ظاهرة جديدة: صراع مسلح على ملكية المنازل في بغداد بعد انتشار ظاهرة الاستيلاء على البيوت تحت تهديد السلاح

الأميركيون يخرجون بالقوة عناصر مسلحة من حزب الجلبي بعد استيلائهم على منزل مسؤول عراقي سابق مطلوب أميركيا

TT

توقفت سيارة «فولكسفاغن باسات» حمراء بالقرب من نقطة تفتيش أميركية، وخرج منها على عجل ثلاثة اشخاص ثم اقتربوا من الضابط دنيس سنايدر الذي كان يقف وراء حاجز من الاسلاك الشائكة تحت حرارة شمس بغداد الحارقة.

كان هؤلاء الرجال الثلاثة بحاجة الى مساعدة اذ لم يكن قد مضى سوى وقت قصير على احتلال رجلين مسلحين بيتاً يقع في منطقة القادسية والانتقال له مع امرأة واربعة اطفال ثم البدء بتهديد أي شخص يسأل عما يفعلانه في هذا البيت.

سمع سنايدر، 25 سنة، مراراً مثل هذه القصص التي تتعلق بقدوم قطاع طرق وانتهازيين ليستولوا على بيوت في بغداد واحيانا ينتقلون الى بيوت مهجورة تقع على اطراف بغداد واحيانا يُخرجون ساكني البيوت تحت تهديد السلاح ويصادرون المنازل. وهذا أحد مؤشرات الفوضى التي حلت ببغداد بعد انهيار حكومة صدام حسين.

وعد الضابط الأميركي بارسال وحدة للتحقيق في الامر، ويبدو ان شبح المسلحين الذين يقومون بمصادرة البيوت هو الخطر الأول للأمن ولثقة الناس بالأميركيين في بغداد. وقالت ام حميد، 50 سنة، ربة البيت الساكنة في منطقة الجادرية الراقية، حيث راح المتطفلون يحتلون البيوت التي تركها اصحابها وهربوا اثناء الحرب الى الأردن او سورية او التي كان اصحابها من اتباع نظام صدام وهربوا انقاذا لحياتهم: «نحن الآن خائفون جدا ان نشاهد الجيران الجدد. من اين جاؤوا؟ لا نعرف».

سيكون بامكان القوات الأميركية ان تسلِّم مهام الحفاظ على النظام لشرطة بغداد، اذ رجع مئات من ضباط الشرطة الى مواقعهم أول من امس وبدأوا يستجيبون لنداءات السلطات الاميركية لمساعدتها في اعادة النظام للعاصمة. لكن رجال الشرطة الذين يرتدون الآن ملابس تختلف عن تلك التي كانوا يلبسونها في فترة حكم صدام حسين قلقون من عدم تسلمهم لمرتباتهم ومن احتمال ان يُقتلوا على يد اللصوص والمجرمين.

ليس من السهل تحديد عدد البيوت التي تمت مصادرتها بطرق غير شرعية، لكن سكان مناطق مأهولة بأبناء الطبقتين المتوسطة والعليا يقولون ان الكثير من المسلحين قد احتلوا بيوتا فارغة في شوارعهم، اذ هناك عشرات الشقق ذات الطابقين التي تركها اصحابها خلال الحرب قد تم احتلالها على يد غرباء. وسيكون الاستيلاء على الاراضي والبيوت مشكلة كبيرة بالنسبة للحكومة العراقية الجديدة عندما تحاول تحديد الملاك الحقيقيين للبيوت.

وما ساعد هؤلاء المتطفلين على القيام بكسر بيوت الغير واحتلالها غياب النظام منذ انهيار الحكومة العراقية السابقة وانقطاع الكهرباء في الشوارع حتى فترة اخيرة ودمار الكثير من سجلات الملكية اثناء نهب وحرق المكاتب الحكومية. وقال سنايدر ان بعض المحتالين حاولوا حتى الحصول على مساعدة القوات الأميركية لاخراج الساكنين الشرعيين من بيوتهم عن طريق الادعاء بانهم متطفلون صادروا تلك البيوت بالقوة. وعادة يؤدي التحقيق الى توضيح حقيقة الامور. وقال سنايدر: «يمكنك ان تكتشف حقيقة الامور عن طريق الصور المعلقة على الجدران لاشخاص يسكنون في هذا البيت بأنهم المالكون الحقيقيون له».

