أحمد غزالي: الوضع في الجزائر في حالة تقهقر والخطر الأميركي لا يقتصر على العراق

TT

قال سيد أحمد غزالي رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق إن الجزائر هي من بين الدول العربية والإسلامية المستهدفة من قبل الولايات المتحدة للسيطرة عليها لكونها دولة نفطية كبرى ومركز عبور استراتيجياً للأسطول العسكري الأميركي.

وأعرب غزالي في حديث لـ«الشرق الأوسط» عن تشاؤمه حيال الوضع في الجزائر وقال إن هذا الوضع هو في حالة تقهقر شديد، وان الطبقة السياسية الحاكمة لا يهمها سوى التشبث بالسلطة.

* كيف تقيمون الوضع الحالي في الجزائر في ضوء عدم تحمس المواطن الجزائري للتغيير السياسي وانشغاله بتلبية احتياجاته اليومية؟

ـ إن الوضع في الجزائر لم يحدث فيه أي تغيير إلى الأفضل، بل على العكس فهو في حالة تقهقر، والسبب في ذلك يعود إلى أن الطبقة السياسية الحاكمة في الجزائر وعلى مدى عقدين لم يكن يشغلها سوى التشبث بالسلطة.

وأنا لا أدعي أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد ورث الحكم في الجزائر وهي على أحسن حال، لكن المسؤولية التي تقع هي عليه أنه لم يهتم بتغيير الوضع في الجزائر الذي استمر في التقهقر في جميع القطاعات إلى أن وصل الأمر إلى نقطة اللاعودة. ما أخشاه أنه بقدر ما يمر الوقت بقدر ما تتضاءل فرص إيجاد حلول للمشاكل التي تعاني منها الجزائر منذ فترة طويلة، فمنذ عشرين عاما والجميع يتحدث عن الأزمة في الجزائر وطالما لم نجد حتى الآن حلا لقضية شرعية السلطة فإن الأمل في الخروج من الوضع الصعب الذي تمر به الجزائر يصبح منعدما.

* كيف تتعامل أحزاب المعارضة مع الوضع السائد حاليا في الجزائر؟

ـ إذا انطلقنا من التعريف الأصلي للحزب، فإنه لا توجد أحزاب سياسية معارضة في الجزائر باستثناء حزبين أو ثلاثة، أما البقية فهي أحزاب مفتعلة. وإذا استثنينا الحزب الشيوعي وجبهة القوى الاشتراكية اللذين يعود وجودهما إلى عام 1963، فكل الأحزاب التي جاءت بعد أكتوبر (تشرين الأول) 1988 هي من صنع النظام، وبالتالي فإنه ليس من الممكن الحديث عن وجود حقيقي للتعددية السياسية في الجزائر. وأعطي مثالا على ذلك أن حزب الوفاء (الذي يتزعمه أحمد طالب الإبراهيمي) وحزب الجبهة الديمقراطية (الذي يتزعمه أحمد غزالي) لم يحصلا حتى الآن على التأشيرة القانونية على الرغم من مرور ثلاث سنوات على إيداع حزب الوفاء، وعامين وسبعة أشهر بالنسبة لحزب الجبهة الديمقراطية.

عندما يسأل وزير الداخلية عن أسباب التأخير في الرد على طلب هذين الحزبين، تكون إجابته أن الملف هو قيد الدرس، وعندما تتم مواجهته بأن القانون الجزائري قد حدد مهلة الرد بشهرين يكتفي بالقول إن مهلة الشهرين غير كافية.

* من الذي يتحمل مسؤولية هذا الوضع؟ أين دور النخبة السياسية والمجتمع المدني؟ وهل نعلق كل هذه الأخطاء على شماعة الدولة الجزائرية فقط؟

ـ المسؤولية جماعية وتتحملها كل الأطراف بمن في ذلك الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي أعلن في مناسبات عديدة أنه ليس مسؤولا عما حدث في الجزائر عندما كان في الخارج لمدة عشرين عاما.

