في معاقل «أنصار الإسلام» بكردستان: جوازات سفر وبطاقات ضمان صحي من مختلف البلدان العربية والأوروبية

تونسي كتب في وصيته «يجب أن يكون قبري مستويا بالأرض وأترك سلاحي وقنابلي لأقرب المقاتلين مني»

TT

عند قمة هذا الجبل ووراء البساتين، يتعرج جدول بالقرب من بيوت مهجورة منتشرة هنا وهناك وحجرات مخصصة للصلاة وبذور أزهار دوار الشمس ورسوم دينية وقناع للتزلج وصناديق ذخيرة فارغة وجهاز للتحكم عن بعد بقنبلة نصف متفجرة.

وقبل أن يكتسح جنود القوات الخاصة الاميركية والمقاتلون الأكراد هذا الموقع الشهر الماضي كانت هناك شكوك بأنه خاص بجماعة اصولية زعمت إدارة الرئيس جورج بوش بأن لها علاقة بتنظيم «القاعدة» ونظام صدام حسين، لذلك كانت مبررا إضافيا لغزو العراق. وكان وزير الخارجية الأميركي كولن باول قد أكد في فبراير (شباط) الماضي أن منظمة «أنصار الإسلام» تدير «مصنع سموم»، وأنها تنوي تصدير الإرهاب من الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة عبر أوروبا.

وحسب وثائق ومقابلات أجريت مع مسؤولين أميركيين وأكراد يعملون في ميدان الاستخبارات، فإن بعض تمويل وتسليح هذه المنظمة يأتي من الخارج، وانها كانت تختبر المواد الكيماوية مثل بعض العوامل السامة ومحلول السيانيد وأن لديها طموحات للقيام بأعمال إرهابية على المستوى العالمي لكن الوثائق والتصريحات التي قُدِّمت من قبل مقاتلي «أنصار الإسلام» المعتقلين حاليا والزيارات التي جرت لمواقعهم العسكرية قبل وبعد الحرب لم تقدم أي دليل قوي على وجود أية صلة لهذه المنظمة بنظام بغداد السابق. كما اتضح أن هذه المنظمة تفتقد البراعة التي زُعم أنها تمتلكها وتبين أن هذه المنظمة الغرة لا تمتلك أي قدرات كي تشكل تهديدا جديا وراء حدود الجبل الذي تحتله. ولكن مع ذلك فهناك ما يشير إلى علاقتها بتنظيم «القاعدة».

وكان الهدف الأساسي لهذه المنظمة التي يبلغ عدد أعضائها بين 700 و800 شخص هو محاربة السلطة الكردية العلمانية التي تساندها الولايات المتحدة في شمال العراق. وفي الشهر الماضي تم اكتساح معسكرات هذه المنظمة من قبل 6000 مقاتل كردي تسندهم طائرات وقوات خاصة أميركية، مما أدى إلى مقتل ما يقرب من 250 من عناصر المنظمة»، بينما هرب ما بين 40 إلى 100 من عناصرها العرب إلى إيران وبلدان أخرى. وتحت الضغط الأميركي أنكرت إيران أنها توفر ملجأ آمنا لـ300 من مقاتلي «أنصار الإسلام» وبعضهم استسلم إلى السلطات الكردية ويُعتقد أن هناك 200 شخص آخر من هذه المنظمة ما زالوا مختبئين في الكهوف والقرى القريبة من إيران.

