الناطق باسم حركة قرنق لـ«الشرق الأوسط»: توقيع اتفاق مع الحكومة لا يعني نهاية للحروب في السودان

ياسر عرمان: لا حاجة لنا بالدبابين بعد السلام ولن نرفع السلاح لقمع المناطق الأخرى المهمشة

TT

تنطلق اليوم الجولة الخامسة من مفاوضات السلام السودانية، بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، وهي الجولة التي يعتبرها المراقبون «حاسمة» لتحقيق سلام عادل طال انتظاره وإنهاء حرب اهلية دامت في مرحلتها الثانية 20 عاما، سقط خلالها نحو مليوني قتيل. ومنذ اختتام الجولة الرابعة الشهر الماضي مرت بالبلاد أحداث كبيرة، من بينها تطورات عسكرية في دارفور، واحتلال مجموعة مسلحة مطار الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، واجتماعات المعارضة السودانية في اسمرة واعلانها فتح باب مفاوضات مع الحكومة التي اطلقت مبادرة جديدة في اتجاهها، وعلى الصعيد الخارجي جاءت الحرب الاميركية البريطانية على العراق لتضع ظلالا على مجريات الاحداث في السودان والمنطقة. ولمعرفة تأثيرات كل ذلك على مجرى المفاوضات المقبلة التقت «الشرق الأوسط» الناطق باسم حركة قرنق، وهذا نص الحوار:

* اتهمتكم الحكومة بانكم وراء احداث دارفور، ما ردكم؟

ـ الحكومة تتحدث بأكثر من لسان، ومنهم من قدم لنا شهادة براءة مثل الدكتور ابراهيم احمد عمر (الامين العام للحزب الحاكم) ووزير الخارجية (الدكتور مصطفى اسماعيل)، وهناك من اتهمنا مثل الفريق ابراهيم سليمان (حاكم ولاية شمال دارفور) واللواء ادم حامد (حاكم كسلا).. نحن لا نحتاج براءة هؤلاء ولا اتهامات اولئك.. واتهامنا بما يحدث في دارفور يعد خرقا في حد ذاته لاتفاق وقف العدائيات وملحقه الذي نص على وقف الحملات العدائية. ونقول ان قضية دارفور قضية قديمة ومتجددة، ومعلومة منذ زمن للقاصي والداني وهي لن تحل بالاتهامات الزائفة ولن تحسم بالحلول العسكرية والاجراءات الامنية فهي قضية عادلة تحتاج الى حوار سياسي جاد. فالاتهامات اسطوانة مشروخة.. فهؤلاء اتهموا اسرائيل واريتريا والحركة الشعبية. ونحن لن نكون مشجبا لاحد لتعليق فشله ولا علاقة لنا بالعمل العسكري في دارفور وفي نفس الوقت نحن نتضامن سياسيا مع أهل دارفور فهم اصحاب قضية لا بد من حلها.. ووضع النظام الان مثل ما يقول المثل السوداني القديم «شملة كنيزة هي تلاتية وقدّها رباعي».

* ولكنكم اعترفتم في السابق بتدريبهم.. هل لا يزال هناك تنسيق؟

ـ لم نقم بتدريب احد في دارفور ولكن نحن نتضامن سياسيا مع قضية دارفور ونعتبرها مثل قضية الجنوب في جوهرها العام فالتهميش السياسي والاقتصادي والثقافي، هو القاسم المشترك بين المنطقتين ومناطق اخرى ولكن بنسب متفاوتة. وقد برهنت الاحداث الاخيرة ان الحل الشامل والعادل الذي ندعو له هو الطريق الصحيح.

* البعض يقول ان معارك دارفور كانت بهدف المطالبة بنصيب للمنطقة في السلطة والثروة بعد نجاح الجنوبيين في ماشاكوس؟

ـ نحن منذ عام 1983 وليس منذ ماشاكوس نرى ان قضية الجنوب هي في جوهرها قضية لكل السودان، وما يعاني منه الجنوب تعاني منه دارفور وشرق وشمال ووسط السودان.. والدولة السودانية باكملها في حاجة الى اعادة هيكلة السلطة، واعادة توزيع الثروة والتوازن في العلاقة بين المركز والاقاليم لمصلحة الاقاليم التي ستكوّن المركز الجديد وليس العكس.. واحترام التعددية الثقافية التاريخية والمعاصرة والاتفاق على مشروع وطني على اسس جديدة هو الحل الذي يخاطب استراتيجيا قضايا السودان.

