية هائلة. وتلك مسألة قد تتم مع نشر ما يزيد على 1000 عسكري ومدني تابعين للاستخبارات العسكرية الأميركية.

وتخطط مجموعة مسح العراق، التي سيرأسها نائب مدير الوكالة لشؤون العمليات الاستخباراتية، للقيام بعملية بحث شاقة في سجلات الحكومة، وهي مهمة استخباراتية نفذت في العصر الحالي مرة واحدة فقط عندما اشتركت الولايات المتحدة والمانيا في التدقيق في وثائق المانيا الشرقية السابقة، التي كانت متوفرة في برلين. وسيقوم الجنرال كيث دايتون، وهو خبير متخصص في الشؤون الروسية، بالاشراف على فحص السجلات العراقية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»