حكومة الحريري الخامسة تتجاذبها التكهنات و«نظام المحاصصة» وحديث عن «استياء سوري» من تشكيلة غير متوازنة التمثيل

TT

لم يتوقف في لبنان بعد سيل التكهنات والتحليلات حول الظروف والاسباب التي املت التعجيل في تشكيل الحكومة الجديدة على نحو لم ينسجم مع التطلعات اللبنانية في ان تكون حكومة انقاذ تستفيد من الاخطاء ومما انجزته الحكومة السابقة على كل المستويات، بل جاءت ـ حسبما وصفها الرئيس السابق للحكومة سليم الحص ـ «حكومة الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب»، وأرضت القوى السياسية التي شاركت فيها ولم ترض كثيرين، ليس لأنهم لم يتمثلوا فيها فحسب وانما لأنها ليست الحكومة التي تليق بالمرحلة ومتطلباتها.

وفي «جوجلة» لفيض التكهنات الذي تغرق الساحة اللبنانية فيه، استخلصت «الشرق الاوسط» الابرز او اللافت في هذه التكهنات، وهي تتلخص بأربعة موزعة على فئات اربع من القوى السياسية المتنوعة:

اولاً : فئة تقول ان تصاعد وتيرة التهديد الاميركي والاسرائيلي لسورية والذي ترافق مع عودة بعض الاطراف اللبنانية المعارضة الى المراهنة على مشروع اميركي ـ اسرائيلي ضد سورية شبيه بذلك الذي نُفِذ في العراق دفع القيادة السورية الى تشجيع السلطة اللبنانية على إجراء تغيير حكومي سريع لئلا يتحول الوضع الحكومي الهش الذي كان سائداً ثغرة او عنصر ضعف يؤثر سلباً على مواجهة البلدين للتهديدات الاميركية الإسرائيلية، بدليل ان رئيس الجمهورية إميل لحود قال في مستهل الاجتماع الاول للحكومة الجديدة ان تشكيلها تم في «توقيت إقليمي حسّاس جداً في ظل ضغوط واتهامات تقف خلفها إسرائيل وتستهدف سورية ولبنان للتنازل عن اوراق القوة التي يمتلكها البلدان الشقيقان»، وكذلك ما قاله رئيس الحكومة رفيق الحريري من «ان الانعكاسات السلبية لقانون محاسبة سورية الذي يُدرَس في الكونغرس الاميركي، هي على لبنان بمقدار انعكاساته على سورية او اكثر منها». وشدد على «التضامن الداخلي والتضامن مع الاخوان السوريين لنكون يداً واحدة في مواجهة التحديات الموجهة الينا او التي تنتظرنا».

ثانيا: فئة تقول ان الحكومة ضمت غالبية وزارية حليفة لسورية او تدين بالولاء لها مما يعكس ان الاستعجال في تشكيلها سببه رغبة بيروت ودمشق في التحوط من دخول اميركي محتمل ولاحق على خط التغيير الحكومي في لبنان تحت جنح، او في اطار التهديدات والضغوط التي بدأت واشنطن تمارسها على البلدين منذ سقوط نظام الرئيس صدام حسين في العراق، لأن هذا التدخل، إذا حصل، قد يعوق تشكيل حكومة لبنانية على النحو الذي يخدم مصالح البلدين وموقفهما الممانع لمشاريع التسوية السلمية غيرالشاملة وغير العادلة التي تعمل الولايات المتحدة وإسرائيل على فرضها .

ثالثا: فئة تقول (وبينها اوساط مسيحية معارضة) ان الغالبية الوزارية الساحقة الحليفة لسورية في الحكومة الجديدة تدل على ان دمشق ربما كانت تجاوبت مع الرغبة التي ابدتها واشنطن لمعاونتها على معالجة الوضع العراقي. وفي مقابل هذا التجاوب قد تكون الادارة الاميركية أطلقت يدها اكثر في الساحة اللبنانية لأنها، أي واشنطن، لا تزال على اقتناع بجدوى وحيوية استمرار الدور السوري في لبنان الى ان يتحقق السلام في المنطقة.

