داخل مقر الأمن الداخلي العراقي: السجناء والمفقودون سجلوا أسماءهم على جدران زنزاناتهم وأحدهم كتب على الحائط «فندق السعادة»

TT

يمكن اعتبار ان جزءاً اساسياً من تاريخ العراق تحت حكم صدام حسين مجسد في ابواب زنازين وجدران سجن واحد. فقد كُتبت اكثر الفصول ظلمة في مجمع دائرة الامن الداخلي بمقر الاستخبارات، وهو اكثر المواقع رهبة بالنسبة للعراقيين العاديين وكذلك لمعظم المحتجَزين الذين تنتهي اقدارهم داخل هذا المبنى.

كتب احد السجناء: «انت المحترم الذي ستقرأ هذا، اعلم اننا غير مذنبين في اي جريمة، ولم يكن الامر سوى تهمة ملفقة. اننا سنخرج من هنا ان شاء الله». وقال المقدم جيم غالاغر الذي كان يرافق مراسلا صحافيا ومترجما خلال متاهة المباني التي تعرضت للسرقة والقصف: «لقد كان هذا بالفعل مقر الشرطة النازية». وقال المترجم: «في العراق هناك قناعة عامة انه في حال اخذك الى مركز الامن فانك ستُقتل، واذا استطعت ان تخرج فانك تكون قد خرجت من حلق الاسد». كان المترجم نفسه ضابطا سابقا في الجيش العراقي وفضَّل عدم كشف اسمه خوفا من الانتقام من مسؤولين امنيين سابقين فقط لدخوله هذا المكان.

«اللهم احفظني» هي الرسالة الوحيدة التي تركها سجين في القسم الاكثر رقابة داخل مركز الاحتجاز. وعلى الرغم من ان معظم الزنزانات قد تم تفريغها على يد النهّابين، فان هناك بعض محافظ النقود وشهادات الميلاد وبطاقات الهوية الشخصية منتشرة على ارضية مكتب استقبال المحتجزين الواقع بالقرب من مدخل السجن. بعض المساجين اكتفوا بالتوقيع على الجدران: فارس ابراهيم، وليد سيد علي الكربلائي، حيدر جوادي. وقال المترجم: «لم يكونوا يعتقدون انهم سيخرجون احياء، لذلك تركوا اسماءهم على الجدران. كانوا يأملون ان ينقل شخص ما لاحقا ما كتبوه مثلما تفعل الآن».

لم يكن دخول كل النهّابين الى مجمع الامن الداخلي لغرض اخذ الاثاث والاشياء المادية الاخرى وبيعها بسرعة، بل هناك من اخذ قائمة باسماء بعض الناشطين الشيعة الذين اعدِموا داخل السجن. والكثير من الوثائق المتعلقة باولئك وجدت معلقة على جدار قاعة اجتماعات في «مدينة صدام» التي تسكنها اغلبية شيعية.

اما ابراهيم متعب العامري فقد استخدم اسلوب السخرية فيما خطه على الجدار حين سمّى المكان بـ«فندق السعادة». وبالنسبة للمحتجزين لم يكن هناك اي شيء لطيف داخل هذا المجمع المكون من بنايات خرسانية محاطة بجدار مرتفع. ومع ذلك، فحياة المسؤولين الامنيين داخل هذا المجمع كانت على عكس حياة سجنائهم، اذا كانوا ينعمون بالراحة الكاملة بل المترفة جدا حتى ضمن مقاييس الحياة داخل العراق. هناك زوايا استمتاع خاصة ذات مستوى راق وملاعب للتنس ومسبح بل حتى قاعة سينما.

ومهمة هؤلاء المسؤولين كانت تشخيص وتصفية اي شخص قد يشكل اي خطر على نظام صدام حسين. وهذا يعني عمليا ان كل شخص في العراق قد وضِع الى حد ما تحت المراقبة. والادلة على هذا النظام الامني الضخم منتشرة داخل كل الطابق الثاني من البناية الواقعة في وسط المجمع. واذا كان النهّابون قد مروا من هنا فانهم مع ذلك تركوا وراءهم اكثر محتويات البناية اهمية: آلاف الملفات والمستندات التي تمثل عمل وكالة استخبارات تبحث عن اي سبب للبدء بالتحقيق. ومن بين الوثائق، قائمة بأسماء المخبرين الذين يعملون في ميدان صناعة الاسلحة.

قد تساعد وثائق من هذا النوع بضمنها وصولات دفع الرواتب ومعلومات عن العاملين في المجمع وملفات التحقيق، على تشخيص وتصفية المسؤولين في النظام البائد بل وحتى محاكمتهم. كذلك تشكل الملفات اهمية فائقة لانها تكشف عن مدى حذر صدام حسين وعدم تركه لأي شيء محكوما بالصدفة.

لم تكن «جريمة» حنان حسن عبيد محمود سوى انها ارادت ان تتزوج. سُحب ملفها من بين عدد كبير من الملفات المشابهة المرمية على ارضية المكتب، وفيه يتضح ان شعبة الامن في الدورة كانت قد ارسلت استفسارا يوم 24 فبراير (شباط) 2000 الى مقر بغداد الرئيسي لمعرفة ما اذا كان لدى المسؤولين هناك معلومات عنها. وكجزء من العملية، تكشف الوثائق افراد عائلتها باكملهم والبالغ عددهم 13 فردا بمن فيهم والدها ووالدتها واخوها واخواتها، وهؤلاء جميعا تم التحقيق معهم للتوثق مما اذا كان اي منهم قد شارك في اي نشاط معارض لنظام صدام حسين. وقال غالاغر: «هذه هي آلية عمل الدولة البوليسية».

كانت سليمة عباس نصر نافع ربة بيت في البصرة يوم 8 مارس (آذار) 1997، ويظهر ملفها انها لم تكن عضوا في حزب البعث. كذلك يتضح انها لم تقم بأي عمل غير مقبول. لكن عملاء الاستخبارات ارادوا التحقيق معها حول احتمال تورطها في نشاطات معادية لنظام صدام حسين لان هناك قناعة بمشاركة واحد من ابناء عمها في نشاطات منظمة شيعية. والمعلومة الوحيدة في ملف سليمة نافع هو انها «جيدة في سلوكها».

في حجرة اخرى كانت هناك ملفات كثيرة مكدسة تتعلق بافراد يشتبه في انتمائهم الى حزب الدعوة الشيعي. وكان صدام حسين قد حظر هذا التنظيم واعتبر ان انتماء اي شخص اليه يكفي لإنزال عقوبة الاعدام بحقه. وكشف ملف هاشم عبيس انه كان يعمل في الجيش بالقرب من الحلة وانه لم يكن عضوا في حزب البعث وانه لم يكمل سوى دراسته الابتدائية. ويقول الملف ايضا انه كان عضوا في حزب الدعوة. لكن الملف يقول ان سمعة عبيس وعائلته «جيدة» وحالة «استقراره» النفسي «جيدة». لكن الملف يشير الى ان بعضا من اقاربه قد اعدموا، واضافة لذلك فان ابن عمته قد اعتُقل لثلاثة اشهر للاشتباه في انتمائه الى حزب الدعوة لكنه اطلق سراحه لعدم وجود ادلة ضده. ولكن ذلك كله لم يمنع عناصر الاستخبارات من البدء في اجراء تحقيق مع عبيس.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»