واشنطن والزعماء العراقيون الجدد يعملون على إنشاء جهاز قضائي جديد لمحاكمة مسؤولي نظام صدام عن جرائم الحرب

TT

أفاد مسؤول اميركي اول من امس بأن إدارة الرئيس جورج بوش تخطط، بالتعاون مع الزعماء العراقيين الجدد الذين ظهروا بعد الحرب، الى إنشاء جهاز قانوني جديد من شأنه أن يعمل على تقديم مئات المسؤولين العراقيين الى المحاكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب، فضلاً عن جرائم كبيرة أخرى. كما أن الجهاز سيكون مخولا بمنح العفو العام لآلاف الأشخاص نظير اعترافاتهم باقتراف ما ارتكبوه من جرائم.

يقول بيير ريتشارد بروسبر السفير في وزارة الخارجية الاميركية ومسؤول قسم جرائم الحرب: «هناك العديد من الضحايا الذين يودون توضيح ما حدث لهم من مآسٍ.. إنها ستكون خطوة كبيرة ومهمة. ليس الأمر يتعلق فقط بمساءلة المسؤولين السابقين، بل من الضروري أيضاً معرفة ما كان يحدث في الماضي، وكلاهما يتطلب التحرك معاً في مسار واحد وفي الوقت ذاته، أملاً في تحقيق التسوية المطلوبة والوضع الصحيح الذي يمكّن العراق من النهوض والتقدم.

ويقول مسؤول اميركي ذو صلة بالتخطيط لمحاكمة جرائم الحرب: «تنوي الولايات المتحدة محاكمة بعض العراقيين من كبار الساسة والعسكريين لما يعتقد أنهم ارتكبوه من جرائم حرب خلال هذا العام، وكذلك في حرب الخليج عام 1991 عند تحرير الكويت».

وربما تسعى الولايات المتحدة أيضاً الى محاكمة مسؤولين عراقيين لما ارتكبوه من مخطط كان يهدف الى اغتيال الرئيس الاميركي الأسبق جورج بوش في عام 1993، إلا أن كل ذلك خاضع للقرار النهائي الذي يتوقع أن يصدر من وزارة العدل الاميركية والبيت الأبيض حول تحديد الدور الذي يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تلعبه.

وقد أوضح مسؤول اميركي آخر بأنه تم القبض يوم الجمعة الماضي على الجاسوس والمسؤول العراقي السابق فاروق حجازي بالقرب من الحدود السورية، ويعتقد أنه ضالع في محاولة اغتيال الرئيس الأسبق جورج بوش. ويستطرد المسؤول قائلاً: »إن حجازي الذي عمل أخيراً كسفير للعراق لدى تونس ويشتبه في صلته الوثيقة بتنظيم القاعدة قد تم تسليمه الى الحدود بواسطة المسؤولين السوريين».

ومحاكمات مثل هذه من المرجح لها أن تتم بواسطة شكل محاكم عسكرية في العراق، وتكون خاضعة لمختلف المعايير الدولية، أسوة بما حدث في المحاكمات الأميركية التي جرت عقب الحرب العالمية الثانية.

ويقول بروسبر وهو مدعٍ قانوني سبق له أن اشترك في محاكمات رواندا التي نظمتها الأمم المتحدة: «يجب أن تكون هناك محاسبة صادقة لهذا العمل. أما بالنسبة لما ارتكب من جرائم في حق أشخاص أميركيين، فسنعمل نحن الاميركيين على محاكمتها».

وبجانب هذا العدد المحدود من الحالات، تخطط الولايات المتحدة لإنشاء جهاز قضائي ذي ثلاث مراحل للتعامل مع ما ارتكب من انتهاكات خلال ربع قرن مضى. وتود واشنطن أن تكون غالبية تكوين هذا الجهاز تحت إشراف الإدارة الجديدة في بغداد، في الوقت الذي تقر فيه الإدارة الجديدة بحاجتها لمجهودات للولايات المتحدة أو قوات التحالف في هذا الصدد. هذا ما صرح به مسؤولون اميركيون. وأضافوا بقولهم: «سيكون على عاتق الحكومة العراقية الجديدة القيام بدور قيادي في محاكمة كبار المسؤولين العراقيين بمن فيهم صدام حسين إذا كان لايزال على قيد الحياة، رغماً عن أن الولايات المتحدة ستعمل على مساعدة المحاكمات بقانون قضائي جديد ما زال في طور الإنشاء». ويقول مسؤول اميركي: «إن ما ارتكبه النظام العراقي من مذابح وفظائع في حق شعبه يجب أن يجد محاكمة من العراقيين أنفسهم، ونحن على استعداد لتوفير الدعم اللازم الذي يمكن أن يتراوح بين المساعدة المالية الى الخبراء القانونيين والقضاة، لكي تكون المحاكمات أكثر مصداقية».

وقد صرح بروسبر في مجلس الشيوخ مطلع هذا الشهر بأن على جميع الولايات خاصة الواقعة في المنطقة ان تكون مستعدة للمساهمة في المساعدات بحسب الحاجة.

ويقول مسؤول اميركي: «إن التركيز في المحاكمات سيكون منصباً على ما يسمى «ديرتي دوزين» وهم مجموعة الكبار حول صدام ويشمل ذلك إبنيه وبعض أفراد عائلته، فضلاً عن العديدين من القائمة التي تضم 55 شخصاً هم أهم العراقيين المطلوبين للإدارة الاميركية وآخرين من خارج القائمة. وبعض هؤلاء المطلوبين كانوا يحتلون مراتب أقل في الحكومة ولكن ما ارتكبوه من فظائع بحق الشعب العراقي يجعلهم مطلوبين للعدالة، ومثال لذلك هناك أسماء عديدة لضباط شرطة أو سجون ارتكبوا الكثير من الانتهاكات البشرية».

وبحسب تصريحات مسؤولين أميركيين فإن غالبية المحاكمات ستتم استثنائياً وفق القانون القضائي العراقي الجديد، وذلك بعد أن أعادت الولايات المتحدة للعراق أولئك الذين تم القبض عليهم أو استسلامهم. أما المرحلة الثانية فمن المتوقع أن تشمل مئات المحاكمات.

وأكدت مصادر البنتاغون يوم الجمعة الماضي أن الولايات المتحدة تعتقل حالياً بين 7.000 الى 7.500 عراقي أغلبهم من العسكريين. ويقول وزير الدفاع دونالد رامسفيلد إنهم لن يؤخذوا الى قاعدة غوانتانامو التي يعتقل فيها حالياً العديد من الأفغان منذ حوالي 18 شهراً. ويؤكد المسؤولون الأميركيون بأنه في الغالب ألا يقدم هؤلاء العراقيين الى محاكمات منتظمة، بينما يقدم الآخرون الذين لم يقبض عليهم بعد الى المحاكمة.

وما تزال واشنطن تحذر من أن العملية برمتها قد تستغرق أشهراً للانتهاء منها.

وطبقاً لمنظمات حقوق الإنسان الدولية فإن احدى المجازر التي ارتكبها صدام بحق الأكراد في عام 1988 بلغت حصيلتها 182.000 قتيل. كما قتل حوالي 60.000 شخص من الأكراد والشيعة عندما أجهض النظام انتفاضة شعبية ضده في عام .1991

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»