وزارة التربية والتعليم الجديدة تواجه تحدي رفع كفاءة التعليم وتعميم مرحلة رياض الأطفال

الصائغ: الوزارة المقبلة تحتاج إلى ميزانية ضخمة وتعليم إلزامي وتطوير المناهج واستراتيجية جديدة

TT

جاء التغييرات في قطاع التعليم التي رافقت التشكيل الوزاري السعودي الذي أعلن أول من أمس، ليعكس اهتمام الدولة المتزايد بالتعليم، بقطاعيه العام والعالي، بالنظر لما يشكله من أهمية استراتيجية في الاتجاه الرأمي إلى بناء مجتمع قادر على مواكبة المتغيرات الاقتصادية والعلمية المتسارعة في عالم اليوم.

وشملت التغييرات التي طالت قطاع التعليم تغيير مسمى وزارة المعارف السعودية إلى وزارة التربية والتعليم، وتعيين نائبين لوزيرها، أحدهما لتعليم البنين والثاني لتعليم البنات ونقل مهمة تقديم التعليم من رئاسة الحرس الوطني ووزارة الدفاع والطيران والهيئة الملكية للجبيل وينبع إلى وزارة التربية والتعليم ويكون للوزارة ميزانيتان إحداهما لتعليم البنين والأخرى لتعليم البنات، وشمل التغيير إعطاء الجامعات مجالا واسعا في الاستقلال بإدارة شؤونها ومنح مزيد من الصلاحيات لمجالس الجامعات ومديري الجامعات ومجالس الكليات.

وإذا كانت الزيادة السكانية في البلاد تعني تنامي الطلب على الخدمات الأساسية وفي مقدمتها الخدمات التعليمية وبالتالي زيادة رأس المال البشري، فإن رفع كفاءة النظام التعليمي الداخلي والخارجي، على حد سواء، وفق متطلبات التنمية الشاملة واحتياجات سوق العمل، أمران ضروريان لتحقيق هذا المطلب من خلال توفير المناخ الملائم لنمو القطاعات الاقتصادية وإيجاد السياسات اللازمة للمواءمة بين جانبي العرض والطلب للقوى العاملة، مع إعطاء أولوية خاصة لقضية السعودة في إطارها المتوازن الشامل الذي يحقق الفرص الوظيفية للعمالة الوطنية.

ومن المتوقع أن يصل إجمالي السكان السعوديين عام 2020 حوالي 30 مليون نسمة نصفهم من الإناث، في حين سيبلغ إجمالي من هم في سن التعليم حوالي 19.5 مليون منهم 9.6 مليون من الإناث، كما يقدر إجمالي الداخلين إلى سوق العمل في العام نفسه حوالي 8.3 مليون عامل.

ونظريا يمكن القول إن سوق العمل السعودي قادر على استيعاب خريجي وخريجات التعليم والراغبين في العمل إضافة إلى شرائح الخريجين والخريجات من التعليم الثانوي وما دونه التي تفضل الانخراط في سوق العمل بدلا من مواصلة الدراسة، إضافة إلى خريجي برامج التعليم الفني والمهني الحكومي والأهلي شريطة تبني سياسات واضحة ومحددة لتفعيل السعودة ذات العلاقة بتمويل وتأهيل وتوظيف الموارد البشرية الوطنية.

وقدم الدكتور عبد الرحمن بن أحمد الصائغ أساتذ الإدارة والتخطيط والاقتصادي التربوي بجامعة الملك سعود رصدا لأهم القضايا التي تواجه قطاعي التعليم العام والعالي بالسعودية، في المنظور القريب والبعيد، واقترح عددا من الاستراتيجيات والسياسات الهادفة إلى مجابهة تلك القضايا والتصدي لها، ومن خلال دراسة حصلت عليها «الشرق الأوسط» أمس وقدمت للقاء السنوي الحادي عشر للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية الذي اختتم أعماله يوم أمس الأول في رحاب جامعة الملك سعود.