* هناك الآن هوة كبيرة بين المواطن والسلطة، المواطن الجزائري يؤمن بأن كل من مارس السلطة في وقت ما هو مسؤول، وأنا أعتبر نفسي أتحمل قسطا من المسؤولية؟

وبكل الصراحة والمرارة، فإننا حتى الآن لم نسلك الخطوة الأولى في بناء الديمقراطية وقد بعثت برسالة مفتوحة يوم 9 أبريل (نيسان) الماضي إلى رئيس الدولة، قلت له فيها «إنك دائما ترفع شعار الدفاع عن جزائر العزة والكرامة وإنك أعدت إليها مكانتها في الساحة الدولية، فهل من الممكن أن تفسر لي كيف صمتت الجزائر عن ما يحدث من اعتداء سافر على العراق يتنافى مع القانون الدولي؟»

* لماذا جاءت الرسالة في هذا التوقيت بالذات؟

ـ لقد تضمنت الرسالة قضايا أخرى تتعلق بأن الخطر الأميركي لن يتوقف عند العراق بل سيطال دولا عربية أخرى، من بينها الجزائر ولكن ليس بالضرورة على غرار ما حدث للعراق. وأنا أعتقد أن أي بلد عربي له القدرة والإمكانيات لتهديد أو منافسة إسرائيل لن يفلت من قبضة الولايات المتحدة، وهذا لا يقتصر فقط على الدول العربية بل يشمل أيضا الدول الإسلامية. والجزائر بعد الاكتشافات البترولية المهمة عام 1994 و1995 دخلت دائرة اهتمام الولايات المتحدة بالإضافة إلى كونها تمثل مركز عبور استراتيجياً للأسطول العسكري الأميركي، ولذلك بعد استحواذها على الثروات النفطية العراقية ستمتد لتطال الجزائر إن آجلا أو عاجلا حتى لو كان ترتيبها في الأجندة الأميركية يأتي بعد إيران والسعودية ومصر وسورية.

* ألا تعتقد أن مشكلة الصحراء الغربية تشكل مدخلا للولايات المتحدة لاستهداف الجزائر؟

ـ ليست هي المدخل الوحيد، ولكنها من بين المداخل، لأن الولايات المتحدة عندما تستهدف بلدا فهي تسعى إلى خلق بؤر توتر أو تفجير خلافات موجودة على غرار مشكلة القبائل.

وأنا متأكد الآن أن الإدارة الأميركية التي كانت تسعى قبل عام 1994 إلى إيجاد حل لقضية الصحراء لا تقوم بذلك الآن، فهي تريد أن تبقي هذه المشكلة من دون حل، كما أنها تفضل الإبقاء على حالة الفوضى داخل الجزائر، لأن ذلك يخدم أطماعها، كما أعتقد أن الخطة الأميركية في منطقة المغرب العربي سوف تستهدف الدول البترولية وأعني هنا الجزائر وليبيا.

* هل تنوي الترشح للانتخابات الرئاسية التي ستجري العام المقبل في الجزائر؟

ـ من السابق لأوانه الحديث الآن عن الانتخابات الرئاسية لأن هناك قضايا وطنية أكثر حدة وأهمية، وأعني هنا البطالة والفقر وأزمة السكن وتكريس المسار الديمقراطي، ومما يؤكد صحة ذلك أن رئيس أركان الجيش محمد العماري. قال إنه تم حل قضية الإرهاب، فيما السياسيون لم يقوموا بمعالجة الأسباب التي أدت إلى الإرهاب.

وأنا أعتقد أن من مظاهر عدم معالجة الدولة حتى الآن لهذه الأسباب هو استمرار المشكلة الأمنية في الجزائر وفي تصوري أن تعمد النظام في الجزائر بالحديث الآن عن الانتخابات الرئاسية التي ما زال يفصلنا عن موعدها عام كامل، الهدف منه هو تحويل اهتمام الرأي العام عن القضايا السياسية الأكثر أهمية في الجزائر.