المغرب: خطة طموحة من خمس ركائز لإصلاح قطاع الإعلام

TT

عكف صحافيون واعلاميون ومهنيون مغاربة على مدى يومين في الرباط البحث في كيفية تطوير وسائل الاعلام سواء كانت مكتوبة أو مسموعة أو مرئية. ويأمل مسؤولون حكوميون أن تساعد الخلاصات التي توصل إليها المشاركون في اثراء خطة تعثر تطبيقها طويلاً لإصلاح قطاع الاعلام.

وتحدث مسؤولون عن الاذاعة والتلفزيون لأول مرة، وفي فرصة نادرة، و بلغة صريحة، حول عراقيل ادارية تواجههم. ووجهوا انتقادات مريرة لوزارة المالية التي تدير بـ«عقلية متجاوزة» على حد قولهم الاشراف المالي على مؤسسات الاعلام الرسمية.

وكان نبيل بن عبد الله وزير الاتصال (الاعلام) والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية قد حدد استراتيجية الوزارة في خمسة محاور هي اصلاح القطاع المسموع والمرئي، وتأهيل المقاولة الصحافية، وتنظيم وتنمية قطاع الاعلانات، وتكوين وتأهيل الموارد البشرية، واعادة تحديد ودور ومهام وزارة الاتصال. وكان المشاركون في الندوة قد توزعوا على ورشتين هي ورشة الصحافة المكتوبة التي ترأسها محمد العربي المساري وزير الاعلام الأسبق، وورشة الاعلام المسموع والمرئي التي ترأسها توفيق بناني سميرس. وتلي مساء أمس التقرير النهائي للندوة في جلسة ختامية عقدها المشاركون.

وتعد هذه الندوة بمثابة انطلاقة لعملية اصلاح واسعة النطاق يراهن عليها الوزير بن عبد الله ويخوض غمارها بحماس ملحوظ. ويتوقع أن يعقب الندوة اصدار النصوص القانونية التنظيمية للقطاع المسموع والمرئي الذي يقنن تخلي الدولة عن احتكار هذا المجال ثم تشكيل المجلس الأعلى المسموع والمرئي. بيد أن بعض المهتمين يثيرون الشكوك حول حظوظ هذه العملية في اعطاء القطاع بداية جديدة بعد أن ظل عرضة لانتقادات مريرة طوال سنوات.

وطبقاً للخطة المرتقبة سيتم فتح المجال، لكن بناء على شروط متشددة، لانشاء قنوات تلفزيونية واذاعات خاصة، كما سيتم تحويل القناتين الحاليتين إلى شركات حكومية تتمتعان باستقلالية مالية و إدارية مع مطلع العام المقبل. وكانت محاولات إصلاح القطاع المسموع والمرئي قد بدأت مع تعيين حكومة التناوب برئاسة عبد الرحمن اليوسفي في مارس (آذار) 1998، إذ حاول محمد العربي المساري وزير الاعلام آنذاك أن يضع حداً لهيمنة وزارة الداخلية على الإذاعة والتلفزيون، لكن تلك المساعي أخفقت مما اضطر المساري إلى تقديم استقالته مرتين بعد أن أدرك استحالة تحقيق مطامحه في اعلام متفتح.

ثم جاءت فترة تالية تم خلالها ربط التلفزيون مع شخصيات تتلقى توجيهات مباشرة من القصر الملكي، وهي الفترة التي لا تزال مستمرة حتى الآن. وخلال هذه الفترة جرى تعيين مديري القناتين الأولى والثانية ووكالة الأنباء المغربية من طرف القصر الملكي مباشرة، الامر الذي منحهم استقلالية بحيث أصبحوا يتصرفون في كثير من الأمور بمنأى عن أية سلطة حكومية.

ويبدو أن الاتجاه السائد حالياً هو التوصل إلى صيغة وسط لا تمنح الاعلام الرسمي استقلالاً كاملاً وفي الوقت نفسه العمل على ادخال تغييرات في أوضاع المؤسسات الإدارية والقانونية والمهنية.

وفي مجال الصحافة المكتوبة سيعاد النظر في الدعم الذي تقدمه الدولة للصحف والذي يقتصر حالياً على الصحف الحزبية وتطالب الصحف المستقلة أن يشملها هذا الدعم، ويرجح أن تدعم الوزارة خطة لتحويل الصحف إلى مقاولات حقيقية تراعي تطبيق اتفاقية جماعية بين الصحافيين ومؤسساتهم، حتى تحظى الصحف بدعم مالي، وإنشاء مكتب لمراقبة توزيع الصحف.

وتعاني الصحف في المغرب مشكلة تقلص سوق الاعلان حيث يلتهم التلفزيون بقناتيه النصيب الأكبر من هذا السوق وما يتبقى تتقاسمه الصحف واللوحات الاعلانية في الطرق، كما أن الصحف تعاني تقلص حجم القراء حيث بلغ المعدل اليومي لمبيعات جميع الصحف اليومية والأسبوعية في المغرب تبعاً لإحصائية مارس الماضي 230 ألف نسخة.

ورغم أن بعض الصحف راهنت على تطورات الأزمة العراقية من أجل رفع المبيعات فإن مصدراً في شركة «سابريس» لتوزيع الصحف قال ان ما حدث هو العكس حيث انخفضت مبيعات اليوميات المغربية خلال فترة الحرب. ويقول صحافيون مغاربة إن تواضع الامكانيات المالية للصحف يحد من التعامل المهني مع الأخبار والأحداث المتسارعة.

وهيمن هاجس الخوف من مساوئ عملية تحرير القطاع الاعلامي المغربي على فعاليات الملتقى. وأعاد الحديث عن اصلاح الاعلام في المغرب من جديد الحديث عن المخاوف التي تبديها السلطات المغربية من عملية تحرير غير مقننة لهذا القطاع. كما أثار حفيظة الاعلاميين من أن يؤدي مزيد من التقنين الى تضييق حرية التعبير في المغرب، خاصة أن فعاليات هذا الملتقى تنعقد في وقت تشهد فيه الساحة الاعلامية المغربية جدلا حول حرية الصحافة التي يقول البعض انها بدأت تشهد تراجعا.

وحسب ما جاء في خطاب الوزير بن عبد الله في الجلسة الافتتاحية للملتقى فان الإعلاميين «مطالبون في بلد مثل المغرب بأداء دور حاسم وخطير.. دور بيداغوجي (تربوي) مجتمعي يواكب التغيير والإصلاح، يدعمه ويقويه ويفتح النقاش حوله، ينبه إلى السلبيات والانزلاقات ويضيء طريق التحديات والرهانات».

وطالب بن عبد الله الاعلاميين بـ«تغليب منطق الحوار والتخلي عن تبادل التهم وتجاوز مرحلة اجترار التشخيص».

أما يونس مجاهد نقيب الصحافيين المغاربة فقد كان مباشرا في عرضه عندما تطرق الى الاشكالية القانونية التي تؤطر مسألة الحقوق والواجبات. وتساءل مجاهد «كيف يمكن أن نمارس حرية مسؤولة ومنظمة وإيجابية؟»