شيخ أردني فتح الباب للأصوليين العرب في داغستان بذبح بقرة وتوزيعها أسبوعيا على السكان

الأفغان العرب لا يزالون يشكلون خمس المقاتلين الناشطين في الشيشان

TT

هذه القرية النائية، الواقعة جنوب شرقي روسيا، وذات الطرق القذرة، وبيوت الطابوق الطيني من طابق واحد، كانت آمنة، على نحو عميق، كما يقول سكانها، الى ان وصلها شبخ أردني يدعى حبيب عبد الرحمن في اوائل التسعينات بصفقة تبدو غير قابلة للمقاومة.

ولقرية باتت معدمة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كان عبد الرحمن يجلب بقرة مذبوحة ويقيم وليمة مجانية كل اسبوع. وفي مكان حيث كثىر من الناس فقدوا فرص عملهم بسبب توقف نشاط ا لمزرعة الجماعية المحلية، كان يسلم 30 دولارا لكل مهتد يأتي الى جامعه البسيط.

وبالنسبة لأولئك الذين باتوا على غير هدى في الفوضى الاجتماعية للانهيار السوفياتي، كان يوفر هدفا جديدا في الحياة، شكلا من اشكال اسلامهم التقليدي المتجذر في الاصولية والروح القتالية.

ولم يتساءل كثيرون عن مصدر امواله، ومن هم العرب الآخرون الذين بدأوا الانتقال الى القرية. وفي الوقت الذي طرحت فيه الاسئلة كان ذلك بعد فوات الاوان.

وبحلول عام 1999 كانت مجموعة عبد الرحمن المتزايدة قد حولت المستعمرة الصغيرة الى منطقة مسلحة تتقاطع فيها الانفاق والخنادق، وتتكدس فيها الاسلحة بهدف تحقيق مهمة عبد الرحمن الفعلية: وهي فصل داغستان عن الهيمنة الروسية، وتوحيدها في دولة اسلامية مع الشيشان المجاورة.

ووفقا لما قاله محمد مهدييف، امام القرية، الذي اشار الى انه حاول مقاومة نفوذ الاصوليين «فانهم حاولوا اجتذاب الناس بطريقة ودية في البداية. ولكن بحلول عام 1999 كانوا يقولون: انضموا الينا وإلا قطعنا رؤوسكم».

وكان عبد الرحمن جزءا من طليعة متطرفة اثرت، الى حد كبير، على ما كان، حينئذ، حركة انفصالية علمانية في الشيشان، وقد اعادوا صياغتها، جزئيا، كجهاد عالمي انتشر من الجمهورية الى داغستان المجاورة. وتؤكد الحكومة الروسية، في الوقت الحالي، على انه من المستحيل فهم النزاع الشيشاني بدون فهم دور اشخاص من امثال عبد الرحمن.

ويقول مسؤولون في المخابرات الروسية انه مجرد واحد من مئات المتطرفين العرب الذين يغذي تعصبهم واموالهم القتال الذي اودى بحياة ما يزيد على 4500 جندي روسي، وآلاف المتمردين، فضلا عن الكثير من المدنيين خلال فترة السنوات الثلاث والنصف الماضية.

وتؤكد المقابلات التي اجريت مع منفيين شيشانيين وقرويين في الشيشان وداغستان ودبلوماسيين غربيين وخبراء في الارهاب على ان المقاتلين العرب لعبوا دورا هاما في النزاع. غير ان القصة الكاملة لا بد ان تظهر. فالقادة العرب والشيشانيون الذين يخوضون الحرب في الجمهورية مختبئون ولا يمكن اجراء مقابلات معهم.

وحسب وجهة نظر الحكومة الروسية لا تعدو حرب الشيشان كونها مشروعا ارهابيا تدفع نفقاته من اموال «القاعدة» وتبرعات المؤسسات الخيرية المزيفة، التي يديرها عرب تدربوا في أفغانستان، ويحفزها رجال دين غرباء مثل عبد الرحمن يدعون الى الثورة المسلحة في ظل التبرير الديني لجماعة اسلامية تدعى الوهابية.

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فبراير (شباط) الماضي انه «لم تعد هناك معسكرات لـ«القاعدة» في الشيشان. ولكن ما تزال هناك اموال لـ«القاعدة».. ومرشدون يعملون، ومرتزقة من عدد من الدول الاسلامية جندهم متطرفون. ومن سوء الحظ ان ذلك كله ما يزال قائما هناك».

* تغير في وجهة النظر

* حتى الهجمات الارهابية في الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001، لم تسمع الحجة الروسية على نطاق واسع في الغرب، حيث كان المسؤولون يشككون بأن روسيا تحاول، بشكل رئيسي، التملص من النقد الموجه لانتهاك القوات الروسية حقوق الانسان.

ولكن في الاشهر الاخيرة بدأ مسؤولون أميركيون يقرون، على نحو متزايد، بوجهة النظر الروسية، من ان المقاتلين العرب ساعدوا المتمردين الشيشانيين بالاموال والاسلحة، على الرغم من ان الأميركيين يقولون ان حرب العصابات ما تزال تمتلك جذورها في استياء الشيشانيين، الذي امتد عقودا، من الهيمنة السوفياتية السابقة، والروسية اللاحقة.

وقال دبلوماسي أميركي رفيع المستوى انه «من الواضح انه ما يزال هناك دافع داخلي قوي خلف التمرد الشيشاني. ولكنه بات يمتزج مع اجندة دولية للمقاتلين العرب».

