جنود أميركيون يروون تفاصيل 3 من أشرس المواجهات مع قوات صدام غيرت سير المعركة للسيطرة على بغداد

المقاومة العراقية غير القوات النظامية كادت تعزل لواء أميركيا لولا تلقيه ذخيرة ووقود دبابات مساء 7 أبريل

TT

بالنسبة للكثير من الجنود الاميركيين، كانت الحرب في العراق اول تجربة قتالية لهم، فخلال الـ18 يوما التي قضوها في العراق منذ ان عبروا الحدود من الكويت، ظلت القوات الموالية للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين مصرة على المقاومة والمراوغة وعندما بات الطرفان بالقرب من بعضهما بعضا في العاصفة الرملية، اتخذ المقاتلون الموالون لصدام، من مجموعات «فدائيي صدام» والميليشيات الاخرى، مواقع لهم على بعد ياردات فقط من المدرعات والدبابات الاميركية، وبدأوا يتقاطرون على المنطقة عازمين على استدراج القوات الاميركية الى قتال المدن وهو الهاجس الذي ظلت تخشاه القوات الاميركية.

كان المقاتلون العراقيون يرتدون ملابس مدنية وكانوا يطلقون النار من مبانٍ سكنية وحتى من داخل المساجد وكانوا يستقلون سيارات مدنية وأرسلوا انتحاريين يقودون سيارات محملة بالمتفجرات في مواجهة دبابات «ابرامز» ومركبات برادلي «ام 2» القتالية الاميركية. وتعرضت سرية «برافو» بالاضافة الى وحدات تابعة لفرقة المشاة الاميركية التي تسيطر على واحد من اهم تقاطعات الطرق السريعة المؤدية الى بغداد تعرضت لنيران كثيفة من المقاتلين العراقيين الموالين للرئيس المخلوع الذين كان عددهم كبيرا فيما يبدو. وحسب قائد عسكري اميركي، فإن المعارك التي دارت في التقاطعات الثلاثة في ذلك اليوم الترابي قضت في ما يبدو على آخر مقاومة عراقية مهمة للقوات الاميركية وكانت بمثابة بداية النهاية لحكم صدام حسين الذي استمر 24 عاما.

وقال قادة عسكريون اميركيون انهم ادركوا ان القوات العراقية غير النظامية التي واجهوها كانت عدوا اكثر شراسة مما توقعوا وكانت ايضا اكثر اصرارا على المقاومة مقارنة بفرق الحرس الجمهوري التي كان من المفترض ان تكون افضل حالا من بقية القوات من ناحية التسليح والتدريب والامكانيات بصورة عامة. ورأى القادة العسكريون الاميركيون في الجانب العراقي ما يشير الى وجود استراتيجية مشابهة للميليشيات الصومالية ضد قوات «رينجرز» الاميركية في الصومال عام 1993: تشتيت القوات الاميركية المهاجمة وعزلها في الشوارع وارسال المزيد من التعزيزات لالحاق اكبر قدر من الخسائر في صفوفها. وكان لدى القوات الاميركية دروع واقية كانت فاعلة أمام القذائف الصاروخية الإطلاق، التي كانت سلاحا مفضلا للمقاتلين الموالين لصدام. وفي نهاية الامر تم تأمين خط الامداد للقوات الاميركية ومنيت القوات العراقية غير النظامية بهزيمة واضحة بفضل التفوق الواضح في القوة النارية للقوات الاميركية، كما ان التدريب الذي جرى على مدى شهور على قتال المدن اثبت فائدته بالفعل. ويقول الميجر روجر تشاك، مدير العمليات في الكتيبة الثالثة الاميركية ان معارك تقاطعات الطرق السريعة عند مدخل بغداد كانت عاملا حاسما ونقطة تحول رئيسية في الحرب. وقال ان المهمة التي نفذتها القوات الاميركية «قطعت الافعى الى نصفين»، على حد وصفه، وأضاف ان كل شيء بدأ ينهار تباعا بعد ان حسمت تلك المعركة لصالح القوات الاميركية.

واسفرت معارك 7 ابريل (نيسان) خارج بغداد عن مقتل اثنين من جنود الكتيبة الثالثة وتعرض 12 اخرين الى اصابات خطرة استدعت اخلاءهم للعلاج بالاضافة الى اصابة 30 آخرين اصابات طفيفة عادوا بعد تلقي العلاج الى القتال. اما الخسائر في صفوف المقاتلين الموالين لصدام التي كانت مكونة من «فدائيي صدام» والحرس الجمهوري الخاص ومتطوعين عرب وخاصة من السوريين، حسب المصادر الاميركية، فقد كانت كبيرة. اذ دمرت عشرات المركبات العسكرية وقتل ما بين 350 و500 منهم.

