المدرسون العراقيون يجتمعون لبحث تعويض دروس فترة الحرب .. لكن من دون أي فكرة عن بديل «مقررات تمجيد صدام»

TT

عادة يبدأ اليوم الدراسي في «مدرسة الوحدة العربية الابتدائية» التي يدرس فيها 600 تلميذ، بتجمع التلاميذ في ملعب المدرسة لينشدوا نشيداً يمجد صدام حسين، ثم يكتب المعلمون عند بداية كل درس احدى «الاقوال الحكيمة المائة» لصدام حسين على السبورة كي يحفظها التلاميذ عن ظهر قلب. وتحتوي المواد الدراسية من الرياضيات وحتى قواعد اللغة العربية على فقرات تمجد صدام حسن. لقد انتهى كل ذلك الآن، لكن لا احد يعلم بعد كيف ستكون خطة الدراسة الجديدة.

في يوم السبت الماضي تجمع المعلمون على امتداد مدارس العاصمة بغداد بمكاتب معلميها المعطوبة وحجرات دراسة تلاميذها نصف المحطمة، بعد استدعائهم عبر الاذاعة، للتشاور حول ما سيحدث في منتصف مايو (ايار) المقبل تقريباً. وقد اغلقت معظم المدارس ابوابها قبل شهر حينما كانت الحرب مع الولايات المتحدة توشك على الاندلاع.

وفي مدرسة الوحدة العربية الابتدائية بحالتها المتدهورة والمغبرة التي يرثى لها، رغم عدم تعرضها على نحو كبير للسلب والنهب، كان تجمع المعلمين يتراوح بين الامل والاسى وهم في غاية القلق والتأثر. قال المعلمون الـ 10 الذين تمكنوا من الوصول الى المدرسة في وسط بغداد انهم متشوقون للعودة الى العمل، لكنهم لا يملكون ادنى فكرة عن نوع المقرر الذي قد يحل مكان المقرر السابق الذي يكيل الثناء على الدوام لصدام.

وقالت مساعدة مدير المدرسة بشيمة هاشم وهي تشير الى احدى الكتيبات المغبرة التي كانت تدرس في الصف الثالث «ماذا سنستخدم ككتب للدراسة. انها جميعاً عن صدام» . هناك صور للرئيس العراقي المخلوع على كل صفحة من صفحات الكتيب.

وتساءلت بشيمة قائلة: من الذي سيدفع مرتباتنا؟ كنا نتلقى مرتبات قليلة في السابق. كم من الوقت سنمضيه دون ان نحصل على شئ؟». اما المعلمات الاخريات، وكلهن نساء في منتصف العمر، فهززن رؤوسهن بالموافقة وقلن جميعاً انهن كن يحصلن على ما يساوي 10 دولاراات في الشهر.

وبالنسبة للآباء العراقيين شديدي الاهتمام بتعليم ابنائهم، فان مهام قليلة بين مشاريع اعادة الاعمار والتأهيل تتقدم اعادة فتح المدارس.

ينتهي العام الدراسي في يونيو (حزيران)، والآباء يريدون ان يتمكن ابناؤهم من تعويض ما فقدوه من دروس. وقال اداريو المدرسة ان حرارة الصيف الحارقة ستجعل من المستحيل تمديد فترة الدراسة لاكثر من اسبوع او اسبوعين بعد الموعد المعتاد. وقالت نوال خليل التي تتولى تدريس الرياضيات والعلوم: «في كل يوم اقابل آباء يرونني في الطريق ويقبلون نحوي يستجدونني قائلين: نرجوكم، نرجوكم، يجب ان تستأنفوا الدراسة سريعاً».

وقالت معلمات المدرسة ان العراقيين من كل الاعمار والمستويات كانوا يتعرضون الى وابل من دعاية صدام، وكان الكبار يتجاهلون معظم تلك الدعاية. وقالت ثريا جابر التي تدرس التاريخ والجغرافيا والدراسات القومية «انني اكره نفسي بسبب الاشياء التي كنت ادرسها. كان عليّ ان اقول الكثير من الاكاذيب. وحتى فترة قريبة قبل الحرب كنت اتحدث طول الوقت عن مدى عظمة صدام وكيف انه سينتصر على اعدائه».

وأياً كان الندم الذي يشعر به المعلمون الآن، فان احداً منهم لم يتجرأ في السابق على الانحراف عن الخطط الدراسية التي كانت تفرضها الحكومة. وكان مشرفون تابعون للحكومة يأتون خلال فترات متقاربة ليجلسوا في قاعات الدرس ويتابعوا سير الدراسة. وكان المعلمون يعون ان آباء العديد من التلاميذ كانوا اعضاء في الحرس الجمهوري او من كبار المسؤولين في حزب البعث العراقي. وقالت كتام ناعمة التي تدرس الصف الاول: «لقد كنا جميعاً خائفين طوال الوقت».

وتحول مجرى حديث المعلمات بعد ذلك الى المواد الجديدة التي سيحاولن تدريسها. وقالت احداهن: «يمكننا ان نحدثهم عن الحياة في البلدان الاخرى». وقالت معلمة اخرى: الانترنت. لكنهن جميعاً قلن انهن سينتظرن صدور تعليمات حول المقرر الجديد. وتساءلت ناعمة قائلة: «من الذي سيخبرنا بذلك؟». ولم يرد احد على تساؤلاتها.

وقامت المعلمة بشيمة هاشم بجولة حول حجرة دراستها القديمة. كانت الادراج مكومة على نحو فوضوي. لم تسمع بأن فرعاً لحزب البعث استخدم المدرسة لتخزين مؤن خلال عمليات القصف الاميركي. كذلك كانت النوافذ محطمة، ولا يزال هناك ملصق صغير على الحائط لصدام وهو محاط بالاطفال وتحته كتبت عبارة «اطفال العراق يقولون: نعم، نعم، لصدام». لكن صورة كبيرة لصدام كانت في واجهة حجرة الدرس اختفت. نظرت هاشم ملياً الى النقطة الشاحبة على الحائط حيث المكان الذي كانت الصورة ملصقة عليه وقالت: «لا اود ان اراها هنا مرة اخرى. اخيراً هناك بعض الامل بالنسبة لنا».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»