الضغوط تتزايد على عرفات والوساطة بينه وبين أبو مازن تصل لطريق مسدود

فرص تشكيل الحكومة الفلسطينية في غضون الساعات الـ15 الأخيرة تتضاءل

TT

مع اقتراب المهلة القانونية التي منحها المجلس التشريعي لرئيس الوزراء الفلسطيني المكلف محمود عباس (ابو مازن) لتشكيل حكومة جديدة، من نهايتها (منتصف الليل)، تضاعفت الضغوط الدولية والعربية امس على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لوضع حد لأزمة «لي الذراع» القائمة بينه وبين ابو مازن حول ما يبدو ظاهريا، التشكيل الحكومي المقترح وتحديدا الخلاف حول محمد دحلان وتعيينه وزير دولة لشؤون الداخلية.

في غضون ذلك وصلت الوساطات الداخلية في ما يبدو الى طريق مسدود وظلت الفجوة في الموقفين واسعة جدا. وحسب ما قاله مصدر فلسطيني لـ«الشرق الأوسط» فان «المشكلة لا تتعلق بتعيين شخص بحد ذاته فحسب بل في من يتخذ القرار في الموضوع الامني وفي من يكن له النفوذ».

ونقل عن ابو مازن القول انه قرر الاعتذار عن مواصلة مشوار تأليف الحكومة. وحسب المصدر الفلسطيني فان الاتصالات مع ابو مازن المعتكف منذ يوم السبت الماضي، تدور الآن حول اقناعه بعدم الاعتذار عن تشكيل الحكومة وليس حول تضييق الهوة بينه وبين عرفات. وقال مصدر آخر ان ابو مازن يعد رسالة اعتذار يقول انها ستكون تاريخية.

وفي هذا السياق بدأ الحديث عن شخصية اخرى يمكن ان يكلفها الرئيس عرفات مسؤولية تشكيل الحكومة. وتتركز الشائعات حول احمد قريع (ابو علاء) رئيس المجلس التشريعي الذي نقل عنه القول انه رفض الفكرة عندما عرضها عليه عرفات. لكن مصدرا فلسطينيا اكد لـ«الشرق الأوسط» ان ابو علاء لن يرفض الفكرة في حال سلم ابو مازن مثلا رسالة الاعتذار، وفي حال انتهاء المهلة القانونية. وعلى صعيد الضغوط الدولية فقد تلقى الرئيس عرفات امس اتصالاً هاتفياً من توني بلير رئيس وزراء بريطانيا تناول بالاساس حسب ما نقلته وكالة الانباء الفلسطينية (وفا) المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة، والجهود الدولية المبذولة لتنفيذ خطة «خريطة الطريق»، لاعادة عملية السلام الى مسارها، التي تنتظر اعلان تولي الحكومة الجديدة مهامها.

وكان عرفات قد تلقى الليلة قبل الماضية اتصالا هاتفيا من الرئيس المصري حسني مبارك، حثه فيها على ضرورة الانتهاء وبسرعة من تشكيل الحكومة تمهيدا لاعلان «خريطة الطريق».

ونقل مبعوث السلام الاوروبي ميغيل موراتينوس رسالة الى عرفات من الاتحاد الاوروبي، يوضح فيها ان ابو مازن هو الخيار الوحيد المقبول لديهم لرئاسة الوزراء. واجتمع المبعوث الروسي للشرق الأوسط، أندريه فيدوفين، مساء امس مع عرفات في مقره في رام الله. وكررت الولايات المتحدة تأييدها لحكومة فلسطينية برئاسة ابو مازن تتمتع بصلاحيات. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية ريتشارد باوتشر الليلة قبل الماضية ان «تشكيل حكومة فلسطينية قوية وذات صلاحيات يرأسها أبو مازن وتلتزم بالقيام بجهود جادة على صعيدي الاصلاح والأمن هو أمر يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني الى حد بعيد».

ونقلت صحيفة «يديعوت احرونوت» في عددها الالكتروني عن مسؤول اميركي كبير طلب عدم ذكر اسمه القول «يبدو أن أبو مازن شكل الحكومة التي يريدها وينبغي له أن يتولى المسؤولية، وينبغي أن يكف عرفات عن عرقلته». واضاف «من الضروري أن يستكمل الفلسطينيون عملية انشاء حكومة على وجه السرعة اذ ليس بامكانهم ان يضيعوا هذه الفرصة». وتابع القول «نحن نأمل في أن يختار أبو مازن حكومته وأن يـُقر المجلس التشريعي هذه الحكومة التي نأمل في ان تكون قادرة على اتخاذ الخطوات اللازمة على صعيد الاصلاح الفلسطيني، والتصدي بعمل واضح ومتواصل للعنف والهجمات الارهابية».

وشاركت الحكومة الاسرائيلية في الضغوط فأعلنت انها ترفض العودة الى اي نوع من المفاوضات مع الفلسطينيين في حال فرض عرفات شروطه على الحكومة الجديدة. وابلغ وزير الخارجية سلفان شالوم نظيره الاميركي كولن باول في اتصال هاتفي الليلة قبل الماضية «ان حكومة فلسطينية خاضعة لتأثير عرفات لن تكون حكومة سلام وان اسرائيل لن توافق على اجراء اي مفاوضات في حال نجاح عرفات في الضغط على ابو مازن».

