وزير الداخلية السوداني: قانون الأمن الوطني أفضل من مثيله الأميركي و«الأمثل» بين الجيران

اللواء عبد الرحيم: مفاوضو حركة قرنق يطالبون بـ«شرائط وردي» و«كسرة» من الخرطوم

TT

زار اللواء عبد الرحيم محمد حسين وزير الداخلية السوداني العاصمة النمساوية فيينا أخيرا للمشاركة في مؤتمر الامم المتحدة لمكافحة المخدرات. وعلى بعد خطوات من نهر الدانوب التقته «الشرق الاوسط»، فتحدث عن عملية السلام في الجنوب، والتمرد في دارفور. وقال عن قانون الامن الوطني السوداني، انه الامثل عربيا وبين دول الجوار، كما انه الافضل من مثيله الاميركي، مشيرا الى ان الولايات المتحدة «التي تتبجح بالديمقراطية»، تقيم محابس لها في غوانتانامو بكوبا حتى تتهرب من تطبيق القانون كما تقوم بحبس الافراد لمدد غير محددة. وحول المفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان التي يقودها الدكتور جون قرنق، قال انها في تقدم مستمر، مشيرا الى حالة من «الود» نشأت بين المفاوضين من الجانبين، وقال ان مفاوضي قرنق لديهم مطالب اخرى مثل شرائط لمطربين مثل محمد وردي وحمد الريح و«كسرة» سودانية (خبز) لاحضارها لهم من الخرطوم.

* بعد الحرب على العراق تطالب الولايات المتحدة حاليا بتغييرات ديمقراطية مما يهدد حكومات في المنطقة، فما تعليقكم؟

ـ لا اعتقد ان ايا من الشعوب ترضى ان تنال ديمقراطيتها على متن دبابة اميركية او حتى بدعم اميركي خاصة الشعب السوداني الذي عرف بانتفاضاته وثوراته. واذا تحدثنا عن العراق فما يحدث اليوم وما يجري من رفض للغزو الاميركي ولوجود القوات الاميركية بالاراضي العراقية يؤكد هذا الحديث وهذه الحقيقة.

* ما هي حقيقة الاوضاع حاليا في دارفور بعد ان رفعت جماعات السلاح ولجأت للجبل، ورغم ذلك قال احد الوزراء الحكوميين «ان الوضع بدارفور ليس بالقبح الذي يتصوره البعض»، فما هو «القبح» في نظر الحكومة؟

ـ معي هذه الاحصاءات التي تؤكد ان دارفور وخلال الـ12 عاما الاخيرة قد نالت حظا من التنمية مقارنة بكل انحاء السودان. ففي مجال التعليم على سبيل المثال كان بدارفور عام 1989 11 مدرسة ثانوية والان بشمال دارفور 86 مدرسة وكان مجمل الطلاب الذين يكملون مرحلة الاساس 27 الفاً والان 444 الفا، لم تكن بدارفور جامعة واحدة والان بها ثلاث جامعات وقامت الانقاذ بانشاء خمسة مطارات ثلاثة منها بدارفور احدها بالجنينة والثاني بنيالا مع تعمير وتوسعة مطار الفاشر، اما في مجال المياه وتوفيرها فقد ازداد عدد الحفائر والسدود والابار بنسبة 80 الى 120 في المائة وقد تم تخصيص 40 في المائة من ميزانية وزارة الطرق لدارفور، كل هذا الاعمار تم اعتمادا على الذات وتقريبا دون قروض اجنبية والتي اصبحت لا تتعدى نسبة ثلاثة في المائة من الميزانية.

