وزير الخارجية اليمني لـ«الشرق الاوسط»: ننتظر رد القضاء الألماني حول قضية الشيخ المؤيد وسكوتنا لا يعني الموافقة على تسليمه لواشنطن

القربي: نحقق في هروب متهمي «القاعدة» من السجن وسنحاسب المقصرين

TT

وسط انشغال المسؤولين اليمنيين بمتابعة نتائج عملية الانتخابات التي جرت في البلاد يوم الأحد الماضي، من الصعب ان تجد من يتحدث اليك.. وزراء مشغولون بتسيير شؤون وزاراتهم التي ربما سيتركونها قريبا، في ضوء التغيير الحكومي المتوقع ان يجريه الرئيس علي عبد الله صالح خلال الايام القلية القادمة على خلفية النتائج الانتخابية. لكن وزير الخارجية اليمني الدكتور أبو بكر القربي تحدث ـ«الشرق الأوسط» عن توقعات التغيير، ورؤية اليمن حول التطورات العربية والدولية. سألته:

* على ضوء النتائج التي اعلنت امس وحصول حزبكم على اغلبية مريحة في البرلمان، كيف ترى شكل الحكومة المقبلة؟

ـ لم نحصل في الانتخابات، كما قلت، على اغلبية مريحة، ولكن على «اغلبية كاسحة»، خاصة اذا لم نأخذ بالاعتبار ما كانت تعلن عنه احزاب المعارضة من انها ستلحق بحزب مؤتمر مؤتمر الشعب العام هزيمة كاسحة.. هذا يعكس أولا ان احزاب المعارضة يجب ان تدرك ان التحالفات التي لا تبنى على برامج واهداف حقيقية لمصلحة البلد لا تأتي بنتائجها، وان اليمنيين يدركون ان المؤتمر هو الحزب الذي يثقون به، لأنه يمثل الوسطية والاعتدال والحرص على الوحدة الوطنية.

نحن في المؤتمر الشعبي العام نعتز بهذه الثقة، ونشعر انه علينا ان نعززها من خلال مزيد من التنمية والاستقرار لمواجهة تحديات الأمن والاستقرار ومكافحة الفساد، وان ننطلق باليمن نحو القرن 21 برؤئ وطنية يمنية اسلامية، تنطلق من قيم الاسلام الحقيقية، وندرك ايضا ان المؤتمر، رغم كل هذا النجاح، مطالب بأن يعيد النظر في بعض اجراءاته التنظيمية، لكي يتحول الى تنظيم ديمقراطي حقيقي يلبي مستوى الديمقراطية التي تمارس في الشارع اليمني اليوم.

* هناك معلومات عن تعرض اليمن لضغوط خارجية لتقليص حجم النشاط السياسي لحزب الاصلاح.. ولهذا جاءت النتائج على غير ما كان يتوقعها الحزب (الاسلامي) الوحيد في بلادكم؟

ـ هل هذه الشائعات جاءت قبل نتيجة الانتخابات ام بعدها؟. اذا جاءت قبل ان تعلن النتائج فان مروجيها كانوا يعلمون ان الاصلاح لن يحقق النتائج التي كان يشيع انها ستتحقق. اليمن كما تعرف كحكومة لا تستطيع ان تهمش أي حزب من الاحزاب، لأن القرار ليس بيدها.. القرار في الصندوق الانتخابي، والممارسة الديمقراطية كانت حرة بشهادة كل من شارك في الانتخابات ، فلا يمكن لأميركا ولا للحكومة ان تؤثر على الناخب وهو يدلي بصوته بسرية كاملة في مناخ ديمقراطي.

* وهل توصلتم الى تحديد مكان المتهمين في تفجير المدمرة الأميركية كول الذين هربوا من سجن الأمن السياسي في عدن؟

ـ حتى الآن لم تتوصل الاجهزة الأمنية الى تحديد اماكنهم، والمتابعة ما تزال مستمرة، وهناك الآن مكافأة لكل من يساعد للوصول الى الاماكن التي يختفون فيها.

* وهل تعتقد ان الطريقة التي جرى بها هروب المتهمين من سجن الأمن السياسي وليس من سجن عادي سيقبل بها الأميركيون؟ ـ يجب ان نعترف بأن الطريقة التي فر بها هؤلاء السجناء تدل على عدم كفاءة المسؤولين عن الأمن في المركز الذي كانوا محتجزين فيه، وهناك الآن تحقيق في العملية، وسيعاقب المسؤولون عن هذا التقصير، فالولايات المتحدة يجب ان تقبل بحدوث عملية الهروب، ونحن حريصون مثلها على التأكد من الاسباب التي ادت اليه، وهل هناك تواطؤ معهم؟؟.. هذا يهمنا في المقام الأول قبل ان يهم الولايات المتحدة.