رابعاً: فئة تقول ان دمشق لم يكن لها اي تدخل في عملية تشكيل الحكومة الجديدة وتركت هذا الامر للمسؤولين اللبنانيين المعنيين الذين عندما فاتحوها مرارا بموضوع التغيير الحكومي اكدت لهم انها لا تمانع بذلك اذا توافقوا على العناوين الكبرى للتشكيلة الحكومية التي يريدون لئلا يقعوا في اي مطبات او يواجهوا عقد تمثيل لهذا الفريق او ذاك من الافرقاء مما قد يوقع البلاد في فراغ وفي مشكلات سياسية ودستورية هي في غنى عنها الآن، ولذلك سارعوا الى تأليف حكومة غالبية اعضائها حلفاء لسورية وهم في الوقت نفسه موزعو الولاءات بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة. وجاؤوا بأسماء يعتقدون ان لها وزنها التمثيلي في الساحة المسيحية وترتاح اليها البطريركية المارونية والمعارضة المسيحية (فارس بويز وعبد الله فرحات وميشال سماحة والياس سكاف وكريم بقرادوني).

وتقول اوساط هذه الفئة ان ما يؤكد عدم تدخل دمشق في اختيار وزراء الحكومة يمكن الاستدلال عليه من خلال الآتي:

ـ ان بعض زوار دمشق في هذه الايام يعودون بانطباعات مفادها ان هناك استياء من الصيغة التي صدرت فيها التشكيلة الوزارية ومن بعض الذين عملوا على إصدارها، لأنها لم تأت متطابقة مع الصورة التي نُقِلت الى العاصمة السورية قبيل صدور مراسيم التشكيل من حيث توازنها وشموليتها لغالبية الاطراف، كما تستوجب ذلك مقتضيات المرحلة.

ـ تصرف بعض المرجعيات السياسية في تسمية غالبية وزراء الطائفة او الطوائف التي تنتمي اليها هذه المرجعيات، بدليل انها اخذت حصصاً اكبر من المقاعد الوزارية التي كانت لها في الحكومة السابقة وفي ما قبلها ايضاً. وهذا التصرف دلت محاولات هذه المرجعية او تلك لاستبعاد توزير أو اعادة توزير هذا الشخص او ذاك في الحكومة، حتى ان بعض الذين نجوا من «المقصلة» وأٌعيد توزيرهم ادلوا بتصريحات او قالوا في مجالسهم امام مهنئيهم ان هذا المرجع او ذاك سعى الى «تطييره» وكاد ان ينجح في ذلك.

ـ تحاشي البطريرك الماروني نصر الله صفير حتى الآن، اعلان اي موقف سلبي من الحكومة الجديدة لإدراكه سريعا ان دمشق التي فتحت بينها وبينه صفحة جديدة لم تكن شريكة رئيسية في اختيار الوزراء. فالمعنيون ابلغوها انهم اتفقوا في ما بينهم على التشكيلة الوزارية فباركت ذلك ولم تناقش في التفاصيل.

وتقول شخصية نيابية بارزة استبعدت من التوزير لـ«الشرق الاوسط» ان التشكيلة الوزارية ادت الى انكشاف «نظام المحاصصة» وما له من سلبيات على الحياة السياسية مما جعل بعض المعنيين يشعر انه وقع في «ورطة» خصوصا ان بعض المرجعيات أُعطي صلاحية تسمية وزراء طائفته دون سواها وهذا ما يفسر عدم رضاه على الحكومة المستولدة «في خَفَر».

وتضيف هذه الشخصية انه في الوقت الذي جِيءَ بـ «المسترئسين» الى الحكومة الجديدة «لإحراج من يجب إحراجه» لم يتَح في المقابل لمرجعيات تسمية غير وزراء الطائفة التي تنتمي اليها. وقيل في هذا المجال ان من ابرز اسباب عدم رضى رئيس الحكومة رفيق الحريري على حكومته الجديدة هو انه «لم يتح له تسمية وزراء من خارج طائفته الاسلامية السنية»، فيما ادى عدم رغبة «حزب الله» بتوزير من يمثله في الحكومة (والبعض يقول ان احداً لم يفاتحه في الامر) الى حصول رئيس مجلس النواب نبيه بري على الحصة الكبرى من المقاعد الوزارية عموما والمقاعد الشيعية خصوصاً.

وفي اعتقاد هذه الشخصية النيابية ان هذه الحكومة لن تعيش اكثر من ستة اشهر لأنها بتكوينها تحمل عوامل فشلها في التصدي للملفات الداخلية بغض النظر عن انها قد لا تكون في مستوى مواجهة التطورات الاقليمية.