* اذا كان الوضع هكذا فما المشكلة اذن ودارفور في نظر الكثيرين قمة المظالم واحدى المناطق المهمشة؟

ـ مشكلة دارفورد اساسا مشكلة قبلية بين رعاة ومزارعين تتصاعد مع الجفاف وقلة الامطار وكلما صعب البحث عن الكلأ زاد الاحتكاك مع ملاحظة ان الرعاة هم القبائل العربية والمزارعين هم الفور والمساليت وقبائل اخرى. وكلما تصاعدت المشاكل بين هؤلاء الرعاة واولئك المزارعين تدخلت المعارضة لاكساب الصراع نكهة سياسية للاستفادة منه لاغراضها الخاصة مع الاخذ في الاعتبار ان المشكلة وان كانت قديمة الا ان الاوضاع تغيرت الان لانتشار السلاح وتداعيات حرب الجنوب والتهاب المنطقة المتداخلة مع دولة افريقيا الوسطى وتشاد. كل ذلك ادى للتفاقم خاصة التغيير الذي طرأ على نوع الاسلحة فبعد ان كانوا يستخدمون الفؤوس والطوارئ والعصي وبندقية ابو عشرة اصبح السلاح حديثا الان.

* وماذا عن اعلان الرئيس البشير اخيرا اطلاق يد الجيش ضد متمردي دارفور وما يدور من حديث ان الحكومة تكيل بمكيالين بالتحاور مع متمردي الجنوب وسحق متمردي دارفور؟

ـ الجيش في دارفور لن يتعامل الا مع من يحمل سلاحا ولا خوف على المواطنين الذين هم اصلا لا يقبلون بذلك التمرد ويبعدون عنه تماما.

ثانيا ان القضيتين تختلفان تماما، فقضية الجنوب بدأت منذ 1955 وهي قضية تم تدويلها بهدف السيطرة على مصادر مياه النيل الجارية من النيل الابيض وخير دليل على ذلك ان اسرائيل قامت بتدريب اول قوة من ضباط التمرد. اما قضية دارفورد فهي وكما ذكرت ـ مجرد صراع قبلي وان كان بعض المتعلمين من ابناء تلك القبائل يسعون لاستغلال ذلك الصراع للحصول على مواقع سياسية!

* كيف تسير محادثات السلام بين حركة قرنق والحكومة خاصة ان الجلسة الاخيرة قد انتهت دون اعلان اتفاق؟

ـ ويخرج الوزير من جيب اخر نشرة مطبوعة تقول ان الجولة الاخيرة التي اختصت بالترتيبات الامنية والتي تم نقاشها للمرة الاولى قد اختتمت باتفاق هام حول الاجندة التي ستناقش اول مايو (ايار) المقبل ثم يضيف مع ملاحظة انه وخلال اللقاء الذي جرى بين البشير وقرنق اخيرا اتفق ان يتم توقيع اتفاق سلام في يونيو (حزيران).

* هل استعدت الخرطوم فعليا لاستقبال قرنق وجيشه؟

ـ انت تعلمين تماما ان السودانيين شعب خاص لديهم القدرة على امتصاص صراعاتهم وفتح صفحة جديدة وتجاوز المرارات وحتى عندما نذهب للمحادثات مع الحركة ونلتقي بقادتها فاننا نختلط بهم ويسألون عن البلد ويطلبون اشرطة لاغاني محمد وردي ومحمد الريح كما يطلبون ان نحضر لهم كسرة واموراً كهذه والاهم من كل ذلك ان لدينا خبرة وتجارب سابقة في استيعاب المتمردين داخل القوات المسلحة.

* عادت احزاب سياسية لداخل البلاد وتم تهميشها ومن شارك اصبح مجرد عدد او حزب زينة فما تعليقكم؟

ـ هذا كلام خطأ وبالتأكيد لا يتم التهميش فقد عاد الشريف زين العابدين الهندي (انشق من الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة محمد عثمان الميرغني) والان للهندي ثلاث وزارات اتحادية كذلك عاد مبارك المهدي (انشق عن حزب الامة بقيادة الصادق المهدي) وهو الان مستشار لرئيس الجمهورية وله اربعة وزراء، فأين التهميش؟

* الا تتفق معي ان مشاركة هؤلاء ايا كانت فانها لن تكون في قوة مشاركة «الاصل» من احزابهم وان هناك اتهامات للانقاذ بتشجيعها لاحداث انشقاقات داخل الاحزاب الكبيرة لاضعافها؟

