عراقية في المنفى تحلم باستعادة حقوقها: زواجي من مصري تسبب في فصلي من الحزب ومن عملي

جليلة المهدي: سجنت مع زوجي 50 يوما وحاولوا المطالبة بإعدامي بتهمة تحدي إرادة الحزب

TT

بعد انهيار النظام العراقي الذي دفع بنحو 4 ملايين عراقي للهجرة حاملين معهم آلامهم وذكرياتهم، يحلم معظم هؤلاء بالعودة مرة اخرى الى بلادهم في أحد الأيام للعيش او استرداد حقوقهم وممتلكاتهم التي سلبت قسرا.

ومن هؤلاء المواطنة العراقية جليلة المهدي التي أجبرت على الهجرة والهروب من العراق، بعد أن تنازلت عن كل ممتلكاتها بسبب انها تزوجت على غير رغبة حزب البعث الحاكم. تقول جليلة لـ«الشرق الأوسط»: «نشأت كأي مواطنة عراقية في مدينة تكريت مسقط رأس الرئيس العراقي صدام حسين ولا أعرف إن كان من حسن حظي أو من سوئه، حتى أن عمتي كان يزورها صدام حسين في بيتها كلما زار تكريت. وكنت الوحيدة بين عشيرتي وأهلي التي تحصل على الثانوية العامة. ولكي ألتحق بالجامعة كان لزاماً علي أن انضم إلى عضوية حزب البعث الحاكم وفضلت ذلك من دون أن اؤمن بمبادئ الحزب أو أسلوب حكمه ولكن كان ذلك هو الوسيلة الوحيدة للالتحاق بالجامعة والجميع يعرف ذلك».

وتخرجت جليلة من قسم الجغرافيا من كلية الآداب بجامعة بغداد في عام 1981 وعملت بعدها مدرسة لمادة الجغرافيا في احدى المدارس الثانوية. وتدرجت في المناصب حتى أصبحت مديرة مدرسة ذي قار المتوسطة بمنطقة الدجيل بمحافظة صلاح الدين. وفي نفس الوقت تدرجت عضويتها في حزب البعث حتى صارت رئيسة شعبة الاتحاد النسائي في منطقة الدجيل حيث كانت تقيم.

وتقول: «في عام 1986 تقدم أحد المصريين ويدعى حسن السيد محمد للزواج مني وكان يعمل موظفاً في ادارة الري بوزارة الزراعة العراقية. ووافقت على الزواج منه إلا أننا فوجئنا إنه لا يمكن اتمام الزواج بدون الحصول على موافقة الحزب. فتقدمت بطلب إلى قيادة الحزب التي رفضت اعطائي تصريحا بالزواج بدعوى أنه مصري ولا ينتمي لحزب البعث». واضافت «وهنا أدركت أنني أضعت سنوات عمري وأنا أنفذ أوامر قيادة لا تعرف سوى القهر والظلم». تزوجت بمن اختاره عقلها وقلبها بدون موافقة الحزب في الثاني من أكتوبر (تشرين الاول) عام 1986 وتم التصديق على الزواج من قاضي بغداد الأول ويدعى ابراهيم القرداغي في السابع من سبتمبر (ايلول) عام .1987 ولكن بسبب ان التصديق على عقد الزواج وما يتبعه من مراسلات بين المحكمة وبين قيادة الحزب باعتبار ان الزوج غير عراقي، علم القائمون على الحزب بخبر الزواج.

تقول جليلة «قاموا بفصلي من الحزب ثم القوا القبض علي أنا وزوجي حيث قضينا 50 يوماً لا نعرف لما نحن فيه سبباً». وتم حجز جليلة في سجن أبو غريب بجنوب غرب بغداد، ووضعوا زوجها في سجن تكريت، ثم نقلوه إلى سجن سامراء. وحاولوا المطالبة باعدامها بتهمة تحدي ارادة الحزب. وتقول: «قاموا بتعذيبنا طيلة فترة احتجازنا بالسجن. بعدها قرر قاضي الدجيل براءتنا واعتبر احتجازنا في السجن طيلة هذه المدة حفظاً لحياتنا على ألا نطالب بأي شي من قبل الجهات الأمنية. وبعد خروجنا من السجن فوجئت بقرار فصلي من العمل استناداً للأمر الوزاري رقم 6624 الصادر في 28 سبتمبر 1987 والصادر من وزارة التربية والتعليم تصديقاً على قرار فصلي الصادر من ديوان الرئاسة في 16/9/1987 والذي صدر بعد قرار التصديق على قسيمة زواجي بتسعة أيام». وتضيف «ليت الأمر توقف على ذلك فقد حاولوا قتلي أنا وزوجي أكثر من مرة ولكننا استطعنا الهروب إلى بغداد وتخفينا بها لمدة عامين لم أكن أخرج فيها من البيت على الاطلاق كما تنكر زوجي تحت اسم مستعار حتى أنه كان يؤجر البيت من بابه أي لا أحد كان يسكن معنا، في تلك الأثناء استطاع زوجي أن يتعرف بأحد ضباط الجوازات الذين سهلوا له الحصول على جواز سفر لي مقابل مبلغ كبير من المال حتى نستطيع الخروج من العراق. كما أحضروا لي صورة من شهادة تخرجي في الجامعة ولكنهم تعمدوا أن يكتبوا لقبي خطأ حتى يمنعوني من الاستفادة بشهادتي. وخشيت اللجوء للجامعة لتصحيح الخطأ حتى لا أتعرض لهم مرة اخرى.

وتقول جليلة «عند خروجي أنا وزوجي من العراق في مطار صدام الدولي أخذوا مني كل مشغولاتي الذهبية، وأموالي أنا وزوجي، كما استولوا على أغراضي من مفارش وأقمشة وأجهزة فخرجت من بغداد بملابسي التي أرتديها فقط وكان ذلك في العشرين من ديسمبر(كانون الاول) 1989 وجئت إلى مصر ولجأت للسفارة العراقية للمطالبة بحقوقي ووعدني السفير العراقي نبيل نجم في أكثر من مرة باعادة حقوقي أنا وزوجي، إلا أن هذا لم يحدث». وتضيف «عندما هددتهم في السفارة بلجوئي إلى لجنة حقوق الانسان في الأمم المتحدة، قالوا لي ألا تخشين على عائلتك في العراق؟ فآثرت الصمت». وقالت ان والدتها فارقت الحياة في عام 1996 ومنعوها من رؤيتها وماتت وهي تنادي باسمها.

والآن تتساءل جليلة «من يعوضني عن حقوقي التي سلبها ذلك النظام الجائر، فقد فصلوني من عملي من دون منحي أي حقوق أو رواتب ومن دون ذنب اقترفته سوى أنني تزوجت بمن اخترته، كما سلبوني قطعة أرض كنت أمتلكها في بغداد، وحرموني من أهلي وعائلتي وأرضي، هذا غير العذاب الذي شاهدته أنا وزوجي لمدة 50 يوماً في السجن. فمن يعوضني عن هذه الحقوق ولمن ألجأ.. هل أذهب إلى الأمم المتحدة؟ أم السفارة الأميركية وبخاصة أنني لا أعلم هل يحق لي العودة لتسلم ما صادروه مني أم لا؟».