* مجابهة الطلب على التعليم

* في البداية يتناول الدكتور الصائغ مدى قدرة النظام التعليمي على مجابهة الطلب المجتمعي المتزايد على التعليم موضحا أن المجتمع السعودي يتميز بظاهرة «فترة السكان» إذ سيصل إجمالي السكان السعوديين عام 2020 (حوالي 29.7 مليون نسمة) كما أنه من المتوقع أن تبلغ نسبة من هم في سن التعليم (1 ـ 24) حوالي 65.7% أو ما يعادل 19.5 مليون نسمة. ومن المتوقع أيضا أن يلتحق في جميع مراحل التعليم العام والعالي حوالي 8.2 مليون طالب وطالبة للعام نفسه يمثلون الشريحة العمرية ما بين سن 6 و24. وبمقارنة هذين الرقمين ممثلا في من سيكونون في سن التعليم من جهة ومن يتوقع أن يلتحقوا بالتعليم من جهة أخرى ـ مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل أخرى مثل استبعاد من يقعون في شريحة الفئات العمرية دون السادسة أو انخراط شريحة منهم إلى سوق العمل ـ تبرز أهمية اتخاذ الإجراءات والتدابير الكفيلة برفع الطاقة الاستيعابية لمؤسسات التعليم بما يؤدي إلى رفع نسبة الالتحاق بها لا سيما في المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية لتصل إلى 100 في المائة، إضافة إلى توسيع فرص الالتحاق بالتعليم العالي لتصل إلى أكثر من 50 في المائة وذلك أسوة بمعدلات الالتحاق بالدول المتقدمة.

وتؤكد دراسة التقويم الشامل للتعليم في المملكة ـ على افتراض دقة البيانات السكانية ـ أنه في الوقت الحالي يبلغ معدل الالتحاق بالتعليم ما قبل الابتدائي حوالي 8.6%، ومعدل الالتحاق بالصف الأول الابتدائي 72.3%، ومعدلات الالتحاق في كل من التعليم الابتدائي والثانوي والعالي هي 76%، و61%، و16%، على التوالي وذلك مقارنة بمن هم في سن التعليم من السكان السعوديين في الفئات العمرية الموازية لأعمار الطلاب الملتحقين فعلا بالتعليم وفقا للمراحل التعليمية.

* مطلوب استراتيجية لبناء المجتمع المتعلم

* ويشير الدكتور الصائغي إلى أنه وفي ضوء ما تقدم ذكره من جوانب هذه القضية تبرز أهمية تبني استراتيجية «بناء المجتمع المتعلم» وذلك من خلال تفعيل السياسات التعليمية التالية:

* العمل على تعميم مرحلة رياض الأطفال في ضوء خطة محددة غايتها النهائية استيعاب حوالي 4 ملايين طفل وطفلة من خلال مساهمة القطاع الخاص، والمؤسسات الحكومية، والجمعيات الخيرية في إنشاء دور الحضانة ورياض الأطفال.

تبني سياسة «التعليم الإلزامي» من خلال وضع برنامج يشتمل على الخطوات والمراحل المؤدية إلى التطبيق الكامل لهذه السياسة بدءا بحملات التوعية لأولياء الأمور واللقاءات التعريفية لشاغلي وشاغلات الوظائف التعليمية مرورا بتقدير الاحتياجات والمتطلبات المادية والبشرية لتفعيل هذه السياسات وإزالة العوائق والصعوبات التي تعترض تنفيذها.

* رفع الطاقة الاستيعابية لمؤسسات التعليم العام والعالي بمختلف مراحله وأنواعه بما في ذلك مدارس محو الأمية والتعليم الخاص، والاستمرار في إتاحة الفرص التعليمية لأبناء الوطن في مختلف مدن وقرى وهجر المملكة بمعدلات تصل إلى 100 في المائة للتعليم العام وأكثر من 50 في المائة للتعليم العالي على أن يتم ذلك في ضوء إعداد شبكة متكاملة من الخرائط التعليمية التي تشمل جميع المؤسسات التعليمية.

* النظام التعليمي واحتياجات سوق العمل

* وفي ما يتعلق بمدى قدرة النظام التعليمي للاستجابة لمتطلبات التنمية واحتياجات سوق العمل يوضح الدكتور عبد الرحمن الصائغ أنه على الرغم من عدم توفر إحصاءات دقيقة عن مستوى البطالة بين خريجي النظام التعليمي إلا أن هناك شعورا قويا بتفاقم قضية توظيف المخرجات التعليمية من المواطنين على المستوى الجامعي وما دونه. وتتشكل أولى ملامح هذه القضية باقتصار القطاع الحكومي على التوظيف بشكل رئيسي في المجالات التعليمية والصحية.

