القطاع الخاص السعودي يطالب بتعزيز سياسة الحماية للصناعات المحلية

TT

تؤكد البيانات الاقتصادية ان القطاع الصناعي السعودية يساهم بحصة متواضعة في اجمالي الناتج المحلي لا تتجاوز 10% من اجمالي 695 مليار ريال هي قيمة الناتج المحلي حاليا الامر الذي يثير الكثير من التساؤلات حول معوقات توسيع هذه المشاركة.

وتشير معلومات الى ان اجمالي عدد السلع الصناعية المنتجة محليا يبلغ عددها 7500 سلعة يتم انتاجها عبر 3500 مصنع تصل قيمة الاستثمارات فيها حوالي 250 مليار ريال (66.6 مليار دولار) اسهمت في احلال واردات قدرها 50 مليار ريال فيما بلغت قيمة الصادرات غير النفطية حسب آخر البيانات حوالي 25 مليار ريال تصدر الى 120 دولة.

وعلى الرغم من تحقيق هذا القطاع معدلات نمو كبيرة تصل الى 14% واستقطابه نصيب الاسد من تدفقات الاستثمارات الاجنبية الا ان تنويع القطاع ظل محدودا ولا تزال نسبة السعودة متدنية في هذا القطاع بحيث لا تتجاوز نسبة 15%. «الشرق الأوسط» اتصلت بعدد من كبار الصناعيين السعوديين للتعرف على همومهم حيث اتفق معظمهم على ضرورة تعزيز السياسات الحمائية للصناعات المحلية،وهي الاتجاه التي يواجه تحديا حقيقيا نتيجة للضغوط التي تواجهها السعودية من قبل دول مجلس التعاون لتقليص قائمة السلع المحمية التي يصل عدد بنودها حاليا الى 938 بندا، بالاضافة الى ضغوط متطلبات انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية حيث اكد عبدالرحمن الزامل، مدير المجلس التنفيذي لمركز تنمية الصادرات السعودية ومجلس الغرف، ورئيس مجلس ادارة مجموع الزامل للاستثمار الصناعي لـ«الشرق الأوسط» انه لا توجد حماية للصناعة الوطنية، وان نسبة الـ 12% التي تفرضها الجمارك لا تعتبر حماية، وان الحماية المطلوبة هي 20% على كل منتج ينتج في السعودية،وان هذه النسبة ستوفر على الاقتصاد الوطني كثيراً من الهدر، وتشجع المستثمرين للاستثمار في السعودية، وان العالم الثالث يتمتع بهذه الميزة حيث ان احد اسباب عدم وجود استثمار اجنبي هو عدم وجود اية حماية جمركية للمنتوج المحلي.

واضاف ان حماية 20% لا تعتبر عائقا امام الاخرين للنفاذ للسوق لكنها تعتبر حافزا كافيا لانتقال المصانع للسعودية، اما الاسس المطلوبة لادراج اي سلعة في القائمة فأهمها توفر المنتج بطاقة مطلوبة وبأسعار مناسبة وانتاج فني عرى المستوى المطلوب. مشددا على ان هذه السياسة الحمائية هي في صالح الاقتصاد الوطني ومن ثم المستهلك. واعتبر ان انتقال الصناعة سيوفر فرص عمل، وان توفر المنتوج سيؤدي للمنافسة بين المنتجين المحليين والمستوردين، مشيرا الى ان السنوات الماضية اثبتت ذلك،حيث ان اسعار اي منتوج في السوق السعودي تعد منخفضة وبشكل واضح بسبب وجود البديل المحلي مثل السكر والسجاد والمكيفات وغيرها.

وانتقد الدكتور الزامل جهل الجهات الحكومية بمعنى الاغراق وعدم استيعابها لاخطاره، معتبرا ان كثيرا من الوزراء والمسؤولين يعتقدون ان الاغراق في صالح المستهلك. في حين انه يسبب ضررا كبيرا للاقتصاد الوطني، ينتهي عادة باغلاق المصانع المحلية وعودة ارتفاع الاسعار،معتبرا ان تأخر صدور نظام الاغراق يعود الى عدم اخد المسؤولين لهذه الظاهرة مأخد الجد.