* هل يعني ذلك اننا سنشهد صراعات جديدة لحل مشاكل المناطق الاخرى بعد حل قضية الجنوب؟

ـ حل قضية الجنوب ليس بديلا لحل قضايا المناطق الاخرى التي تحمل السلاح.. والقضية ليست بين الشمال والجنوب.. فالشمال به النيل الازرق وجبال النوبة ودارفور وكردفان والشرق والشمال البعيد والوسط وجميعهم يعانون من نفس المشاكل التي يعاني منها الجنوب مع اختلاف الدرجات.. وعلينا الحل بالجملة بدلا من التجزئة والحلول القطاعية.

* ألم يكن الاجدى حل كل هذه المشاكل في ماشاكوس حفظا للوقت كما يطالب التجمع؟

ـ النظام هو الذي يفرض ذلك.. ونحن سنلتزم بماشاكوس وسنطرح وجهة نظرنا عبرها.. ونتمنى ان يستجيب النظام قبل ضحى الغد.

* الا ترون ان الحل الجزئي يعقد القضية؟

ـ نحن نتعامل في ظل توازنات دقيقة داخلية وخارجية والنظام لا يريد حلولا شاملة وهو الذي يسعى الى تقسيم السودان على اساس ديني.. الشمال يحكم بالشريعة والجنوب علماني.. وعليه وحده تقع المسؤولية. نحن مع حل شامل واجماع وطني كامل وليس كل ما يتمناه المرء يدركه.

* الحركة تنادي بتحرير السودان وحل مشاكله جميعا، لكنها الان تبدو وكأنها تحل مشكلة الجنوب فقط؟

ـ الاتفاق الحالي له ما بعده وهو عملية مستمرة وليس حدثا نهائيا.. وهو مختلف عن اتفاق الانانيا 1 (الثعبان السام).. واذا تم التوصل الى اتفاق سلام الان فان الحركة الشعبية ستتحول الى حركة جماهيرية عريضة في كل السودان في ظل نظام تعددي وستحتفظ بجيشها.. وسيتحول الصراع من استخدام الادوات العسكرية الى استخدام الوسائل السلمية.

* هل معنى ذلك انكم تفضلون حل القضايا الاخرى بالوسائل السلمية؟

ـ في كل الاحوال نحن كحركة تحرر وطني.. لن نشارك في قمع المناطق الاخرى المهمشة، ولن نرفع السلاح في وجه منطقة تطالب بحقوقها.. ونطرح الان المؤتمر الدستوري كجزء من عملية الايقاد واذا تم الاتفاق على المؤتمر الدستوري فبالامكان مخاطبة مشاكل المناطق الاخرى.

* ماذا عن اجتماعات التجمع الاخيرة، ولماذا عارضتم حوار التجمع مع الحكومة في البداية؟

ـ التجمع سبق ان اتخذ قرارا بعدم التفاوض في منبرين.. ورغم ذلك وافقنا على حوار التجمع مع الحكومة وفوضنا رئيس التجمع للالتقاء بقيادات النظام لبحث مبادرتهم الجديدة التي خصصت للتجمع. وخيارنا المفضل دائما هو مشاركة التجمع في الايقاد للوصول الى حل شامل واذا رفض النظام، عليه ان ان يقدم لرئيس التجمع ما يقترحه من آلية جديدة والمكان والزمان وان يعطينا الاسباب التي تجعله يرفض مشاركة التجمع في الايقاد.

* هل لديكم تفاصيل حول المبادرة الحكومية الجديدة؟

ـ المبادرة قدمت في اتجاه الحزب الاتحادي الديمقراطي في الداخل اولا.. ورفض الحزب اي اتفاق ثنائي واتفق مع النظام لتقديمها للتجمع، والتجمع فوض رئيسه الميرغني للتباحث مع النظام والرجوع لهيئة القيادة لاتخاذ الاجراءات اللازمة؟

* هل يلتقي الميرغني البشير؟

ـ الميرغني مفوض بلقاء قيادات النظام جميعها.

* هل الحوار سيكون بالداخل ام الخارج؟

ـ رئيس التجمع موجود بالخارج وبالطبع فان اللقاءات ستكون بالخارج.

* كثر اللغط حول زيارة قرنق الاخيرة للقاهرة ما سر هذا الاقبال المفاجئ؟

ـ هدف الزيارة من اجل تحقيق سلام عادل واجماع وطني وترتيبات جديدة تكون محل رضا السودانيين واجماعهم.

* البعض اعتبرها محاولة مصرية لجمع البشير وقرنق بتزامن زيارتهما؟

ـ التزامن كان صدفة وطالع حسن..

* هل تمت مدارسة موضوع مشاركة مصر في المفاوضات المقبلة؟

ـ مصر مشاركة في المفاوضات بكل ثقلها ووزنها..