وكشفت الوثائق التي تم العثور عليها في القواعد الجبلية لمنظمة «أنصار الإسلام» ومن جثث قتلاها عن التفكير الذي يحكمها. فعلى سبيل المثال كشف قرص كومبيوتر عن 22 ملفا بالعربية وكلها ذات صلة بالتكتيكات العسكرية والنظام والمعلومات الاستخبارية. وعثر على دليل يقع في 317 صفحة شبيه بما عثر عليه في معسكرات «القاعدة» في أفغانستان وفيه عشرات من الصفحات مأخوذة من نصوص تعود لتدريبات الجيش الأميركي، إضافة إلى تفاصيل أخرى عن كيفية صنع ألغام وتخريب مطارات وجسور وأنفاق كذلك وجدت مئات من الصفحات التي تحتوي على معلومات حول غاز الخردل السام وسم العناكب السوداء ومخاطر خلط الرسائل بسموم بيولوجية. وأظهر ملف كيفية اختراع «جرعات فتاكة» من الهيروين والتي يمكن تقديمها كهدايا في «يوم الحب» للضحايا الذين يغفلون الخطر الإرهابي. وتحتوي ملفات أخرى على سيرة أسامة بن لادن وقصص عن معارك إسلامية حدثت عبر التاريخ وكيف يمكن ترجمة العبارة «ارهبوا عدو الله» من وجهة نظر أعضاء «القاعدة». وهذه الوثائق مكتوبة بالعربية والكردية وهي تستشهد ببعض الآيات القرآنية والمعلومات العامة مثل سرعة طلقة الكلاشنيكوف وتعليمات عن كيفية استعمال مدفع الهاون الروسي من عيار 120 ملم وبعض المعلومات عن كيفية «إغراء» العدو لكي يزود الإرهابيين بالمعلومات.

ويبدو أن منظمة «أنصار الإسلام» كانت تسعى لتكوين أجنحتها الخاصة بجمع الاستخبارات من خلال اتصالات سرية وشفرات خاصة. والكثير من الوثائق تؤكد كيف يساعد «جمع المعلومات الاستخباراتية العدو على تحقيق الانتصار العسكري». كذلك تشدد الوثائق على ضرورة «البقاء في حالة يقظة دائمة» مع وجود أقمار التجسس الصناعية أو لمنع «الكفار» من مهاجمة «الذاكرين لاسم الله».

وتعتبر هذه المنظمة مزيجا من عدة جماعات يسعى أفرادها للجهاد ضد الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني اللذين يحكمان المنطقة الكردية في شمال العراق. ويخضع الملا كريكار الذي يعدّ واحدا من مؤسسي «أنصار الإسلام» والذي له علاقات ببعض القياديين في «القاعدة»، إلى التحقيق الآن في النرويج. وكان كريكار قد قاد في صيف سنة 2001 نحو 300 من مسلحيه عبر شمال العراق باتجاه الحزام الإسلامي المتطرف الواقع بالقرب من الحدود الإيرانية. واتحد كريكار مع مجموعة أصولية متطرفة أخرى تدعى «جند الإسلام» تشكلت قبل 9 أيام من هجمات 11 سبتمبر (ايلول). وفي ديسمبر (كانون الاول) 2001 انتشرت فصائل «أنصار الإسلام» عبر القرى القريبة من تلك المنطقة.

أما بالنسبة للأسلحة فتمتلك هذه المنظمة ترسانة ضخمة فيها آلاف الصواريخ والقنابل ومدافع الهاون مصنوعة في الصين وروسيا وفرنسا وإيطاليا وإيران أو منقولة عبر أراضي هذه البلدان. وعلى أرضية غرف مقر المنظمة العسكري في منطقة بياره يجد المرء مئات من المواد الأولية التي منها تصنع الألغام والمتفجرات. وأعدت المنظمة سيارات ملغومة تعمل بوقود الديزل ومتفجرات شبيهة بمتفجرات «سي ـ 4». وعلى سترات مزودة بالمتفجرات للقيام بعمليات انتحارية هناك تعليمات مرفقة بها إضافة إلى أزرار لتفجير مادة الـ«تي إن تي».

