..وتسعى لحل بعض الإشكالات في علاقاتها بأميركا وتواجه التبعات الاقتصادية لحرب العراق

TT

يبدو أن حرب العراق وتنامي قوة أميركا في منطقة الشرق الأوسط سلطا الضوء على سورية، التي تريد التواصل مع الغرب سعيا لتعزيز اقتصادها. لكن ذلك لا يعني انها، ولأسباب داخلية، تستطيع التخلي عن مشعل القومية العربية وعن دعم الجماعات المعادية لاسرائيل والتي تعتبرها الولايات المتحدة «ارهابية».

إنه موقف غير مريح بالنسبة لحكومة الرئيس بشار الأسد، البالغ من العمر 37 عاما، والذي حل مكان والده الراحل قبل قرابة ثلاثة أعوام. خلال لقائه بوزير الخارجية الأميركي كولن باول، السبت الماضي، سعى بشار الأسد لحل بعض الاشكالات، وأكدت دمشق للوزير الأميركي انها بدأت باغلاق مكاتب بعض الجماعات الراديكالية في دمشق.

ويمكن لحكومة الأسد الابن دعم شعبيتها في أوساط السوريين اضافة إلى تعزيز مكانتها في أوساط العرب عموما بالتصدي للولايات المتحدة بشأن القضايا ذات الاهتمام العربي. ويعتبر عماد شوبي، المحلل والأستاذ في جامعة دمشق انه قد ينتهي المطاف بسورية وهي في أقوى المواقف بالمنطقة، لأنك «إذا ما قبلت أن تصبح مجرد قمر صناعي في مدار الآخرين، فإنك لن تعود شيئا يذكر ولكن إذا تصرفت كخصم، وليس كعدو، في مجال تنافسي، فإن الناس سيتعاملون معك كقوة ذات سيادة».

لكن وبدلا من التأكيد فقط على السياسات القديمة ذات الطابع الخطابي، قال شوبي إن الحكومة تسعى لإعادة صياغة دبلوماسيتها لتبدو أكثر حركة وإيجابية. وهي تفعل ذلك باقامة علاقات أفضل مع بريطانيا وإسبانيا، عضوي التحالف «اللذين يشكلان أفضل حليفين مرغوبين في أوروبا». وتستفيد سورية أيضا من مقعدها في مجلس الأمن للدفع من أجل إصدار إعلان يتضمن جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وهي مبادرة صممت للتصدي لزعم واشنطن بأن سورية تمتلك أسلحة كيماوية، وللتركيز على اسرائيل، التي يعتقد أنها تمتلك أسلحة نووية.

على ان اعادة ترتيب سياسات الحكومة لن تحمي سورية من المخاطر التي تواجهها. ذلك ان الحكومة السورية مقتنعة بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، لن يفاوض من أجل إعادة مرتفعات الجولان التي احتلتها القوات الاسرائيلية خلال حرب عام 1967، وان ادارة بوش لن تتوسط من أجل التوصل لاتفاق سلام بين البلدين. ولذلك السبب ترى دمشق أنه لا يوجد ما يشجعها على التوقف التام عن دعم الجماعات المسلحة الفلسطينية ومسلحي حزب الله في لبنان.

وقال نبيل سكر، الاقتصادي السابق لدى البنك الدولي: «لا يبدو ان سورية ستذعن للمطالب ـ فهى تعبير عن الاستعمار، ولن تؤتي ثمارها».

وفي الوقت نفسه يخشى الحكم السوري من أن تؤدي سياساته إلى دفع واشنطن لتجاوز حد التحذيرات، وأن تؤدي الإجراءات قصيرة المدى، كغلق الحدود السورية العراقية لمنع عبور المسؤولين العراقيين السابقين، إلى مجرد التخفيف المؤقت للضغوط الأميركية.

ويبدو ان دمشق تسعى بالفعل للتأقلم مع العواقب الاقتصادية لحرب العراق. فأنبوب النفط الذي زود سورية ذات يوم بنحو 150 الف برميل من النفط المدعوم يوميا، لم يعد يعمل، الأمر الذي حرم حكومة دمشق من تصدير كميات مساوية من النفط من أجل الحصول على ما يقدر بـ500 مليون دولار أميركي سنويا.

كان العراق أيضا شريكا تجاريا رئيسيا، ويخشى الاقتصاديون السوريون من أن تنقطع صلة الأسواق السورية بالعراق طالما واصل الجيش الأميركي السيطرة على الشؤون العراقية. كما أن المصانع التي أقيمت لتزويد السوق العراقية بما تحتاج اليه، قد تتعرض على الأرجح لغلق أبوابها.

وإذا ما تواصلت حدة التوتر مع سورية، فإن الولايات المتحدة قد تسعى لفرض عقوبات اقتصادية عليها، وقد تضغط على وكالات التمويل الدولية لوقف تعاونها مع سورية. وبينما قد لا تؤدي مثل هذه العقوبات وحدها إلى اثارة مشاكل اقتصادية، نظرا لحجم التبادل التجاري المحدود بين البلدين، الا أن شن حملة دبلوماسية ضد سورية قد تكبح جماح الاستثمارات الأجنبية.

ويقول سكر: «سيكون الأثر نفسيا إلى حد كبير، حيث ستوضع سورية في موقف سيئ».

على ان دمشق ما زالت تحاول التوصل لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، قد يسهل حركة التجارة ويساعد على تحول البلاد نحو مزيد من الانفتاح، ونحو اقتصاد السوق. وتلك المعاهدة مرتبطة بتحسن السجل المتعلق بحقوق الانسان. يطرح البعض ان جهود الرئيس الأسد المتعلقة باصلاح النظام أتت ثمارها دون أن تحظى بتقدير الغرب، ويقول شوبي: «لا يوجد هناك حرس قديم، لقد تم تحييدهم بالكامل. والرئيس الآن هو أقوى رجل في النظام، وربما ان الناس في الخارج لم يلحظوا ذلك، لكن في الداخل تعد هذه المسألة ملموسة بشدة».

ويقول أنصار الأسد ان الاصلاحات الإدارية التي تبناها، كمسألة التقاعد الاجباري لموظفي الحكومة في سن 62 عاما، أثبتت جدواها في ابعاد الحرس القديم من الحكومة.

لكن مسار الإصلاح الاقتصادي المتعلق بالقطاع الخاص ما يزال بطيئا، وهو ما ينسبه الاقتصاديون للمقاومة الشديدة التي يبديها بعض الحرس القديم الذين اعتادوا الحصول على امتيازات من اقتصاد الدولة. ويقول سكر: «هناك معارضة داخلية للاصلاح لأن هناك العديد من المستفيدين من الأوضاع الحالية».

كما ان المسار البطيء للتحولات الداخلية جاء متوافقا مع نهج سورية الحذر بشأن دورها الاقليمي عقب حرب العراق. فالعديد من المحللين يعتقدون ان التقدم الاقتصادي والسياسي مرتبطان إلى حد كبير بواشنطن، وبطريقة اختيارها للتعامل مع سورية خلال الأشهر المقبلة.

ويقول محمد محفل، الأستاذ في جامعة دمشق: «لا نستطيع بعد اليوم الحديث عن سورية بدون الاشارة إلى علاقتها بالولايات المتحدة. فقد أصبح كل شيء هنا مسيسا بالموقف الأميركي».

*خدمة «لوس أنجليس تايمز ـ «خاص بـ«الشرق الأوسط»