مدير مكتب شارون: «خريطة الطريق» ستشهد تعديلات وفق الملاحظات الإسرائيلية والفلسطينية

TT

فاجأ رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، وزراءه خلال جلسة الحكومة العادية، امس، بالاعلان انه ملتزم بالوعد الذي قطعه على نفسه امام الناخبين بأن يحقق السلام مع الفلسطينيين. وقال ان قراءته للخارطة السياسية في المنطقة والعالم تؤكد ان هذا السلام سيتحقق خلال الدورة الحالية للحكومة (أي حتى سنة 2007). فهرع وزراء اليمين المتطرف، وبينهم وزيران من الليكود، بابداء التحفظات والانتقادات. وحاول مدير مكتب شارون، دوف فايسغلاس، طمأنتهم بأن الامر لا يشكل خطورة على اسرائيل. وقال ان الادارة الأميركية ابلغته موافقتها على تعديل خطة «خريطة الطريق»، بعد سماع الملاحظات الاسرائىلية والفلسطينية عليها. وان النص النهائي للخريطة سينشر في وقت لاحق من مايو (ايار) المقبل.

وأوضح شارون في مستهل الجلسة امس انه انتخب لرئاسة الحكومة وفق برنامج سياسي واضح تعهد فيه بالتوصل الى السلام مع الفلسطينيين. وانه اليوم، بعد الحرب مع العراق، واثق اكثر من أي وقت مضى من ان الظروف نضجت لانجاح مسيرة السلام. وقال «أنا قادر على ذلك. وسأحققه».

ورد عليه رئيس حزب «شنوي» وزير القضاء، يوسف لبيد، فقال انه وجميع وزراء «شنوي» ونوابه في الكنيست سيقفون الى جانب شارون ويصوتون مؤيدين أي اتفاق يتوصل اليه مع الفلسطينيين. لكن أحدهم، وزير الداخلية، يوسف باريتسكي، قال انه يريد ان يرى «شارون يقدم على خطوات عملية في هذا السبيل. وانه ينتظر ان يأمر شارون باخلاء المستوطنات غير القانونية» ويقصد بذلك 100 نقطة استيطان اقيمت في الضفة الغربية خلال السنوات الثلاث من دون قرار حكومي، فورا وبلا تأخير. «فمثل هذه الخطوة ستعطي دفعة حقيقية لمسيرة السلام». ورد وزير الدفاع شاؤول موفاز، المكلف بهذا الموضوع، فقال انه اقام لجنة خاصة ستنهي عملها في غضون اسبوعين، مهمتها دراسة الوضع القانوني لهذه النقاط الاستيطانية. وان كل واحدة منها ستخلى في وقت قريب، اذا ثبت انها غير شرعية. وان اثنتين منها اقيمتا اخيرا في منطقة الخليل سيتم اخلاؤها في الايام المقبلة.

ومع ان هذه الصياغة تثير الشكوك بأن وزارة الدفاع تنوي اضفاء الشرعية على عدد من هذه المستوطنات، الا ان وزراء اليمين المتطرف اعتبروا تصريحات شارون وموفاز بداية رضوخ امام الفلسطينيين والضغوط الدولية.

وقال رئيس حزب «المفدال»، ايفي ايتام، ان اخلاء النقاط الاستيطانية يعتبر جائزة للارهاب الفلسطيني. وقال وزراء حزبي «موليدت» و«اسرائيل بيتنا» انهم سيعودون الى اطرهم الحزبية لاتخاذ موقف بهذا الشأن وسيدرسون امكانية استمرارهم في العمل مع شارون في هذه الحكومة. وحتى وزيرة المعارف والثقافة، ليمور لفنات، ووزير الشؤون الاستراتيجية، عوزي لانداو، وهما من الليكود، تحفظا على هذه التصريحات. وقالت لفنات ان شارون يفاجئها بهذه الثقة الزائدة بالنفس. وطالبته بأن يعلن ان السلام الذي يقصده سيتم فقط بعد القضاء على الارهاب الفلسطيني. وقالت ان برنامج الليكود السياسي يرفض بشكل قاطع اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وقال لانداو: أنا لا افهم الى أي شيء يستند شارون في اقواله. فاذا كان متفائلا من «خريطة الطريق» فهذه ستنشر هذا الاسبوع من دون اخذ الاعتراضات الاسرائيلية بالاعتبار.