واعتبر الزامل ان عدم وجود حافز حمائي للاستثمارات الاجنبية منع وجود استثمار صناعي اجنبي في السعودية بالمستوى المطلوب.

وكان سليمان المنديل، عضو مجلس ادارة الهيئة العامة للاستثمار، العضو المنتدب للمجموعة للاستثمار قد طالب في ورقة ضمن اعمال ندوة «الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي» بتفعيل اجراءات الحماية الجمركية، واجراءات تطبيق المواصفات السعودية، وتبسيط اجراءات الاعفاءات الجمركية وتفعيل نظام الافضلية للمشتريات الحكومية.

واضاف في حينها أن الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية كما يدعي الاقتصاديون سيحسن أداء المؤسسات الاقتصادية ويجعلها أكثر قدرة على المنافسة في المدى الطويل، كما يفترض أن ذلك سيفتح أسواقا جديدة لصناعاتنا ويحميها من الإجراءات التعسفية التي قد تتخذ في غياب منظمة التجارة، إلا أن المؤكد هو أن صناعاتنا الصغيرة والمتوسطة ستواجه خطر الفناء،إن لم تحصل على شروط انضمام تتيح لصناعاتنا فرصة التكيف خلال مدة طويلة.

واعتبر المنديل ان توفير اراضي صناعية مطورة بأسعار معقولة هي نقطة البداية للاستثمار الصناعي،مطالبا باستثناء القطاع الصناعي من زيادات الرسوم، وتثبيت اسعار الطاقة والغاز لفترات طويلة.

وبشأن مستقبل صناعة البتروكيماويات في السعودية قال المنديل لـ«الشرق الأوسط» ان هناك عددا من العناصر الاساسية التي يجب توفرها لتنجح صناعة البتروكيماويات اهمها 7 عناصر هي: توفر المواد الخام بكميات كافية، والبنية التحتية الاساسية، والتمويل، والعمالة المدربة، وقدرة التسويق، والتقنية، والسوق.

واضاف المنديل ان العناصر الاربعة الاولى متوفرة في السعودية حيث التزمت شركة ارامكو السعودية بتخصيص جميع منتوجات الغاز لغرض الاستهلاك المحلي وعدم تصديره الا في حالة وجود فائض عن الحاجة المحلية.

وتقوم شركة ارامكو بجهود كبيرة لاستخراج الغاز غير المصاحب لانتاج البترول الخام، وهو الذي يضمن استمرار مصدر اللقيم دون الارتباط بمستوى الانتاج من البترول الخام.

اما في مجال البنية الاساسية فقد قامت الهيئة الملكية للجبيل وينبع باستثمارات ضخمة في البنية الاساسية التي كانت حافزا لجذب مستثمرين سعوديين واجانب الى السعودية، ومازالت الهيئة مستمرة في تطوير البنية الاساسية عن طريقها مباشرة وعن طريق شركة مرافق.

اما التمويل فهو لحسن الحظ اقل مشاكل التصنيع في السعودية،حيث دللت تجربة الاكتتاب في شركة الاتصالات قبل شهرين، وفي المجموعة السعودية للاستثمار الصناعي كذلك، على توفر رأس المال الوطني متى ما توفرت فرص الاستثمار الجيدة، هذا بالاضافة الى ملائمة النظام المصرفي الذي يتعطش لتمويل الاستثمارات الداخلية، زيادة على دور صندوق التنمية الصناعية السعودي، وصندوق الاستثمارات العامة.

اما العنصر الرابع المتوفر بشكل جيد في السعودية فهو العمالة المدربة. فرغم ان قطاع البتروكيماويات لا يستوعب الا اعدادا قليلة من العمالة الا انها عمالة مدربة تدريبا جيدا، وتحصل على دخل مادي مرتفع. وقد قامت كل من شركات «سابك» و«ارامكو» و«الكلية الصناعية المتوسطة» التابعة للهيئة الملكية بتدريب عدد كبير من الشباب السعودي.

اما العناصر الاساسية غير المتوفرة محليا فهناك حلول لها ذلك ان تسويق المنتجات البتروكيماوية هي حكر لدى عدد محدود من الشركات العالمية، ولذلك لابد من الدخول في شراكات استراتيجية تسمح بتسويق المنتجات بشكل سلس وميسر.