وتوضح التقديرات أن إجمالي الطلب والعرض على العمالة المدنية وصل إلى نحو 7.2 مليون عامل في عام 1999، ومن المتوقع أن يصل إلى نحو 10.7 مليون عامل عام 2020، ولا يقابله إلا إجمالي عرض من العمالة السعودية يقدر بحوالي 3.2 مليون عامل وطني أو ما نسبته 44.2 في المائة عام 1999، ومن المتوقع أن يتحسن هذا الوضع إذا ما اتخذت الإجراءات الكفيلة بتفعيل السعودية في القطاع الخاص ليصل إلى 8.3 مليون عامل وطني أو ما نسبته 6.77% من إجمالي العمالة المدنية لعام 2020.

ويؤكد الصائغ على أنه وفي ضوء هذه المعطيات يمكن القول نظريا إن سوق العمل السعودي قادر على استيعاب خريجي النظام التعليمي الراغبين في الانخراط في سوق العمل من حيث الكم لا من حيث النوع مع الأخذ في عين الاعتبار معدلات مواصلة الدراسة للطلاب ما دون التعليم الجامعي، إذ أن الموازنة بين العرض والطلب على القوى العاملة في الوقت الحالي تكشف عن وجود حوالي 4 ملايين فرصة عمل شاغلة بعمالة أجنبية، ومن المتوقع أن تظل حوالي 4.2 مليون وظيفة شاغلة بعمالة أجنبية عام 2020. ولو نظرنا إلى إجمالي الخريجين في مختلف مراحل التعليم ما عدا المرحلة الابتدائية خلال خطة التنمية السادسة (1994 ـ 1999) نجد أنه بلغ حوالي 1.9 مليون خريج وخريجة يمثل خريجو التعليم العالي ما نسبته 4.1%، أما عام 2020 فيقدر إجمالي خريجي التعليم بمختلف مراحله حوالي 1.1 مليون خريج وخريجة يمثل خريجو التعليم العالي ما نسبته 8.2%.

وبمقارنة هذين الرقمين من أعداد الخريجين بإجمالي العرض والطلب الحالي والمستقبلي على العمالة، تتأكد إمكانية استيعاب سوق العمل لخريجي التعليم العالي إضافة إلى الراغبين في العمل من خريجي شرائح التعليم الثانوي وما دونه من المواطنين. ويرى الدكتور الصائغ بأن حل قضية التحاق الخريجين من النظام التعليمي في سوق العمل ذات بعدين: الأول منها يتعلق بتفعيل السعودة واتخاذ السياسات والإجراءات التي تشجع القطاع الخاص وأرباب العمل من اختيار وتفضيل العمالة السعودية عن العمالة الأجنبية من جهة ومعالجة الظروف والمواصفات الاجتماعية المتعلقة بالتوظيف لا سيما ما يخص عمل المرأة من جهة أخرى وهذا البعد ليس من دائرة اهتمام الدراسة الحالية، أما البعد الثاني، فيتعلق بإعداد وتأهيل الخريجين بما يتلاءم مع احتياجات سوق العمل.

تفعيل السياسات التعليمية التالية والمتمثل في:

* إحداث إصلاح جذري في بنية التعليم يتسم بالشمولية والتكامل والمرونة مع التأكيد على تبني صيغة «التعليم الأساسي»، وتنويع برامج التعليم الثانوي لتشمل البرامج التطبيقية والفنية.

على مفهوم «الكفايات التعليمية» لصياغة المناهج والبرامج التعليمية بأسلوب علمي يستجيب لاحتياجات الفرد والمجتمع السعودي.

* تطوير المناهج والمقررات والكتب الدراسية والأنشطة المصاحبة لها بحيث تنتقل من أسلوب التلقين والحفظ إلى أسلوب الإبداع والابتكار، من خلال الأخذ بمفهوم «التعلم الذاتي»، والتوسع في مفهوم «التعلم الإلكتروني» من خلال الإفادة من إمكانات وسائط التعلم الحديثة كالأقراص المضغوطة وشبكات المعلومات.

