الحص: توطين الفلسطينيين قد يحدث زلزالا وفاقيا بين اللبنانيين

رئيس الحكومة السابق توقع فك رموز لغز سقوط بغداد السريع في وقت قريب

TT

اعتبر الرئيس السابق للحكومة اللبنانية الدكتور سليم الحص ان اخطر تداعيات الحرب الأميركية على العراق هو انها اطلقت رسالة أميركية مفادها ان ليس من بلد عربي يمكن ان يكون خارج متناول الذراع الأميركية، أو ان يكون بمنأى عن مثل المصير الذي كتب للعراق. وحذر من توطين الفلسطينيين في لبنان لأنه قد يحدث «زلزالاً وفاقياً».

ورأى الحص في محاضرة ألقاها امس في الرابطة الثقافية في طرابلس (شمال لبنان) انه ما كان بامكان أميركا ان تعلن استراتيجية لأمنها القومي تقوم على الفعل الوقائي او الاستباقي لو لم تكن الادارة الأميركية تدرك ان أميركا تتفوّق اقتصادياً وعسكرياً على كل ما عداها من دول العالم». واشار الى انه «من هنا كان استعداد أميركا لشنّ حرب على العراق بدعوى تجريده من اسلحة الدمار الشامل وتغيير نظام الحكم فيه. ومن هنا قدرتها على التهديد بقانون لمحاسبة سورية. ومن هنا التلويح باعادة تشكيل المنطقة العربية او رسم خريطة جديدة لها». مؤكداً ان أميركا قادرة على ردع أي قوة اخرى في العالم وليس من يردعها. واصفاً هذه المعادلة بأنها «غطرسة القوة بأجلى صورها».

واعتبر الحص انه «كان يمكن ان يكون العراق مثالاً آخر، بعد لبنان وفلسطين، على تفوق سلاح المقاومة على اسلحة التدمير المتطوّرة لو صمدت بغداد في وجه الغزو الأميركي كما كان يفترض، اكثر مما صمدت البصرة والناصرية وأم قصر والنجف قبلها». واردف: «لقد كان سقوط بغداد بهذه السهولة، ونكاد نقول من غير مقاومة، لغزاً قد يمضي بعض الوقت قبل ان نتمكّن من فك رموزه (...) ولعل السبب كان في ان المقاومة في العراق لم تكن شعبية بالمعنى الصحيح وانما من اجهزة النظام المسلّحة».

وقال الحص ان أميركا «خرجت من الحرب في صورة المنتصر... وهي تتصرف على اساس ان المنطقة دخلت في شكل حاسم العصر الأميركي. وهذا يعني هيمنة الدولة العظمى على قرار المنطقة». وتوقع ان تسعى الى «ان يكون ذلك مقدمة لادخال العالم اجمع في العصر الأميركي». وتابع: «ان تجارب العرب مع السياسة الأميركية تنبئ بأن الهيمنة الأميركية على القرار الاقليمي سيكون من شأنها عملياً اخضاع هذا القرار للهيمنة الاسرائيلية نظراً للتحالف الوثيق القائم بين أميركا واسرائيل. وسيترتب على هذا الواقع نتائج خطيرة، منها ان الحكم في العراق سيكون حتى اشعار آخر صنيعة اميركا، وبالتالي موالياً في شكل مطلق للادارة الأميركية حتى في سياستها المحابية لاسرائيل». ورجح ان يكون بين بواكير قرارات السلطة الجديدة «الاعتراف باسرائيل وبالتالي فتح ابواب التعامل معها ربما من خلال مكتب اتصال اسرائيلي في بغداد ومكتب اتصال عراقي في اسرائيل». وتوقع ان تضغط الولايات المتحدة على الدول العربية «لتبني اصلاحات جذرية في انظمتها ظاهرها تعزيز الممارسة الديمقراطية، وتحصين حقوق الانسان، وسلوك طريق الانفتاح الاقتصادي على الخارج والتزام قواعد الاقتصاد الحر او اقتصاد السوق. وفي ذلك بالطبع خدمة لتيار العولمة الذي تتزعمه الدولة العظمى. وتكاد العولمة تعني الامركة».

ثم قال: «تروّج الادارة الأميركية لمقولة انها ستبني في العراق انموذجاً ديمقراطياً يمكن ان يعمم على المنطقة. اما الواقع فإن بناء الانموذج الديمقراطي لا يكون بمجرّد قرار او مرسوم. فهو مسار قد يستغرق سنوات عديدة، قد تتبدّل خلالها معطيات كثيرة في العراق وفي سائر الدول العربية وربما في اميركا نفسها. فكم من الوقت تعتزم أميركا البقاء في العراق لتحقق الانموذج؟ هل يكون بناء الانموذج ذريعة لاستعمار العراق؟». واشار الى ان «الانظار مشدودة الى الكيفية التي ستتصرف بها اميركا حيال وحدة العراق. فهناك مخاوف حقيقية من ان يكون المشروع الأميركي يرمي الى تقسيم العراق دويلات فئوية»، ولاحظ «ان الحديث الرائج في هذا الصدد يوحي باقامة كيانات فئوية تلتقي في صيغة فدرالية او كونفدرالية». معتبراً «ان سياسة أميركا حيال وحدة العراق يمكن ان تؤشر الى السياسة التي ستسلكها حيال الاقطار العربية الاخرى والاقليات القائمة فيها». واعرب عن خشيته من «ان تجعل أميركا من العراق المجزأ انموذجاً تضغط وتعمل من اجل تعميمه في المنطقة العربية».

كما لاحظ: «ان وضع اليد على النفط العراقي كان من اهم الاهداف غير المعلنة للحرب الأميركية على العراق(...) وقد اصبحت صناعة النفط العراقية بعد الحرب وبنتيجتها عملياً في يد الولايات المتحدة الأميركية. ودخول العالم العربي في العصر الاميركي سيكون من شأنه جعل النفط الخليجي برمته، خاضعاً للهيمنة الأميركية المباشرة».

وتوقع الحص ان «لا يؤدي الحل المرتجى من «خريطة الطريق» الى اقرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى ديارهم في فلسطين». وقال: «هذا معناه ان اللاجئين الفلسطينيين سيوطنون حيث يقيمون اليوم، وفي لبنان ثلاثمائة ألف منهم، لذا القول ان لبنان سيكون اكبر المتضررين من الحل الذي يتأتى عن مشروع خريطة الطريق». وذكر الحص بـ« ان منع التوطين مذكور في مقدمة الدستور اللبناني ولا قبل للبنانيين بالتفريط بنص وفاقي بعد كل المعاناة التي تعرضوا لها عبر خمسة عشر عاماً من الازمة الدامية. فهم حريصون على وحدتهم الوطنية حرصهم على حق العودة للاجئىن الفلسطينيين، كل اللاجئين، الى ديارهم في فلسطين». واعتبر ان توطين اللاجئىن يمكن ان يتسبب بزلزال وفاقي في لبنان، يخفف من وطأته لا بل قد يلغيها اجماع اللبنانيين على رفض التوطين».