ويقول مسؤولون في ادارة بوش ان الولايات المتحدة ساعدت على ايقاف الدعم الخارجي للنزاع باستئصال حركة طالبان في أفغانستان، والمساعدة على رحيل المقاتلين الاسلاميين من وادي فيرغانا القريب في أوزبكستان، وارغام جورجيا على حراسة بانكيسي جورج على الحدود الشيشانية. وبعد انكارهم لسنوات عدة بأن الوادي كان ملاذا للمتمردين، يقول المسؤولون الجورجيون، الآن، انه حتى الصيف الماضي كان ملاذا لـ800 متمرد، بينهم ما يتراوح بين 80 الى 100 من العرب في وحدة تتلقى الاموال من «القاعدة».

وقال الكولونيل ايليا شابالكين، المتحدث باسم القوات الروسية في الشيشان، ان العرب ما زالوا يشكلون حوالي خمس المقاتلين الذين ينشطون في الشيشان والذين يبلغ عددهم الألف تقريبا، والذين بدأوا ينحصرون في غابات وجبال البلاد. واضاف شابالكين ان «العرب هم الاخصائيون، هم الخبراء في الالغام والاتصالات». وقد سمي زعيمهم باسم أبو وليد، وهو سعودي ظهر في الشيشان اواخر التسعينات.

ويقول الروس ان الاموال تأتي من جماعات ارهابية معروفة مثل «القاعدة»، ومما يقرب من 40 مؤسسة تتنكر بصيغة مؤسسات خيرية في الشرق الأوسط وأوروبا واماكن اخرى. وقد توقف تدفق الاموال منذ ان بدأت المخابرات الأميركية والروسية اتخاذ اجراءات مشتركة صارمة ضد تمويل الارهاب بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). ويشير الروس الى انه حتى في هذه الحالة فان ما يتراوح بين 500 ألف الى مليون دولار ما زال يصل الى الشيشان شهريا، ويسلم بمبالغ صغيرة من جانب رسل يتنقلون عبر الطرق الجبلية الوعرة في جورجيا.

* أموال من بن لادن

* يؤكد مسؤولون في المخابرات الروسية ان أسامة بن لادن تبرع بما لا يقل عن 25 مليون دولار، وارسل الكثير من المقاتلين الى الشيشان، بمن فيهم خطاب، الذي قاد احدى افضل الفرق تدريبا. وتقر الولايات المتحدة الآن بأن خطاب كان على صلة بـ«القاعدة»، وقد اشارت الى تلك العلاقات عندما اضافت ثلاث وحدات تمرد شيشانية الى قائمة المنظمات الارهابية التي نشرتها اوائل العام الحالي.

وقال مسؤولون اميركيون ان مئاتا عدة من المقاتلين الشيشانيين تدربوا في معسكرات «القاعدة» في افغانستان، وان بن لادن ارسل «مبلغا كبيرا من المال» لتجهيز المتمردين الشيشانيين عام 1999. وتشير بعض التقارير الى ان «القاعدة» طلبت، على نحو عاجل، قيام المنظمات الاسلامية في الكويت بتوفير مبلغ مليوني دولار للمقاتلين الشيشانيين في شهر مايو (ايار) الماضي، وفقا لما ذكرته الحكومة الاميركية في توضيح من خمس صفحات لقرارها اضافة جماعات شيشانية الى القائمة.

وقد رأى ايمن الظواهري، الارهابي الهارب المطلوب من قبل الولايات المتحدة بعد بن لادن، امكانية في الشيشان كملاذ لاتباعه المقاتلين المصريين قبل ان يوحد منظمته مع «القاعدة» اوائل عام 1998، وفقا لما قاله مسؤولون روس. واشار ايغناتشينكو، المتحدث باسم وكالة الامن الفيدرالي الروسية، الى ان خطط الظواهري بالنسبة للشيشان قد اخفقت بعد ان ألقت السلطات الروسية القبض عليه في داغستان عام 1997، وسجنته لفترة ستة اشهر، ثم اطلقت سراحه قبل ان تعرف هويته الحقيقية.

لقد كان النفوذ العربي في الحرب الاولى بين الانفصاليين الشيشانيين والقوات الروسية من عام 1994 حتى عام 1996 نفوذا محدودا. فقد اعتبر الشيشانيون المستقلون في التفكير، انفسهم قادرين على معالجة امورهم، كما قال شامل بينو، الذي عمل وزيرا لخارجية الشيشان عام 1992، وممثلا للجمهورية في موسكو خلال عامي 2000 و2001.

وكان جوهر دوداييف، الذي ظل رئيسا للشيشان منذ عام 1991 حتى وفاته عام 1996، خائفا من اموال الارهابيين، وفقا لما اورده شامل بينو في مقابلة معه، واضاف «انه كان يريد القيام بعمليات تدقيق لمعرفة ما اذا كانت الاموال ارهابية ام لا».

وتبددت تلك الشكوك في اواسط التسعينات، ذلك ان المزيد من المرتزقة والمقاتلين العرب كانوا يندفعون نحو الجمهورية.

وبدأ القادة العسكريون يهيمنون على المجتمع الشيشاني، واعتنق بعضهم القضية الاصولية.

وتخطى هدف العرب مسألة الحفاظ على حرية الشيشان. فقد كانوا يريدون اندماج الشيشان وداغستان لاقامة دولة اسلامية. وكانت الشيشان وداغستان اكثر فقرا من بقية جمهوريات روسيا، وكانت داغستان ذات اغلبية اسلامية، رغم انها موطن لفسيفساء من الجماعات الاثنية. غير ان وقوعها على بحر قزوين واحتياطيات النفط والغاز فيها منحتها اهمية استراتيجية بالنسبة لروسيا، وهو ما لا تتمتع به الشيشان.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»