* التطوير المهني لشاغلي الوظائف التعليمية والوظائف القيادية التربوية في جميع مراحل التعليم ومستوياته، وذلك من خلال تحديث برامج كليات التربية وإعداد المعلمين لتواكب الكفايات العلمية والمهنية والاجتماعية المطلوب توفيرها في «معلم المستقبل».

* تبني المفهوم الشامل لتقويم الأداء لمختلف مجالات وعناصر العملية التعليمية بحيث تسند مهمة «التقويم الكلي» إلى أجهزة التطوير التربوي على المستوى المركزي في كل من وزارة المعارف وشؤونية تعليم البنات ووزارة التعليم العالي.

* تبني الجهات المشرفة على التعليم برنامجاً شاملاً «للتنمية الإدارية التربوية» واتخاذ السبل الكفيلة بتنفيذه وفق برنامج زمني محدد. ويشتمل هذا البرنامج على عدد من المكونات الأساسية التي تفضي لتحسين الجودة والنوعية في التعليم وتتمثل في تحديث السياسات والأهداف التعليمية وفق المستجدات التقنية ومتغيرات عصر العولمة مع الاحتفاظ بثوابت العقيدة الإسلامية.

* رفع كفاءة النظام التعليمي عن طريق التقنية

* ويشدد الباحث على اهمية الافادة من تقنية المعلومات والاتصالات وشراكة القطاع الخاص كضرورة حتمية للتطوير المستقبلي للتعليم، موضحا انه اذا كانت مجاراة التقدم التقني والعلمي مطلبا ملحا لكل نظام تعليمي على مر العصور، فان تقنية المعلومات والاتصالات غدت ضرورة حتمية للتطوير المستقبلي للتعليم، ولا بد للنظام التعليمي في المملكة من مواجهة قضية توطين تقنية المعلومات والاتصالات في مؤسسات التعليم بمختلف مراحله ومستوياته.

وتستند اهمية توطين تقنية المعلومات والاتصالات في المؤسسات التربوية الى مبررين اساسيين:

ـ اولهما ان المؤسسات التعليمية تضم شريحة سكانية من الطلاب والهيئة التدريسية والاداريين تقارب نحو 5 ملايين نسمة في عام 1999 وتصل الى حوالي 9 ملايين نسمة في عام 2020، او بمعنى آخر حوالي 33 في المائة من اجمالي السكان السعوديين، لذا فان ادخال تقنية المعلومات والاتصال في القطاع التعليمي يعني ايجاد نواة لصناعة تقنية المعلومات والاتصالات في المملكة العربية السعودية.

ـ وثانيهما توظيف تقنية المعلومات والاتصالات لتحسين اداء النظام التعليمي في مجال العملية التعليمية والعملية الادارية من خلال تنمية مهارات الطلاب والطالبات وتمكينهم من استخدام تقنية المعلومات والاتصالات في مجال تعليمهم ومن خلال رفع مستوى قدرات الهيئة التدريسية والادارية في توظيف تقنية المعلومات والاتصالات في الانشطة التعليمية والادارية.

ويشدد الدكتور الصائغ على انه ينبغي الاخذ بعين الاعتبار لدى قيامنا بأي محاولة لاصلاح النظام التعليمي ان التعليم عبارة عن نظام متشابك تتداخل مشكلاته وقضاياه، لذلك فان الحلول المقترحة لهذا النظام ينبغي ان تكون متكاملة وشاملة، فمعالجة احدى مراحل التعليم الدنيا لا يمكن معالجتها من دون النظر في قضايا مراحل التعليم العليا، ومعالجة قضايا «الكم» لا يمكن فصلها عن قضايا «الكيف»، كما ان قضايا «الاستيعاب» وثيقة الصلة بـ«التوظيف»، و«التمويل» وجميعها لا يمكن النظر اليها بمعزل عن «مشاركة القطاع الخاص» أو الافادة من «تقنية المعلومات». لذلك كله فانه من الضروري وضع خطة استراتيجية بعيدة المدى لقطاع التعليم في اطار خطة استراتيجية شاملة للمملكة العربية السعودية، ما بين الفترة 2004 ـ 2028، تنبثق منها خطط متوسطة المدى وقصيرة المدى، يتم في ضوئها معالجة قضايا التعليم من منظور شمولي تكاملي مشترك، يتعامل مع معطيات الواقع وبتكيف مع احتياجات المستقبل وينسجم مع متطلبات التنمية.