وقال الكولونيل ديفيد بيركينز، قائد اللواء الثاني، ان الخطة كانت فاعلة وطموحة وتمكنت القوات الاميركية من خلالها من اقتحام بغداد بلواء واحد.

وبدلا من الطريقة التقليدية التي تعتمد على الدخول الى الموقع تدريجيا وتأمين الاراضي التي يتم الاستيلاء عليها، اتبع الكولونيل بيركينز منهجا غير تقليدي، فقد ارسل وحدتي دبابات تابعتين للفوج 64 المدرع باتجاه وسط بغداد للاستيلاء على منشآت رئيسية قبل الالتقاء بالقوات التابعة للكتيبة الثالثة مشاة لاحتلال تقاطعات الطرق وتأمين خطوط الامداد ويعتقد الكولونيل بيركينز ان الخطة العسكرية التي اقتحمت على اساسها العاصمة العراقية كانت وراء الانهيار السريع للنظام العراقي السابق ولكن مع استمرار المعارك على تقاطعات الطرق وفي قلب بغداد ايضا، فإن الكتائب الثلاث واجهت نقصا في الذخيرة وفي وقود الدبابات. وقال الكولونيل بيركينز ان قواته لو لم تتلق امدادات الذخيرة ووقود الدبابات مساء نفس اليوم، فانها ربما كانت ستعزل عن بقية القوات وتحت الحصار.

واوكلت مهمة إسناد هذه الوحدات حتى لا تتعرض للعزل والحصار للفتينانت كولونيل ستيفن تويتي. وقال تويتي ان كتيبتين تمكنتا من العبور دون أي اعتراض من القوات الموالية لصدام وان القوات الاميركية عندما وصلت الى التقاطعات كان القتال بين الجانبين من مسافة قريبة وفي تقاطع الطريق السريع 8 وطريق القادسية السريع دارت معركة استمرت 18 ساعة تعرضت مدرعة اميركية خلالها للاصابة بقذيفة صاروخية من جانب القوات العراقية، وتعرض سبعة جنود اميركيين للاصابة احدهم كانت اصاباته خطيرة استدعت اخلاءه من ساحة المعركة. وقال الكابتن جوش رايت، قائد سرية «الفا» التابعة للكتيبة الثالثة، ان الجانب العراقي خسر حوالي 30 مدرعة وعددا من القتلى يتراوح بين 150 و.200 وعلى بعد بضعة اميال الى الجنوب دخل الكابتن جان هوبارد ودباباته واحدا من التقاطعات الرئيسية الثلاثة تحت إطلاق نار من ثلاثة اتجاهات في هذا التقاطع الذي يربط الطريق السريع 8 بطريق يعبر نهر الفرات في جسر القادرية. وقال الكابتن هوبارد الذي كان يعمل في السابق بائعا للتحف في جونسون سيتي بولاية تينيسي الاميركية، انه شاهد دبابات «ابرامز» ومركبتين من طراز برادلي تتعرضان للقذائف العراقية لكنها اصيبت فقط باضرار طفيفة. وتعرضت الدبابة التي كان يستقلها الى النيران العراقية خمس مرات، وقال ان عدد الدبابات والمركبات الاميركية المدرعة التي تعرضت للقذائف العراقية كانت 17 لكنها واصلت سيرها. وشاهد تويتي على احد التقاطعات الثلاث انتحاريين كان احدهما يقود شاحنة صغيرة بيضاء متجهة شمالا والآخر كان يقود سيارة صغيرة، الا ان السيارتين انفجرتا واحدة اثر اطلاق النار عليها من مدفع رشاش والأخرى كان مصيرها الانفجار ايضا اثر تعرضها للنيران.

وفي التقاطع الواقع في اقصى الجنوب كانت الكتيبة مكونة في البداية من فصيل تابع لسرية «برافو» للمشاة ومركبات برادلي ومركز التكتيك والعمليات التابع للكتيبة وناقلات جنود تابعة للوحدة الطبية وقسم للاستطلاع على مركبات هامفي وفصيل لقذائف الهاون ومركبات للصيانة. واشتبكت هذه القوة مع القوات العراقية لمدة ساعتين تقريبا قبل ان يتقدم الكابتن روني جونسون بفصيل آخر. وقال جونسون «كنا محاصرين طيلة الوقت الذي كنا فيه هناك». ومع تطهير رفاقه المشاة لخندق من المقاتلين العراقيين يقع بالقرب من نقطة تقاطع طرق ظهر بعضهم رافعا يديه، وخشي جونسون من أن يكونوا قد وضعوا على خصورهم متفجرات. وصرخ عبر الراديو: «دعوهم يتعرون». وأخيرا استسلم 30 من ضمنهم سوريان اثنان حسب قول مترجم قام باستجوابهم.