اما التقنية،فهي غير موجودة محليا او في العالمين العربي والاسلامي ولذلك لابد من اقتنائها من مصادرها في الغرب واليابان.

اما بالنسبة للسوق فتجدر الاشارة الى ان انتاج السعودية هو المنتجات الاساسية التي تحتاج اليها صناعات تحويلية بطاقات انتاج كبيرة، وهي غير موجودة في منطقة الشرق الاوسط بعد، ولذلك يوجه اغلب الانتاج الى شرق اسيا اولا (وبالاخص الى الصين) ثم اوروبا ثم اميركا.

وبالنسبة للتمويل، ابدى المنديل اسفه لزوال جميع الحوافز التي ساعدت في خلق القاعدة الصناعية حتى الآن، باستثناء تمويل الصندوق الصناعي. وقال ان هذه الحوافز في طريقها الى التلاشي، وأهمها المدن الصناعية المطورة ونظام الاعفاءات والحماية الجمركية، والمشتريات الحكومية، وتسعيرة الطاقة والغاز. موضحا ان السنوات الخمس الاخيرة شهدت تطبيق زيادات مضطرة في رسوم الخدمات ادت الى ارتفاع كلفة الانتاج الصناعي.

واضاف ان المصارف السعودية لعبت دورا ثانويا خلال العقود الثلاثة الماضية، وذلك بسبب الدور المميز لصندوق التنمية الصناعية وصندوق الاستثمارات العامة، وبسبب العوائق القانونية التي تواجه البنوك. إلا أن المرحلة المقبلة لا تحتمل استمرار البنوك بلعب دور ثانوي، ولذلك لابد من تقنين وضع البنوك بما يسمح لها بتحصيل حقوقها، وعند ذلك يتوقع من البنوك أن تقوم بدور رئيسي في تمويل الاستثمارات الصناعية خصوصا الصغيرة والمتوسطة منها.

وبخصوص التدريب والتأهيل، تجري السعودية مراجعة شاملة لسياساتها التعليمية لجهة تعزيز نسب القبول بالاقسام العلمية ومؤسسات التعليم الفني والتدريب المهني بما يتوافق مع احتياجات سوق العمل ومتطلبات التنمية الاقتصادية.

من جانبه، اكد المنديل انه وباستثناء الجهود المتميزة لشركتي أرامكو وسابك في مجال تدريب وتأهيل أجيال صناعية، فإن بقية المؤسسات التعليمية والمهنية لا تحضر الشباب السعودي ليكونوا مصدر جذب للاستثمارات الصناعية بالرغم من الميزانيات الكبيرة التي خصصت لها على مر عقود. وحسب ورقة اعدها صالح الحصيني وكيل وزارة الصناعة لشؤون الصناعة، فإن العمالة الأجنبية تمثل أكثرمن 85% من حجم العمالة في القطاع. ولكن هذه الصورة وحدها لا تعطي معلومة كافية. فإذا وزعنا الصناعات إلى صناعات كبيرة وصناعات صغيرة ومتوسطة في وقت تتسم فيه الصناعات الكبيرة بنسبة سعودة جيدة فان الصناعات الصغيرة والمتوسطة تتميز بنسبة متواضعة من السعودة في التوظيف.من هنا فإن الكفاءة الإنتاجية ودرجة المهارة لعنصر العمالة في القطاع الصناعي تمثل محدداً مهماً للقدرة التنافسية عالمياً. واستمرار الاعتماد على العمالة الأجنبية بشكل كبير في ظل غياب كفاءة محلية مدربة كما هو الآن يمثل نقطة ضعف رئيسية لمستقبل التنمية الصناعية. ويبقى السؤال المطروح هنا هو «ليس لماذا لا توظف المصانع سعوديين ولكن كيف توفر عمالة سعودية مدربة للمصانع السعودية؟».

وبشأن هموم التصدير، اكد الزامل ان المصدرين السعوديين يطالبون بتسهيل زيارة رجال الاعمال للسعودية لانهم الزبائن الرئيسون للمنتجات المصنعة محليا، وكذلك ضرورة تخفيض رسوم الموانئ للتصدير، وضرورة تنفيذ الاتفاقيات التجارية العربية الثنائية وحماية حقوق الطرف السعودي فيها.