وهل تمارس واشنطن ضغوطا للاسراع في القبض عليهم، خاصة وانه يقال ان من بين الفارين أحد مدبري تفجير المدمرة «كول»؟

ـ جزء من هذه المشكلة هو الفترة الطويلة التي اعتقل هؤلاء خلالها.. الحكومة اليمنية كانت تطالب بتقديمهم للمحاكمة، ولكن واشنطن كانت تطلب باستمرار التأجيل حتى تنهي ملفاتها وتحقيقاتها سواء المتعلقة بكول، او بملف الارهاب بشكل عام، ودائما، عندما يطول بقاء السجين في مكان واحد، خاصة وان المعنيين بحراستهم قد اطمأنوا الى ان هؤلاء السجناء تأقلموا على السجن، وليست لديهم رغبة في الهرب، تقع الواقعة علينا.. على أميركا وعلينا ايضا ان نقيّم هذه العملية لكي نتجنب تكرارها.. طبعا سنلاحقهم، ليس من اجل أميركا، بل لأنهم ارتكبوا جرائم ارهاب في اليمن ويجب ان يقدموا للمحاكمة.

* سكوت اليمن عن مصير الشيخ محمد علي المؤيد المحتجز في ألمانيا بطلب أميركي هل يعني ذلك موافقتكم على تسليمه لواشنطن؟

ـ اليمن لن يسكت على موضوع المؤيد، هناك العديد من الرسائل المتبادلة، وهناك ضغط من جانبنا من خلال وزارة الخارجية الألمانية لكي لا يسلم، واعطينا الكثير من الادلة التي تنفي الادعاءات الأميركية، ولكن في النهاية يجب ان ندرك ان الموضوع اصبح الآن مسألة قضائية بالنسبة للألمان، لا تستطيع الحكومة ان تتدخل فيها، الى ان يتخد القضاء قراره.. نحن شكلنا فريقا من المحامين للدفاع عن المؤيد وسننتظر الآن ماذا سيقرر القضاء الألماني.

* خلال قمة بيروت العربية التي عقدت في نهاية العام الماضي طرح اليمن فكرة انشاء نظام عربي جديد في ضوء الاحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة.. هل تحولت الفكرة الى مشروع وما هي تفاصيله؟

ـ ما طرحه الرئيس علي عبد الله صالح حول النظام العربي الجديد يأتي في اطار العديد من المشاريع التي قدمت من قبل عدد من الدول العربية حول اصلاح الوضع العربي، وهناك مبادرة سعودية تقدم بها الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي، وهناك مشاريع من ليبيا وقطر والسودان ،ونحن قدمنا بعض الرؤى حول هذا الموضوع، والجامعة بحاجة الى مراجعة اوضاعها.. نحن الآن مثل عصبة الأمم في تلك المرحلة التي شهدتها قبل ان تتحول الى الأمم المتحدة ونحن قد لا نحتاج الى تغيير التسمية للجامعة، وان كان هناك مقترح ليبي بتغير اسم الجامعة الى (جامعة الاتحاد العربي)، نحن لا تهمنا التسميات بقدر تغيير جوهر دور الجامعة العربية ونظامها الاساسي، وتفعيلها ودمقرطتها، بحيث يمكن للدول العربية ان تعامل من منطلق المصلحة العربية المشتركة وليس من منطلق المصلحة القطرية.

* كيف ترون مستقبل العالم العربي في ضوء الاحداث التي جرت في العراق؟ ـ لا شك في ان الظروف التي مرت بها المنطقة العربية منذ حرب الخليج الثانية كانت ظروفا بالغة التعقيد، اثرت على جميع الدول العربية، ثم جاءت الحرب في العراق لتزيد شعورالمواطن العربي بالاحباط، كما التلميحات الأميركية والدراسات التي تصدر عن عدد من مراكز البحوث الأميركية حول مستقبل المنطقة العربية والتي تثير الكثير من المخاوف.

وهناك مبرر لهذه المخاوف في عالم احادي الاقطاب، خاصة وان هذه الاحادية ستقود الى الهيمنة، وربما الى الغاء الشرعية الدولية، ومع ذلك اعتقد ان هناك شعورا عاما لدى اصحاب القرار من الحكام العرب بأن الوضع العربي يمكن ان يعالج من خلال صيغة نظام عربي جديد، والذي لا يمكن ان يعتمد على الارادة السياسية فقط، وانما يجب ان يشمل الحراك الجماهيري، أي التقاء الارادة السياسية مع رغبة المواطن العربي في احدات التغيير، وحتى يكون هذا التغيير كما نريده نحن العرب حكاما ومحكومين، ولا يأتي بالصورة التي تريد ان تفرضها الولايات المتحدة.

