تقرير استخباراتي: «القاعدة» اختارت سياسة التواري والانتظار وتعتبر حرب العراق فرصة لتجنيد المتطوعين

TT

مع تركيز الولايات المتحدة على الحرب في العراق، فان تنظيم «القاعدة»، وإن غاب عن الاضواء، ربما يترقب وينتظر الفرصة الملائمة لتنفيذ هجوم.

وقد حققت الولايات المتحدة سلسلة من النجاحات في حربها ضد «القاعدة»، اذ منذ مارس (آذار) 2001، القي القبض، على الاقل، على خمسة من كبار اعضاء التنظيم الذين يكونون قد وفروا معلومات مكنت السلطات الاميركية من اعتراض هجمات مستقبلية.

ووفقا لتقرير حديث اصدرته وزارة الخارجية الاميركية، فان الهجمات الارهابية انخفضت خلال عامي 2001 و2002 بنسبة 30 في المائة.

لكن بعض المصادر الاستخباراتية وخبراء خارج الادارة الاميركية يعتقدون ان تنظيم «القاعدة» اختار سياسة التواري والانتظار اختيارياً وليس بسبب تعرضه للمطاردة. وهناك ايضاً مؤشر على ان من تبقوا من قياديي «القاعدة» يعتقدون ان الحرب في العراق تؤدي الى حشد موجة جديدة من المجندين الذين خاب املهم في الاجراءات الاميركية.

ويقول تقرير استخباراتي اعدته دولة اوروبية شريكة في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الارهاب: «قد يكون للاطاحة بنظام صدام حسين اثر محفز على عملية حشد المجندين من قبل «القاعدة». وعلى الرغم من النجاحات البارزة التي حققناها ضدهم والضغوط التي شكلناها عليهم، فاننا لا نستطيع القول ان تنظيم «القاعدة» بات ضعيفا، ناهيك من تدميره».

ويعرب التقرير عن القلق من انه، منذ سقوط نظام طالبان، واصلت «القاعدة» القيام باعمال اعتادت تنفيذها طوال الاعوام الماضية، مثل الانتشار والتأقلم مع مساعي الولايات المتحدة وحلفائها المتعلقة باعتراض منابع الدعم. وتمكنت شبكة «القاعدة» في الآونة الاخيرة من تحقيق الآتي:

ـ استبدال عدد من كبار القادة مع التقليل من حدة المركزية في عملياتها، وتحويل العديد من انشطة الاستقطاب والتدريب والتخطيط الى جماعات اصولية محلية.

ـ شن هجمات لاستعادة قواعد في افغانستان.

ـ اعادة تنظيم عملية التمويل للتنظيم بطريقة تجعل تعقبها اكثر صعوبة.

وخلال الاسبوع الماضي فقط، نصح مسؤولون اميركيون رعاياهم بعدم السفر الى السعودية، بزعم تلقيهم معلومات «موثوقة» تتعلق بخطط حول هجوم على مصالح اميركية هناك. كما القي القبض في باكستان على ستة اعضاء من «القاعدة» بينهم عضو بارز يشتبه في تورطه في الهجوم على المدمرة الاميركية «كول» في اليمن عام 2000. وادت عملية القبض هذه الى احباط هجوم على القنصلية الاميركية في كراتشي، حسبما افادت بعض التقارير.

وفي الوقت نفسه، يشير مسؤولو الاستخبارات والخبراء في مكافحة الارهاب الى ان «القاعدة» لم تشن خلال العامين الماضيين، على الاطلاق هجمات كبيرة شبيهة بهجمات 11 سبتمبر او تفجير السفارتين الاميركيتين في شرق افريقيا عام 1998. لكن العديد من تلك الهجمات جرى التخطيط لها لمدد تزيد عن اربعة اعوام، وهي مسألة تثير قلق المسؤولين بشان ما قد يكون قيد التخطيط في الوقت الراهن.

وتطرق جزء من التقرير الاستخباراتي الاوروبي الى اعتقال قيادي «القاعدة» خالد شيخ محمد في مارس الماضي. وجاء في التقرير: «لم نتمكن بعد من التعرف على من سيتولى المهام كمسؤول عن العمليات والتخطيط» بعد اعتقال خالد شيخ. لكن التقرير اشار الى ان هناك شعوراً بالقلق بشأن الهجمات التي قد تكون قيد التخطيط، وان خلايا «القاعدة» قد تكون على اهبة الاستعداد وتنتظر اشارة لتنفيذ مهامها في اي عدد من الدول.

كما يوضح التقرير ان «القاعدة» اثبتت ان لديها قواعد عميقة، مشيراً الى تدرب آلاف الاشخاص في معسكرات افغانستان.

ويقول مسؤول استخباراتي اميركي بارز: «اذا تساءلنا ما اذا كان التنظيم قد تضرر نتيجة للخسائر الذي لحقت به، فان الاجابة ستكون: نعم بالتأكيد، لكن ليس هناك ما يشير الى عدم تعويض هذه الخسائر».

ومع استمرار تخفي أسامة بن لادن وكبار مساعديه، سيتوجب على قادة «القاعدة» استغلال النزاعات في انحاء العالم حيث يتمركز الموالون للتنظيم. ويشير التقرير الاوروبي الاستخباراتي الى ان اهم مراكز اتصال «القاعدة» في الوقت الحالي تتمثل في تجمعات بباكستان وجنوب شرقي آسيا وشرق افريقيا. وفي معظم هذه المناطق، تسود مشاعر عداء واضحة تجاه اجراءات الولايات المتحدة وسياساتها، مما يؤدي الى توفر الاجواء الخصبة للتجنيد بالنسبة لـ«القاعدة».

ويقول غريج فيلي، الخبير في الشؤون الآسيوية بمعهد جون هوبكنز للدراسات الدولية في واشنطن: في اندونيسيا هناك شعور عام بالاستياء من السياسات الاميركية، التي يعتبرونها مخالفة للقانون الدولي. من الممكن جدا ان تؤدي الحرب في العراق الى تجنيد المزيد من الناشطين في اندونيسيا».

ولا تزال مصادر تمويل «القاعدة» اهم مشكلة بالنسبة لاجهزة الاستخبارات الاميركية والغربية. وقال مسؤولون استخباراتيون وخبراء ان «القاعدة» تواصل اعادة تنظيم آليات حصولها على الدعم المالي. وقد جمدت الولايات المتحدة قرابة 125 مليون دولار تابعة لاشخاص ومنظمات، مثل جمعيات خيرية يشتبه في انها مولت بشكل مباشر او غير مباشر «القاعدة». لكن المسؤولين يطرحون ان اجمالي الاصول المالية للتنظيم، والاساليب التي يتبعونها لتحويل الاموال، ما زالت غير معروفة. ويقول التقرير الاستخباراتي ان تنظيم «القاعدة» ما يزال الى حد كبير يستخدم مجالات تجارية «مشروعة».

وقال انطوني واين، مساعد وزير الخارجية للشؤون الاقتصادية والتجارية، خلال جلسة استماع عقدها مجلس النواب بشان الارهاب العالمي: «لقد جعلنا من الصعوبة بمكان على الارهابيين ان يجمعوا الاموال ويحركونها، لكن رغم نجاحنا في اعتراض عمليات سوء استخدام الانظمة المصرفية على المستوى الدولي، فان الارهابيين باتوا يميلون الى حد كبير نحو الجمعيات الخيرية وانظمة تحويل الاموال البديلة».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»