وقالت السلطات الأميركية ان هناك انماطا مختلفة من الناس وراء عمليات سلب البيوت والاراضي، مشيرة الى انهم قد يكونون فقراء او انتهازيين يسعون الى الانتقال الى حياة افضل عن طريق احتلال شقق وبيوت فارغة، او مسلحين من تنظيمات سياسية بعضها حليفة للولايات المتحدة، يقومون باحتلال بيوت اشخاص مقربين من صدام حسين او أعضاء في الحكومة السابقة.

بعد فقدانه لعمله لعدة اشهر، اصبح ضابط الشرطة خليل ابراهيم، 33 سنة، عاجزا على دفع ايجار مسكنه البالغ 50 دولارا في الشهر في منطقته الشعبية، لذلك حين هرب حراس صدام الشخصيين من بغداد قبل دخول القوات الاميركية الى بغداد تاركين وراءهم شققهم الفارهة المطلة على نهر دجلة، كان ابراهيم يعرف ما يجب القيام به، اذ انه اخذ زوجته وطفله البالغ من العمر سبع سنوات ثم احتل شقة بغرفتين بدون ان يدفع اي ايجار. لأول مرة اصبح لطفله غرفة خاصة واصبحت الأسرة تتمتع بمنظر النهر الذي لم يكن متوفرا الا للمقربين من صدام. كذلك هو الحال مع جيرانه الذين كانوا كلهم من المتطفلين المنتمين للفئات الشعبية والكثير منهم علقوا اعلاما بيضاء دليلا على ملكيتهم للبيوت. وعندما جاء والد احد الساكنين لاسترجاع شقة ابنه دفعه الساكنون الجدد بقوة صارخين فيه ان العراق الجديد لا يحتاج الى انصار صدام.

اما نضال عباس، 40 سنة، ربة البيت التي احتلت شقة على النهر مع زوجها العاطل عن العمل واطفالها الخمسة فقالت انها لا تنوي ترك هذه الشقة، واضافت: «اذا ارادوا ان يقتلوني فانا افضِّل ان اموت هنا».

خلال حكم صدام، كان الاشخاص الذين لا ترضى عنهم السلطات، يطرَدون من العاصمة وتصادر الحكومة عقاراتهم ثم تبيعها. والآن بدأ المالكون السابقون بالعودة الى العاصمة من مناطق كردية في شمال العراق ومن ايران ومن مناطق اخرى في العالم، ويريدون استرجاع بيوتهم المصادَرة. لكن المشكلة تكمن في ان الساكنين الحاليين قد عاشوا فيها لسنوات كثيرة ودفعوا اثمانها. فمثلاً، كان عادل مراد أحد زعماء الاتحاد الوطني الكردستاني قد فقد بيت طفولته في بغداد قبل ما يقرب من ثلاثة عقود بعد اغتيال والده على يد النظام العراقي المخلوع. الآن عاد مراد بعد طرده من بغداد الى شمال العراق، وقال معلقا: «هناك اناس آخرون يسكنون في بيتي، قلت لهم ابقوا في بيتي شهرين او ثلاثة حتى تجدوا بيتا آخر». وهناك تقارير واسعة تشير الى ان مسلحين من الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتزعمه جلال الطالباني، يسعون لمصادرة بيوت بالقوة.

واصبح ظهور المالكين السابقين المفاجئ يخلق فوضى كبيرة. ففي سوق بغداد الرئيسي كان من سوء حظ فتاح البلداوي، 35 سنة، ان يدفع ايجار سنتين لمحل حصل عليه في بداية سنة 2003 وكان ما دفعه يساوي 1200 دولار لتغطية ايجار السنتين اللاحقتين، ثم ظهر رجل من ايران بعد سقوط نظام صدام مدَّعيا انه مالك هذا المحل ثم طرد تحت تهديد البندقية البلداوي الذي صار يعرف انه فقد ما دفعه من ايجار للمحل ولعله قد فقد حق استخدام مقدمة المحل التي يبيع فيها الحلوى ومعجون الاسنان وبعض الحاجيات الصغيرة منذ سنة 1992. وقال البلداوي وهو يتطلع الى السماء: «انني اتوجه الى الله لمساعدتي».