* قبل الحرب على العراق قال الرئيس اليمني ان الدول العربية من دون استثناء ستكون مستهدفة اذا ما قامت هذه الحرب.. الآن هل يرى اليمن نفسه مستهدفا من الادارة الأميركية؟

ـ الرئيس علي عبد الله صالح عندما كان يتحدث عن هذا الموضوع كان يريد ان ينبه الى ان أميركا واعدادها للحرب على العراق لن ينتهي عند احتلال العراق، والتخلص من نظامه، وانما هناك اجندة لاحداث تغييرات في المنطقة العربية، وربما في منطقة الشرق الأوسط بما فيها ايران وباكستان، ولهذا كان ينبه دول المنطقة جميعا لتدرك انها لن ستكون بمنأى عما سيجري بدءا من العراق، وهذا تنبيه في محله.. نحن نرى الآن ان أميركا بدأت تثير قضايا مع سورية وايران، وهناك خلاف حاد الآن في منظمة الحد من الاسلحة الكيماوية مع اعضائها، لأن أميركا تريد ان تفرض مواقف على الدولتين دون سواهم، واعتقد ان التعامل الآن مع أميركا يجب ان ينطلق من موقف عربي موحد وحوار حقيقي مع واشنطن يحفظ للأمة العربية مصالحها وارادتها في احداث التغييرالذي تريده.

* وما هو الموقف اليمني مما يجري الآن في العراق ؟ ـ الموقف اليمني يأتي في اطار الموقف العربي اجمالا، وهو ضرورة انسحاب القوات الأميركية والبريطانية من العراق ، وان يترك للشعب العراقي دون تدخل من اية قوى خارجية تحديد مستقبله بالنسبة لنظام الحكم او الدستور او اختيار الحكومة المؤقتة، وصولا الى الانتخاب الديمقراطي لانتخاب حكومة وفقا للدستور الجديد، وان نعمل جميعا من اجل تجنيب العراق أية صراعات طائفية او عرقية قد تؤدي الى تمزيقه، او الى حرب أهلية قد تؤدي الى تدخل خارجي.

* لكن انتخاب سلطة ديمقراطية موحدة في العراق سيحتاج،في رأي الأميركيين لأكثر من عامين.. هل ستعترف الحكومة اليمنية بالسلطة المؤقتة التي يجري الآن العمل على تشكيلها؟

ـ الموقف اليمني سينطلق من الموقف العربي، وهناك الآن مباحثات لعقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب لدراسة الوضع العراقي، ويهمنا في المقام الأول ان تكون هناك حكومة تمثل ارادة العراقيين.

* هناك اصوات عربية خاصة في الخليج تطالب الآن باعادة النظر في طريقة انتخاب الأمين العام لجامعة الدول العربية ، بحيث لا يكون بالضرورة من البلد التي يوجد فيه مقر المنظمة؟

ـ اريد ان اصحح ان الأمين العام يختار من قبل القادة العرب، لا يفرض من دولة من الدول وعمرو موسى اختير باجماع الدول العربية، بعد ان انسحاب مرشح اليمن محسن العيني من التنافس على منصب الامانة العامة، واليمن لا يعتقد ان المشكلة في الأمين العام، بل في الارادة العربية في تفعيل الجامعة ودورها. اما الجدل الذي دار مؤخرا حول تصريحات الأمين العام حول الكويت للأسف اعطي له اكثر من حجمه، واعتقد ان الكويت اكدت تمسكها بالجامعة العربية، وعمرو موسى يمثل قرارات وزراء الخارجية العرب وليس آراءه الشخصية.

* المراقبون الغربيون يرون ان مشاكل العالم العربي تكمن في قياداته وليس في شعوبه، بسبب غياب الحريات وانتشار الفساد ورفض مبدأ التداول السلمي للسلطة، هل تتفقون مع هذا الطرح؟

ـ الوضع الذي وصلنا اليه في الوطن العربي لا يمكن ان يختزل في هذه الامور، لقد وصلنا الى هذا الوضع بسبب عوامل داخلية مثل غياب الديمقراطية، وغياب المشاركة الشعبية والحريات.. لكن أرى ان هناك بعدا آخر يكمن في ان الكثير من الدول العربية صرفت اموالا وجهدا على الجوانب التعليمية والثقافية، الا ان هذا الصرف لم يأخذ في الاعتبار تطوير المناهج التعليمية، سواء في التعليم الاساسي، او في الجامعات، لكي نخلق القدرات المبدعة في المجتمعات العربية، فاذا كان بعض المسيحين يرون ان تخلف العرب نتيجة التعصب في الاسلام فنحن المسلمين نعلم ان هذا غير صحيح، لأن الدين الاسلامي يدعو الى الحريات والعدالة والى الشورى، وهو الدين الذي يحرّض على التعلم، ولكن العيب اننا لم نطبق هذه التعاليم في نظمنا التعليمية، لكي نحدث الثورة العلمية المطلوبة،ولكي نجابه الآخرين، واعتقد انه لا يوجد هناك انفصال بين الثقافة العربية الاسلامية والثقافة الغربية الا في اذهان الذين يريدون ان يخلقوا صراعات كمبررات سياسية.