وعند مقدمة الطابور راح السائقون والفنيون يطلقون النار باتجاه مصادر نيران عراقية في بنايات تبعد عنهم مسافة 400 ياردة. في غضون ذلك تسلل عدد من المقاتلين العراقيين الى الخنادق المحفورة على الجانب الآخر من الطريق للتعويض عن أولئك الذين استسلموا. وقال السارجنت ماونتين روبيشو «أنا رأيتهم مضطجعين في الخنادق... وأسلحتهم كلها مصفوفة واحدا جنب الآخر. فقام برمي نفسه جانبا ثم رمى قنبلة من مسافة عدة أقدام وحينما كان مستلقيا تحت الجسر أصيب بجرح من شظية. ومع الطلقات وقاذفات الصواريخ التي استمرت بالهطول عليهم من البنايات دعا الضباط المدرعات «بلادين» ذوات المدافع عيار 155 ملم لتطلق نيرانها من بعد عدة أميال عنهم. لكن واحدة من الرشقات وقعت قريبا منهم حيث ضربت ضفة النهر الحجرية فجرحت جنديين أميركيين وعندها طلب الضباط وقف القصف من المدرعات. وكان بين الجرحى جندي المشاة كريستوفر نومان، 19 سنة، وحينما كان محمولا على نقالة من خندق ظلت بندقيته معلقة. فجأة نهض واحد من اربعة مقاتلين عراقيين سقطوا قرب دعامة قريبة وتناول بندقية كلاشنيكوف. صاح نومان: «هذا الرجل ما زال حيا» ثم رفع بندقيته وأطلق النار من مسافة قصيرة.

لكن الأسوأ كان لا يزال في انتظار القوة الاميركية. فبعد فترة هدوء قصيرة تعرضت شاحنتان للقوات الخاصة موضوعتان تحت معبر فوق الطريق الرئيسي للنيران فتصاعدت منهما السنة اللهب. وتحت وطأة ذلك النجاح راح أتباع صدام يطلقون نيرانا كثيفة على نقطة تقاطع الطرق مما أدى إلى إصابة شاحنة تحمل الذخيرة ضمن طابور التجهيزات وهذا ما ادى إلى وقوع سلسلة انفجارات. كذلك انفجرت شاحنة ذخيرة أخرى وتبع ذلك انفجار ناقلة وقود ومدرعة من طراز هامفي.

عندها تحول تقاطع الطرق جحيما. أما الجنود فإنهم راحوا يبحثون عن مكان آمن لهم وسط رشقات الرصاص والصرخات المطالبة بالذهاب إلى العربات المتبقية والانسحاب عندها قفز السارجنت أندرو جونسون، 31 سنة، العضو في طابور تجديد التجهيزات ليتسلق ناقلة وقود كانت واقفة جنب شاحنة ذخيرة مشتعلة وحاول أن يسوقها بعيدا عن الطريق لكنها لم تشتغل مما دفعه إلى القفز منها تاركا إياها لتنفجر بعد ثوان قليلة. يتذكر الجندي روبرت غالاغر أنه ردد آنذاك مع نفسه: «مرة أخرى». وكان غالاغر قد حارب في الصومال سنة 1993 كجندي عمليات خاصة وجرح هناك ثلاث مرات وفي تقاطع الطرق ضُرب مرة أخرى بشظية في فخذه. وفي كلا المكانين قال غالاغر، 40 سنة، إن واجه قوات غير نظامية تستعمل البنايات كغطاء وكانت «كثافة النيران في الحالتين واحدة». لكن في بغداد كان الفارق هو توفر دروع للقوات الاميركية «وهذا ما قلل حجم الخسائر بيننا بشكل كبير». وقال غالاغر «هؤلاء الرجال لم يكونوا من نفس الوحدات التي سبق أن واجهناها سابقا فهم لديهم أجندة خاصة بهم وقد تلقوا تدريبا عاليا ولم ينسحبوا، بل هم ظلوا يواصلون دعم مواقعهم وكانوا إلى حد كبير فعالين. أما الميجر ستيف هومل فقال إنه في لحظة ما «فكرت بأننا لا يمكن أن نُسحق فالاستسلام لهؤلاء الرجال هو شيء لم يكن بإمكاننا التفكير به».

*خدمة «واشنطن بوست ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»