وتطوف حاليا تنظيمات مسلحة معادية لصدام، مثل الاتحاد الوطني الكردستاني، شوارع بغداد وتسعى لمصادرة بيوت المسؤولين الكبار السابقين. ويقول المشاركون في هذه العمليات انهم يساعدون في البحث عن قياديين هاربين من النظام السابق، لكن اساليبهم التي تتماثل كثيرا مع اساليب «قطاع الطرق» تبعث الرعب في نفوس ساكني هذه المناطق. فعلى سبيل المثال ظل المؤتمر الوطني العراقي الذي يضم افرادا قدموا من المنافي والمدعوم من الولايات المتحدة يبعث برجاله المسلحين برشاشات كلاشينكوف وملابس عسكرية ليحتلوا عشرات البيوت داخل بغداد. واحيانا كان على القوات الأميركية ان تطرد رجال «المؤتمر الوطني العراقي» من هذه البيوت. ففي يوم الجمعة الماضي ذهب اربعة من ميليشيا هذا التنظيم لاحتلال بيت يعود الى ابن لطيف نصيف جاسم (الذي يحتل رقم 37 في القائمة الأميركية للمطلوبين)، وبعد ان خيرت هذه المجموعة حارس القصر بين المغادرة او القتل، ارسلت قوات اميركية الى المكان واخرجت المتطفلين من دون مقاومة. ولم يفهم رجال المؤتمر الوطني العراقي الذي هم على قناعة كاملة بانهم يحظون بدعم الولايات المتحدة سبب اعتقالهم، وقال احد المسلحين الذي يدعى علي حامد، 25 سنة: «كنا نريد فقط ان نعتني بالبيت». وكان حامد يسكن في ايران حينما سمع باحمد الجلبي زعيم المؤتمر الوطني العراقي عن حاجته لمتطوعين مما دفعه الى العودة للعراق.

وقال العريف جف موسر: «نحن نريد ان نتأكد من ان العائلات في هذا الحي السكني لا تشعر بالانزعاج لمشاهدة البنادق حولها».

لكن بعض المناطق السكنية راحت تقاوم المتطفلين بنفسها. ففي منطقة المنصور الراقية، يقوم المترددون الى المسجد المحلي بحماية بيت مدير الاستخبارات طاهر حبوش (الذي يحتل رقم 14 بقائمة المطلوبين الأميركية). وقام امام المسجد وليد العزاوي، 34 سنة، بارسال حارس من المسجد ليسكن في هذا القصر هو وأسرته. كذلك انشأ إمام المسجد العزاوي مستوصفا صحيا داخل بيت ملحق بهذا القصر يعود الى ابن حبوش. وعلى الرغم من عمله مع نظام صدام فان حبوش يحظى بتقدير ابناء المنصور لتدينه واحسانه. والمسجد الذي بني قبل عامين قد تم تمويله بشكل كامل من اموال حبوش الشخصية وهو يحمل اسمه. وقام سكان ذلك الحي في منطقة المنصور بوضع لافتة بالعربية امام البيت تقول: «هذا البيت هو تحت حماية الناس الذين ينتمون الى المسجد»، وحين حاول مسلحو الاتحاد الوطني الكردستاني والمؤتمر الوطني العراقي مصادرة هذا القصر بالقوة اجبرهم الجيران المسلحون بمسدسات على الهرب، لكن مسلحي الاتحاد الوطني الكردستاني هددوا باستخدام هواتفهم التي تعمل عن طريق الاقمار الصناعية واستدعاء الطيران الأميركي لقصف المنطقة.

لكن معظم أهالي بغداد يعتمدون على مساعدة القوة الأميركية الصغيرة نسبيا داخل بغداد لمواجهة عمليات مصادرة البيوت. فبعد اربع ساعات على تقديم الرجال الثلاثة الذين كانوا في سيارة «الباسات» الحمراء شكواهم للضابط سنايدر تحرك فريق من 9 جنود أميركيين الى البيت الذي تم احتلاله في منطقة القادسية. وبعد مراقبة البيت الذي تبين وجود بعض النساء والاطفال في احدى غرفه الجانبية اخترق الأميركيون البناية ليفاجئوا الرجلين المسلحين اثناء هبوطهما الى الطابق الارضي. حاول احدهما مقاومة الجندي توني سموتو لكن ضربة قوية على وجهه جعلته يهدأ اما الآخر فاستسلم بدون مقاومة ثم رُبط ذراعا كل منهما بقيود من البلاستيك تضيق كلما قاوم الرجلان.

اطلِق سراح النساء والاطفال لكن الرجلين اعتُقلا وبحوزتهما رشاش وعتاد وآلات تفجير لقاذفات الصواريخ، كما كانوا يرتدون ملابس عليها مثلث احمر، وهو علامة الحرس الجمهوري العراقي. ثم اعيد البيت لصاحبه وهو محام عراقي ثري. وقال العسكريون الاميركيون انهم على استعداد لطرد المتطفلين المسلحين من البيوت التي احتلوها لكنهم مترددون في الدخول في النزاعات الجارية حاليا حول ملكية البيوت، لانهم ليسوا في وضع يمكنهم من التوسط بشكل عادل لحلها.

* خدمة «يو.اس.ايه. توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»