المغرب: الحكومة والاتحادات العمالية يتوصلون إلى إبرام «اتفاق اجتماعي» بمناسبة أول مايو

التوصل الى صيغة توفيقية للقانون المنظم للأحزاب وإرجاء الحسم في ملف «التقاعد»

TT

وصف ادريس جطو الوزير الأول المغربي «الاتفاق الاجتماعي» الذي وقعته الحكومة والاتحادات العمالية وهيئات ممثلي المقاولات الليلة قبل الماضية في الرباط، بأنه «قفزة نوعية» في تاريخ العلاقات بين الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين في المغرب، ستمكن من تحقيق السلم الاجتماعي، وتفتح عهدا جديدا من التوافق حول قضايا قانون العمل، وكيفية تطبيق حق الاضراب وحل النزاعات بين الاتحادات العمالية والشركات حول تسريح العمال وتفعيل قانون تعميم التغطية الصحية.

وأعرب جطو في خطاب مباشر وجهه عبر الاذاعة والتلفزيون عشية احتفال العمال بعيدهم السنوي، عن ارتياحه للتوصل الي الاتفاق بين الأطراف الثلاثة وذلك بعد جولات من الحوار الاجتماعي التي دامت زهاء ثلاثة أشهر.

وكان حفل توقيع الاتفاق قد تأخر خمس ساعات عن موعده الذي كان مقررا في الساعة الخامسة من مساء أول من أمس. وعزت مصادر مطلعة التأخير الى تواصل عملية الشد والجذب بين زعماء الاتحادات العمالية ورؤساء هيئات أرباب العمل. وكانت حدة الخلافات قد اشتدت في الساعات الأخيرة بين الاتحادات العمالية وهيئات أرباب العمل بشأن عدد من بنود المفاوضات مثل القانون التنظيمي الذي ينظم حق الاضراب، والذي تم التوصل الى صيغة توفيقية بشأنه من خلال اقرار المبادئ العامة التي سيستند اليها القانون عندما تلتئم جولة ثانية من المفاوضات.

وفي سياق ذلك، أرجأ الحسم في ملف التقاعد وتم الاتفاق على القواعد التي ستحكم النقاش مستقبلا بشأن مراجعة قانون التقاعد (1972)، فيما تقرر اعتماد تخفيض سن التقاعد الطوعي المبكر الى 55 عاما وترشيد نظام المعاشات على أساس قاعدة أفضل 10 سنوات.

وقالت مصادر شاركت في مفاوضات الساعات الأخيرة ان جطو ومصطفى المنصوري، وزير التشغيل والتضامن الاجتماعي، لعبا دورا توفيقيا كبيرا لتقريب الهوة بين الأطراف الاجتماعية.

ووقع الاتفاق عن الحكومة جطو بينما وقع باسم الاتحادات العمالية كل من محمد نوبير الأموي الأمين العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وعبد الرزاق أفيلال الأمين العام للاتحاد العام للشغالين في المغرب، وميلودي مخارق، مساعد الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل. ووقع عن هيئات أرباب العمل مسؤولو اتحاد المقاولات وجامعة غرف الصناعة والتجارة والخدمات.

الى ذلك، أعرب الأموي عن ارتياحه لنتائج المفاوضات الاجتماعية والمناخ الذي جرت فيه، معتبرا ما تحقق مكسبا للطبقة العاملة المغربية. بيد انه استدرك بالقول «ان مطالب العمال لا يمكن تحقيقها دفعة واحدة ويمكن التقدم في تحقيقها تدريجيا».

وقال جطو ان الحكومة أوفت بالتزاماتها المعبر عنها في برنامجها المتمثل في تدشين مقاربة جديدة للحوار الاجتماعي يقود الى تحقيق السلم الاجتماعي، اعتمادا على ترسيخ الثقة المتبادلة والتعجيل بمعالجة القضايا التي تحظى بالاولوية وفق أجندة محددة وجعل الحوار سنة تنبني على الاستمرارية وتراعي التوازن بين مصالح مختلف الاطراف بمنظور واقعي غايته الوحيدة ترجيح المصالح العليا للبلاد. وأضاف جطو «لقد تمكنا من الوصول الى التوافق في أجل محدود حول مجموعة من الاصلاحات والاجراءات يصح لنا أن نعتز بها لكونها تعد قفزة نوعية في الحوار الاجتماعي ببلادنا وتعلن عن ميلاد مكتسبات طالما شكلت انتظارات بالنسبة ليس فقط للفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين وللحكومة ولكن كذلك لشركائنا الاجانب».