ـ لا يمكن ابدا ان تتهمي حكومة الانقاذ بأنها السبب في انشقاقات الاحزاب فتشققهم يعود لسنين سابقة وحتى اصلا احزاب «كيمان» والانقاذ لا يد لها في ذلك ثم ان تحدثنا عما تسمينه مشاركة «الجزء» وكمجرد مثال من الذي اختار مبارك ليتحاور معنا اليس هو الصادق المهدي؟ وعندما جلسنا وتحاورنا واتفقنا رفض الصادق الاتفاق وقرر مبارك ان لا ضرورة لذلك متمسكا بما اتفقنا عليه! وهذه هي مشكلتهم. وما يحمد للانقاذ انها ومن اجل توسيع المشاركة قوبلت باشخاص لا وزن برلماني لهم.

ثم لماذا تتمسكين بضرورة ان ينخرط الجميع في الحكومة؟ أليس في كل العالم هناك حكومة وهناك معارضة؟ الا يحكم بريطانيا العمال ويعارضهم المحافظون؟

* نعم هذا صحيح لكنها معارضة برلمانية لها وزنها وتحسب الحكومة حسابها ديمقراطيا وليس احزابا تحكم بوضع اليد وقوة السلاح؟

ـ لقد اجرينا انتخابات حرة في مختلف المواقع والمناصب ولرئاسة الجمهورية وتمت دعوة كل الاحزاب للمشاركة وتمت دعوة جهات اوروبية واخرى افريقية للمراقبة، فلماذا لم يشاركوا؟

يجب ان نكون واضحين. الحقيقة هي ان هذه الاحزاب تشعر ان قواعدها لم تعد معها وتزحزحت عنها ولهذا فليس امامهم غير ان يعيشوا على التاريخ يجترون الماضي ويتذكرون انهم كانوا احزاب الاغلبية.

* برأت اللجنة الخاصة بحقوق الانسان السودان وتم رفع اسمه من قائمتها لكن المحك الفعلي للمواطن هو تجميد قانون قوات الامن ووقف مصادرة الصحف وما شابه.. فهل من بشارة نعلنها للمواطن السوداني؟

ـ هل لك ان تذكري لي دولة واحدة ليس لها قانون امن؟ بالله عليك اقرأي قانوننا للامن وقارنيه بقوانين الامن في بلاد اخرى.. قارنيه بالقوانين الامنية في مصر وليبيا وتونس والمغرب وغيرها.. نحن نعيش في عالم من حولنا وهذا هو محيطنا.. فلماذا تهاجموننا ونحن نعيش ظروفا تتطلب اجراءات امنية خاصة؟

ورجائي للمعارضة التي تعيش في مصر واريتريا وليبيا ان تجري مقارنة هي الاخرى بين قوانيننا وقوانين تلك البلاد التي تعيش فيها. وحتى اميركا التي تتبجح بالديمقراطية فإن قانون الامن عندنا خير منهم فنحن نحبس لمدة ثلاثة اشهر قد تتجدد لكنهم الان يحبسون لمدد غير معلومة ودون ابداء اية اسباب بل اقاموا لهم محابس بغوانتنامو حتى لا يطال المحبوسين قانون؟

* ولكن هذه امثلة سيئة ولا اعتقد اننا يجب ان نقيس عليها؟

ـ كيف لا. وهذه هي اميركا التي تدعو للحرية والديمقراطية وتعمل الان وكما تقول على «تحرير» العراق. وتلك الدول التي ذكرتها ضمن الدول التي تحيط بنا ونعيش في جوارها!! واسألك مرة اخرى ما هو الذي سيئ عندنا واسوأ مما عند غيرنا!

* كيف تبررون استمرار احتجازكم للدكتور الترابي وهل صحيح ما يقوله الشارع السوداني ان الرئيس البشير «حلف طلاقا» الا يتم اطلاق سراح «الشيخ» الترابي؟

ـ هذا الكلام فارغ وليس هناك رئيس دولة يحلف بالطلاق والترابي محتجز وفقا لاقامة جبرية في «منزل مفروش» ومن احسن المنازل وتقيم معه اسرته التي تتمتع بكامل حريتها. فقط هناك دواع امنية تجعلنا نؤمن ان من مصلحة البلاد تقييد اقامته.