وناشد اعضاء في المجلس التشريعي عرفات وابو مازن اظهار مرونة ازاء القضايا العالقة بينهما للحيلولة دون اتاحة الفرصة امام تدخلات خارجية في القرار الفلسطيني. جاء ذلك في مؤتمر صحافي شارك فيها حنان عشراوي وعزمي الشعيبي ومحمد الحوراني وقدورة فارس وحاتم عبد القادر.

وتأتي هذه الضغوط في وقت تراجعت فيه احتمالات حل الازمة بصيغة توفيقية كما قال مسؤول فلسطيني طلب عدم ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط». فكلاهما كما يقول المصدر لا يزال يتمسك بموقفه بالنسبة لتعيين دحلان، ويرفض التزحزح، وان ابو مازن يعد رسالة اعتذار كان يفترض ان يرسلها امس الى اجتماع للجنة المركزية لحركة فتح، وصفها بانها ستكون رسالة تاريخية.

وحسب هذا المصدر فان الرئيس عرفات اقترح اسم ابو علاء في اجتماع للجنة المركزية لفتح الليلة قبل الماضية ليكون البديل في حال اعتذار ابو مازن او فشله في تشكيل الحكومة. وقال المصدر انه «رغم ان ابو علاء اعتذر الا انه في حال سلم ابو مازن رسالة الاعتذار، فانه سيقبل التكليف». وتابع القول «ان ابو مازن سيكون البديل المقبول لجماعة ابو مازن ورجال الرئيس».

واذا ما تم ذلك حسب المصدر فان ابو علاء سيجد نفسه مضطرا للاستقالة من منصب رئيس المجلس التشريعي الذي يحتله منذ انتخابات 20 يناير (كانون الثاني) .1996 وقال عبد القادر لـ«الشرق الأوسط»، «ان الاجواء قاتمة والاحتمالات تتضاءل والفجوة بين الرجلين كبيرة وواسعة». واوضح ان «المشكلة تكمن في الهيكل العظمي للحكومة وليست في اللحم وعرفات لا يريد التفريط بسيطرته على هذه الحكومة لا سيما القضية الامنية». واضاف عبد القادر «والمشكلة الآن ليست في محاولة تقريب وجهات النظر بين عرفات وابو مازن ولكن في اقناع ابو مازن المعتكف في منزله منذ يوم السبت الماضي، بالعدول عن تقديم الاعتذار عن تشكيل الحكومة».

وبدا الحوراني اقل تفاؤلا من ذي قبل ايضا. وقال لـ«الشرق الأوسط»، «لا يوجد في الاجواء ما يوحي بانهما سيتوصلان الى اتفاق في الساعات الاخيرة كما كان متوقعا». ونفى الحوراني ان يكون الخلاف حول دحلان او اسماء اخرى في الحكومة لان الاسماء كما يقول ليست سببا كافيا لاسقاط مثل هذه التجربة بل يتعدى ذلك ليصل الى «القرار والنفوذ».

في الوقت نفسه نفى الحوراني كما نفى مسؤول فلسطيني آخر مزاعم اسرائيلية بان الخلاف بين الرجلين يدور حول سياسة امنية جديدة يفكر بها ابو مازن تتضمن نزع سلاح عدد من الفصائل لا سيما كتائب شهداء الاقصى الجناح العسكري لحركة «فتح» لفتح الطريق امام استئناف المفاوضات، وهو ما يرفضه عرفات خوفا من اندلاع حرب اهلية حسب المزاعم الاسرائيلية.

وقال الحوراني ان التدخل الاسرائيلي سواء عبر الصحافة او عبر التصريحات الرسمية المباشرة الهدف منه هو اثارة الفتنة وتعميقها داخل الحالة الفلسطينية لان اهتمام العالم بوزارة فلسطينية يزعج اسرائيل لانه يلزمها بالتعاطي سياسيا مع هذه الحكومة وهو ما ترفضه.

لكن عبد القادر قال لـ«الشرق الأوسط»، «ان مسألة كتائب الاقصى هي جزء من الملف الامني الذي يشعر الرئيس عرفات بقلق نحوه. ويريد عرفات ان تبقى المسألة الامنية بيد اللجنة المركزية لفتح وليس بيد شخص من خارجها يمكن ان تقود تصرفاته الى اقتتال فلسطيني ـ فلسطيني».

وزعمت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية بان ابو مازن يريد ان تكون له مطلق السلطة في مسألة نوع سلاح الفصائل المسلحة.

من جانبها نسبت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في عددها الصادر امس خبرا الى مصادر أمنية اسرائيلية وصفتها برفيعة المستوى تدعي فيه أن الرئيس عرفات، يحاول بواسطة الفصائل الفلسطينية المختلفة لا سيما كتائب شهداء الاقصى تنفيذ عمليات في اسرائيل بهدف اعاقة منح التسهيلات للفلسطينيين الامر الذي سيعزز مكانته ويضعف موقف أبو مازن الذي يعاني من ضعف في الشعبية على اي حال حسب مزاعم المصادر الامنية الاسرائيلية.