واشنطن تعتبر موقف طهران من بغداد «معقولا» وسط مؤشرات خجولة على تقارب أميركي ـ إيراني

TT

بدت بعض علامات الارتياح على اسارير كل من الولايات المتحدة وايران فيما يمكن ان يكون خطوة أولى نحو عودة التقارب بينهما في اعقاب سقوط عدوهما المشترك الرئيس العراقي صدام حسين. وقبل ان تقود الولايات المتحدة تحالفها العسكري لغزو العراق، كانت ايران تشكو من ان مكافأتها على موقفها المعارض لحكم طالبان في أفغانستان، كان جمعها مع كوريا الشمالية والعراق على قائمة ما يسميه الرئيس جورج بوش بـ«محور الشر». والآن، وبعد مساندتها للعديد من فصائل المعارضة العراقية التي تؤيدها أميركا، فضلاً عن تأييدها الصامت للحملة الأميركية على العراق، اتهمت ايران باثارة القلاقل في اوساط شيعة العراق.

وفي المقابل انتقدت ايران ما اسمته بـ«الأهداف الاستعمارية الحقيرة» للولايات المتحدة.

ولكن يبدو ان لغة التخاطب الحادة لا تحمل تهديدات جدية، حسب ما تؤكد الدوائر الدبلوماسية والمحللون ومسؤولو البلدين فقد كان للانتصار الأميركي العسكري على العراق اثره في تشجيع أحد كبار رجال الدين في ايران على الترويج علناً لامكانية إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة (وهوموضوع يشغل اذهان 65 مليون ايراني بشكل واسع في البلاد). ولكن، مع مراجعة الطرفين لمواقفهما المتزمتة تجاه بعضهما بعضا وحصيلة ربع قرن من الثقة المفقودة بينهما، بدأ المراقبون في ايران يتحدثون الآن عن فرص مفوتة، وتعطي مثالا على ذلك شكوى الولايات المتحدة العلنية من محاولات ايران التأثير على شيعة العراق المتململين من وضعهم اصلاً.

وبرغم ما تبديه الولايات المتحدة من احتجاجات يقول دبلوماسي أميركي: «ان ما نحمله عنهم من انطباع هو انهم يتصرفون بشكل معقول الى حد كبير حتى الآن». وتعد ايران نفسها زعيمة لابناء الطائفة الشيعية اينما كانوا (ويصل عددهم الى 120 مليوناً) وذلك منذ عام 1979 تاريخ قيام الثورة الاسلامية التي اطاحت بنظام الشاه السابق محمد رضا بهلوي الذي نصبته الاستخبارات الأميركية حاكماً على ايران منذ عام 1953في انقلاب عسكري. كما ان وبعض المتشددين في ايران يؤيدون فكرة تبني العراق لنظام متشابه للنظام الايراني، ويقول حسين شريعتمداري، المحرر بصحيفة «كيهان» ـ وهي الصحيفة الاكثر محافظة والناطقة باسم الحكومة: «بالطبع هذه هي أمنيتنا القصوى».

ولكن مسؤولا في وزارة الخارجية اشار اخيراً الى ان الحكومة الايرانية لا تنوي القيام بمثل هذا العمل، فيما يؤكد المحللون ان ايران صرفت النظر نهائياً عن «تصدير الثورة الاسلامية» الى خارج حدودها بعد ان فقدت مليون مقاتل من خيرة رجالها وأبنائها في حرب الثماني سنوات مع العراق في الثمانينيات . وقد تم تبني هذه السياسة رسميا ابتداء من عام 1997اثر انتخاب الرئيس الحالي محمد خاتمي الذي يدعو الى «الحوار بين الحضارات».

وفي ما يتصل بالمسألة العراقية فان العديد من المحللين يقولون ان ايران تتردد كثيراً في التدخل في العراق خوفاً من اغضاب الأميركيين. وتدعو السياسة الرسمية الايرانية في العراق الى تطبيق المبدأ الأساس للديمقراطية ، أي ان يكون لكل ناخب صوتا واحدا، علماً بأن نسبة السكان الشيعة في العراق تصل الى57 في المائة على الاقل.

ومن جهة اخرى تشكل مساعي ايران المستمرة لتطوير برنامج نووي احدى العوائق الكبيرة في وجه تحسين مستوى التقارب مع الولايات المتحدة، غير ان الحكومة الايرانية تعلل ذلك بأنها تخطط لبرنامج نووي لمواجهة احتياجاتها المتصاعدة من الطاقة الكهربائية في البلاد.

ورغم هذا التوضيح فان جون وولف، مساعد وزير الخارجية لشؤون الحد من انتشار التسلح النووي، قال مرة: «ان ايران تمتلك برنامجاً نووياً سرياً ينذر بالخطر، ومن شأنه ان ينتج اسلحة نووية. وان ايران تسير في ذات الطريق الممعن في النكران والخداع والذي أدى الى الارتباك في أعمال التفتيش الدولية في كل من كوريا الشمالية والعراق».

وعقب الحرب مباشرة اتفق كل من المحافظين والاصلاحيين على السواء في ايران على مطالبة الولايات المتحدة بنزع اسلحة جماعة «مجاهدين خلق» الايرانية في الخارج التي تحارب الحكومة الايرانية منذ عام 1970 بدعم وتسليح من صدام حسين.

وتعد الولايات المتحدة منظمة «مجاهدين خلق» ارهابية، ولكن بعد ضرب مواقعها في العراق اثناء الحرب أخيراً ولعدة أيام متكررة، توصلت القيادة الأميركية المركزيةالى اتفاق هدنة مع مقاتلي المنظمة يسمح لهم بالاحتفاظ بأكثرية اسلحتها، على الاقل بصفة مؤقتة.

وبنتيجة ذلك أبدت ايران استياءها العميق من اتفاقية وقف اطلاق النار مع «مجاهدي خلق». ووصف رئيس الحرس الثوري في ايران الاتفاقية بأنها ستكون اختباراً لاستمرار الحرب ضد الارهاب.

ويقترح مصطفى تاج زاده ،هو مسؤول استراتيجي مرموق في حكومة المحافظين الايرانية، على الولايات المتحدة بأنها اذا وافقت على تسليم بعض أفراد تلك المنظمة الى ايران، فان بعض المتشددين الايرانيين قد يجدوا انفسهم مضطرين لتسليم الولايات المتحدة العديد ممن يمكن اعتبارهم من كبار مسؤولي تنظيم «القاعدة» الذين هربوا من أفغانستان ولجأوا الى ايران، فضلاً عن تسليم قادة تنظيم «أنصار الاسلام» وهي مجموعة مليشيات اسلامية سبق ان طردتها القوات الأميركية من شمال العراق.

واثناء الحرب على العراق كان التعاون الذي أبدته ايران مع الولايات المتحدة كبيراً الى حد حمل دبلوماسي مسؤول على القول «أمر لم يحدث من قبل»، فقد قفلت ايران حدودها في وجه مجموعة أنصار الإسلام، كما انها لم تحرك ساكناً تجاه انتهاكات الطائرات الحربية الأميركية لمجالها الجوي، بل حتى الصواريخ التي وقعت في ايران عن طريق الخطأ لم تواجه، الا نادرا، باحتجاجات من ايران. وجدير بالتذكير ان ايران كانت تستضيف الفصائل العراقية المعارضة التي تدعمها ادارة الرئيس بوش.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»