واضاف لانداو ان الأميركيين والأوروبيين يصدرون قراراتهم بعيدا عن رؤية المصالح الاسرائيلية الأمنية، ولذلك لا ينبغي الاعتماد عليهم. وان شارون لا يراجع التقارير التي تصله عن حقيقة الوضع داخل السلطة الفلسطينية. وسأله: «هل قرأت التقرير الذي قدمه رئيس المخابرات العامة، آفي ديختر، حول الدستور الفلسطيني الجديد يا سيدي. انه اسوأ من الميثاق الوطني الفلسطيني. ففيه اصرار واضح على حق عودة اللاجئين. وفي الوقت نفسه لا يتضمن أي ذكر لحقوق الانسان، ولا للسلام مع اسرائيل. فمع من ستقيم السلام يا سيدي».

ولم يرد شارون على هذه الملاحظات. وترك هذه المهمة لوزيره موفاز ولمدير مكتبه فايسغلاس، اللذين يحظيان بثقة اليمين المتطرف. فقال موفاز ان اسرائيل لم تتنازل عن وقف الارهاب وتحطيم بنيته. بل بالعكس. فهي تقول بوضوح انها لا تكتفي باعلان فلسطيني عن وقف اطلاق النار. ولا تريد الهدنة. بل تريد قرارا مبدئيا من الحكومة الفلسطينية بالقضاء على التنظيمات المسلحة تماما وجمع الاسلحة غير الشرعية ومكافحة الارهاب بشكل جذري.

واضاف موفاز: «نحن نعرف تماما ما يدور في السلطة الفلسطينية، واليوم، بعد حرب العراق، لن نقبل ان نتوصل الى أية تسوية يتاح فىها للتنظيمات المسلحة الفلسطينية ان تعيد بناء قوتها. وندرك تماما ان هناك قيادة مزدوجة للسلطة الفلسطينية، عرفات الذي يحاول ان يظل في الصورة بكل قوة وهذا ما نرفضه بشكل قاطع، وأبو مازن، الذي يحاول المناورة بين عرفات وبين الأميركيين. ونحن من جهتنا نصر على ان تكون هناك قيادة واحدة وسياسة واحدة واضحة المعالم، وتتجه بلا تردد نحو السلام».

واما فايسغلاس، فراح يطمئن الوزراء من جهة اخرى، تتعلق بالموقف الأميركي و«خريطة الطريق». فقال ان الادارة الأميركية ستسلم اسرائيل وفلسطين نص «خريطة الطريق» بشكل رسمي هذا الاسبوع، من دون أي تغيير على النص الذي انتهى اعداده في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ولكن الأميركيين ابلغوه، خلال زيارته الاخيرة في واشنطن قبل حوالي اسبوعين، انهم قرروا سماع الملاحظات الاسرائيلية والفلسطينية على هذا النص. وبعدها، سيقوم طاقم مختص في البيت الأبيض باعداد صيغة جديدة لها.

وأكد فايسغلاس ان الادارة الأميركية تؤيد اسرائيل في مطلبها عزل عرفات وابعاده عن مركز القرار، على عكس الأوروبيين الذين يرون ان عرفات هو الوحيد القادر على التوقيع على اتفاقية سلام باسم الشعب الفلسطيني. وانها وافقت على مبدأ التبادلية في تطبيق بنود الخريطة. فلا ينفذ بند من دون ضمان تنفيذ البند السابق. وقال ان اسرائيل تصر على ان تتولى المخابرات الأميركية وحدها مهمة مراقبة تطبيق الخريطة، من دون تدخل الأوروبيين او الروس او الأمم المتحدة.

وقال فايسغلاس ان اسرائيل تطلب من الفلسطينيين وكشرط مسبق، ان يعلنوا في بداية المفاوضات اعترافهم بحق اسرائىل في العيش بأمان. وتطلب ان يعلنوا في بداية المرحلة الثانية من المفاوضات، ايضا كشرط مسبق، اعترافهم باسرائيل كدولة اليهود وتنازلهم عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، مقابل الموافقة الاسرائيلية على اقامة دولة فلسطينية.

في اعقاب هذه التوضيحات هدأ قليلا توتر وزراء اليمين، لكنه لم يختف تماما. وبانتهاء الجلسة ابقى شارون في غرفته كلا من وزيري الدفاع والخارجية ورؤساء الاجهزة الأمنية، حيث تداول معهم في امرين اساسيين، الأول اعداد قائمة مطالب من اجل تقديمها لرئيس الحكومة الفلسطينية، أبو مازن، لدى لقائه المتوقع مع شارون في غضون اسبوع، والثاني اعداد قائمة بالاجراءات التي تستطيع اسرائيل القيام بها للتخفيف عن الفلسطينيين ولمساعدة أبو مازن على تثبيت حكمه.