وكانت حرب «أنصار الإسلام» ضد الاتحاد الوطني الكردستاني تقوم على هجمات بمدافع الهاون ونصب كمائن لأفراده. وجاء أكبر انتصار حققته هذه المنظمة في شتاء السنة الماضية حينما تسلل ثلاثة من مقاتليها ليلا إلى مخبأ جبلي خاص بالاتحاد الوطني الكردستاني وتمكنوا من قتل 43 من مسلحيه ثم تم عرض صور الجثث المشوهة على موقع «أنصار الإسلام» في شبكة الانترنت. لكن أسلوب عمل هذه المنظمة تغير منذ أواخر سنة 2001 حينما فر بعض مقاتلي «القاعدة» تحت وطأة القصف الأميركي لأفغانستان وسعوا إلى إيجاد مكان آمن لهم في شمال العراق، وهذا ما وسّع إطار القتال الذي كانت منظمة «أنصار الإسلام» تخوضه ضد الاتحاد الوطني الكردستاني ليتسع منذ ذلك تحت يافطة الجهاد على المستوى العالمي.

وتم العثور على جوازات سفر وبطاقات هوية في الأسابيع الأخيرة مع جثث قتلى «أنصار الإسلام» ومن مكاتب في قرية بياره وقرى أخرى تكشف عن وصول متطوعين جدد من الخليج وتونس واليمن والمغرب وكندا وسورية ومصر. وبعض من هؤلاء كانت لديهم أوراق إقامة في بلدان أوروبية عديدة. وأكد مسؤولو الاستخبارات الأكراد أن الأردني أبو مصعب الزرقاوي، الذي يُزعم أنه المسؤول عن وحدة الأسلحة الكيماوية التابعة لتنظيم «القاعدة»، قد سافر لفترة قصيرة إلى شمال العراق في السنة الماضية وأنه ساعد «أنصار الإسلام» على تجميع عوامل كيماوية وهذا يتضمن مادة الريسين السامة المشتقة من حبوب نبتة القندس التي تسبب صعوبة في التنفس. وقال مسؤول أميركي كبير إنه قد تكون هناك صلة بين «الأنصار» والجزائريين الذين تم اعتقالهم في شتاء السنة الماضية بلندن بعد العثور على مادة الريسين معهم. لكن المسؤولين الأوروبيين لا يتفقون مع هذه الفرضية ولم يتم حتى الآن الكشف عن وجود مادة الريسين لدى هذه المنظمة الكردية المتطرفة. كذلك فإن بعض المسؤولين الغربيين غير متأكدين من أن الزرقاوي زار معاقل «الأنصار» لكن بعض المكالمات الهاتفية التي اعترضتها أجهزة الاستخبارات الإيطالية والأميركية تشير إلى وجود بعض من عناصره في العراق.

وتبحث الولايات المتحدة عن صلة محتملة بين نظام صدام وتنظيم الأنصار، ولكنها لم تتمكن من إيجاد علاقة وطيدة. وتتركز التحقيقات الاساسية على المدعو «أبو وائل» الذي التحق بـ«الأنصار» عام 2001. وتقول معلومات الاستخبارات الأميركية انه كان ضابط الارتباط بين بغداد والحركة. وقال المسؤولون الأميركيون ان «ابو وائل» وغيره من أعضاء «الأنصار» كانوا يتجولون بحرية في بغداد ويلتقون ببعض «المسؤولين الكبار» هناك. وعند سؤاله عن العلاقة المباشرة بين «الأنصار» وبغداد، قال ضابط في قوات مشاة البحرية الاميركية «من الصعب استبانة صلة صافية كالبلور. فهؤلاء الشباب لا يأخذون صورا أثناء اجتماعاتهم، ولا تدل الوثائق ولا الزيارات العديدة الى مناطق «الأنصار» على أنهم كانوا يفكرون كثيرا في القضايا الجيوسياسية. ولم يكونوا يقضون أوقاتهم في تأليف الطروحات النظرية، بل كانوا يعيشون في معسكرات قاسية وكانوا يحفرون الخنادق لإخفاء صواريخ الكاتيوشا ومدافع الهاون. وكان أغلبهم من شباب الأكراد الذين كانوا على معرفة جيدة بالرعاة المحليين وأسرار الجبال وكانوا يطبخون طعامهم في دوريات. وتدل الأوراق التي وجدت بالمعسكر ان وجبتهم في أحد الأيام كانت أرزا وبيبسي كولا. وكانوا يواظبون على صلواتهم مثلما يواظبون على نظافة اسلحتهم والعناية بها ومثلما حدث في أفغانستان، اجتذبت المعسكرات مجندين عالميين. وقد وصل بعضهم إلى إيران وعبروا الحدود العراقية قبل ايام فقط من بداية الحرب يوم 20 مارس (آذار). وترك أولئك الذين قتلوا أو قبض عليهم، أو غير هؤلاء ممن تمكنوا من الهرب، وراءهم كتبا وبطاقات ضمان صحي وخطابات ترشيح وتزكية وجوازات سفر. فقد حصل ماجد الشريف، المواطن السعودي، على تأشيرة دخول إيرانية وغادر الدوحة العاصمة القطرية الى إيران قبل 18 يناير (كانون الثاني) 2003. وكان مواطن سعودي آخر هو لؤي اليمان، بدبي قد منح تأشيرة إيرانية لزيارة الأماكن المقدسة يوم 11 مارس 2003. ومن ضمن الذين وصلوا ضابط بحري سوداني، ومعه التونسي محمد هشام الهلالي، الذي ترك وصية تقول يجب أن يكون قبري مستويا مع الأرض وتوزع ممتلكاتي وفق الشريعة الإسلامية، وأترك سلاحي وقنابلي لأقرب المقاتلين مني.