وقال جطو ان مشروع قانون العمل الجديد سيمكن من تحديث العلاقات المهنية داخل الشركات المغربية وفق ضوابط وقواعد قانونية تصون حقوق الاطراف وتضمن مطابقة تشريع المغرب مع المبادئ المتعارف عليها دوليا. وتضمن الاتفاق الاجتماعي تخفيض مدة العمل من 48 الى 44 ساعة في الاسبوع وأقر مبدأ المرونة واعتماد نظام التعويض عن فقدان العمل لأسباب اقتصادية او هيكلية، وتحديد نظام التعويضات عن الاعفاء او عن الضرر.

وفيما يتعلق بمسألة فض النزاعات ووضع الاطار التنظيمي لممارسة حق الاضراب، اكد جطو ان الاطراف اتفقت على تطوير آليات حل النزاعات الاجتماعية ووضع اطار قانوني ينظم هذا الحق الدستوري بما يضمن ممارسة الاضراب وحرية العمل مع اقرار آجال معقولة للأخطار وتفعيل اجراءات وامكانيات الصلح.

وفي مجال التغطية الصحية، اكد جطو انه تم الاتفاق على الحفاظ على مبدأ الحقوق المكتسبة للمؤَّمنين الاجتماعيين الذين يستفيدون حاليا من نظام اختياري للتغطية الصحية مع العمل على اخراج مشروع المرسوم المتعلق باحداث الوكالة الوطنية للتأمين الصحي الى حيز الوجود مما سيمكن المغرب من التوفر لأول مرة على مؤسسة وطنية ستناط بها مهمة توحيد السياسة العامة للدولة في مجال التغطية الصحية.

وأوضح جطو أنه على الرغم من الضيق المالي الذي تعاني منه الموازنة العامة للدولة وفي انتظار المراجعة الشاملة لمنظومة الاجور والتدبير الاداري فقد أسفر الحوار الاجتماعي على مكاسب هامة للعمال في القطاع العام والخاص، تتمثل في اعتماد وتعميم تطبيق الحد الأدنى للأجور في القطاع العام والشبه العام. وسيستفيد من هذا الاجراء حوالي 130 ألف موظف في مختلف أسلاك الوظائف العامة. كما اعلن التزام الحكومة بالتسوية على مراحل لوضعية المتصرفين والهيئات المماثلة والتقنيين والاعلاميين وأساتذة التعليم العالي. وبالنسبة لمستخدمي القطاع الخاص تم اعتماد الزيادة في الحد الادنى للأجور بنسبة 10 في المائة يتم تنفيذها على مرحلتين كما تم الاتفاق على اتخاذ التدابير الرامية الى تمكين الأعوان العموميين والخواص من امتلاك سكن، وسيعتمد هذا التشجيع على ثلاثة مرتكزات أساسية هي احداث صناديق للضمان يساهم فيها أرباب العمل من القطاع العام والخاص والتمكين من قروض بفوائد تفضيلية مع تمديد أجل الاستحقاق الى ما بين 20 و25 سنة بدل 12 و15 سنة المعمول بها حاليا، وتوفير الدعم العمومي بتعبئة أرصدة عقارية مجهزة تابعة للدولة والجماعات المحلية (البلديات) بغية التخفيض من كلفة السكن الاجتماعي التي تبدأ ما بين 80 ألف درهم و120 ألف درهم بدل 200 ألف درهم حاليا.

واختتم جطو خطابه منوها بمرونة الاتحادات العمالية وهيئات أرباب العمل وتقديرهم لمصلحة بلادهم العليا، مؤكدا التزام الحكومة المغربية بالعمل على الاسراع في تنفيذ ما تم الاتفاق بشأنه والحرص على مواصلة الحوار الاجتماعي بالنسبة للنقط التي اتفق على تعميق التشاور بشأنها.