أما جاسم علي حسين، فلديه عدة أسماء حركية، فهو يحمل بطاقات شخصية من إيران والعراق. وقد سجن الشهر الماضي بعد أن أصيب بطلق ناري في رجله أثناء معركة مع القوات الكردية. وفي التحقيق الذي أجراه معه إثنان من الصحافيين، أضاف اسما آخر ووطنا إضافيا. فقال ان اسمه أحمد محمد طويل، وقال انه فلسطيني من غزة. وهو يكره الأميركيين والصهاينة وقال إنه انضم لتنظيم «الأنصار» ليتدرب على قتل «الكفار». وقال «سأقاتل أميركا في كل مكان. ويمكنك أن تقول ذلك للأميركيين، أنا لا أمانع في ذلك. ومما يدل على تعاطفهم مع طالبان الرسالة التي كتبها الشيخ عبد المنعم مصطفى، والمكونة من اربع صفحات والتي يعبر فيها عن دعمه لطالبان. وقد جاء فيها: «الغرب يتهم طالبان بتحطيم الأصنام الأفغانية، ولكنهم لا يتحدثون عن قتل النساء والأطفال والشيوخ من المسلمين في العراق والشيشان وكشمير والبوسنة. طالبان تمثل خطرا داهما على أولئك الذين يؤيدون القوة الكافرة، وهي أميركا».

هذه الوثائق التي تمزق بعضها واتسخ، كانت مبعثرة في كل الأماكن التي كان يقيم فيها «الأنصار» بعد أن هاجمتهم القوات الأميركية والكردية في 27 مارس. وقد تبعثرت كذلك صور «الأنصار» التي ذرتها الرياح ووزعتها على كل الجهات. وتكشف هذه الصور عن محاربين ذوي لحى يحملون الرشاشات ويخفي الضباب الكثير من ملامحهم. كما توجد كذلك صور شباب دون العشرين ينتعلون الصنادل ويحملون الكلاشنيكوف على أكتافهم ويضعون على رؤوسهم الكوفيات وينظرون في شجاعة الى آلات التصوير. ويظهر في احدى هذه الصور شاب أصيب بجرح في سبابته. وتقول الكتابة على ظهر الصورة ان الشاب انضم إلى تنظيم «الأنصار» ليقتل أباه الذي ينتمي الى الاتحاد الوطني الكردستاني. ولكن الشاب لم يقتل أباه، بل اعتقل أثناء هجوم انتحاري فاشل.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»