* اعني المشاركة بوفد مباشر؟

ـ هي مشاركة بشكل اكثر فاعلية من كثير من المباشرين انفسهم.. وعليك ان تقرأ تحركات مصر الاخيرة بدقة؟

* انتم على اعتاب الجولة الخامسة ما هي توقعاتكم بالنسبة لتحقيق سلام دائم وشامل وعادل في يونيو (حزيران) كما قال البشير وقرنق؟

ـ اولا هي الجولة السادسة.. وليست الخامسة.. لان الجولة التي انسحبت منها الحكومة في سبتمبر (ايلول) البعض يخصمها من المفاوضات. ومنذ ماشاكوس لم نحرز تقدما في القضايا الخلافية.

* هل يمكن ان تحدد تفصيلا نقاط الخلاف الحالية؟

ـ بالنسبة للسلطة هناك 8 قضايا اهمها موضوع العاصمة القومية، والرئاسة، ونسب المشاركة في الجهازين التنفيذي والشريعي. وفي مجال الثروة فان اهم القضايا المتبقية هي توزيع عائدات البترول والنظام المالي والبنك المركزي والعملة. وهناك القضايا الاخرى هي المناطق المهمشة الثلاث والترتيبات الامنية التي بدونها لن يتم اتفاق. وباتت القضايا واضحة الان وتحتاج الى قرارات صعبة من النظام وعليه اتخاذها لان ماشاكوس هي افضل الخيارات التي تبقت له.

* وكيف ترون تحديد يونيو (حزيران) المقبل لاحراز السلام؟

ـ التحديد مضر.. وسنبذل اقصى جهد من دون ان نضع مواعيد.. وكأننا نتعامل مع كرة قدم.

* الخرطوم اعتبرت قضية العاصمة حسمت في ماشاكوس الاولى ولا مجال لمناقشتها مرة اخرى؟

ـ القضية لم تحسم بعد.. والعاصمة القومية ستكون عاصمة لكل السودانيين فهي ليست جزءا من الشمال او الجنوب واذا لم يتفق السودانيون على عاصمة موحدة لن يتفقوا على بلد موحد.. ومن هنا تكمن اهميتها.. ولا سبيل للتهرب منها.. ولا مناص من حلها. ونحن لا نسعى لعاصمة خالية من الاخلاق كما يتصور البعض، ولكننا نسعى لعاصمة مثل القاهرة والرباط مليئة بالمآذن والقباب والكنائس وكريم المعتقدات. يجب ان تعود الخرطوم كما كانت في عهد السيدين علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي فهل يشك احد في اسلامهما.

* هناك حديث عن خلافات حول توزيع القوات، وتنظيم الشرطة، والخدمة المدنية؟ ما مدى صحة هذه الانباء؟

ـ نعم توجد خلافات فالنظام يتحدث عن جيش واحد في الفترة الانتقالية.. ونحن نتحدث عن جيشين حتى يتم حق تقرير المصير فاذا اختار الجنوبيون الوحدة، فسنبني جيشا واحدا على اسس جديدة.. جيش لا ينتمي لاي حزب ويمثل كل السودانيين، ضمن خطة دفاعية جديدة. فالجيش الحالي تابع للجبهة الاسلامية بعد فصل اكثر من 5 الاف ضابط.

* هل صحيح انكم طالبتم بحل قوات الدفاع الشعبي والشرطة الشعبية؟

ـ قوات الدفاع الشعبي قوات حزبية تقوم عقيدتها على الجهاد، وبعد السلام لا حاجة للمجاهدين والدبابين الذين افسدوا الحياة العامة وصعدوا من النعرات الدينية والعرقية.

* هل تناقشون قضايا مثل الهوية العربية والعلاقات الخارجية وانتماءات السودان لمنظمات اسلامية وعربية مثلا؟

ـ الترتيبات الدستورية والقانونية والاقتصادية والسياسة تخاطب هذه القضايا.. وهي لا تهدف لالغاء مكونات السودان وهويته بل تهدف لهوية السودان واسهامه في العالمين العربي والاسلامي والافريقي.

* لماذا تأخر مؤتمر الحركة الثاني؟

ـ قبل اسبوعين تم تشكيل لجنة تسيير بقيادة جيمس وانيقا سكرتير عام الحركة كما تم تشكيل لجنة ادارية ولجنة موارد لوضع الخطط والتحضير للمؤتمر الثاني الذي يهدف الى تحويل الحركة الشعبية الى حركة جماهيرية عريضة من نمولي الى حلفا ومن الجنينة الى كسلا وتأهيلها لمجابهة تحديات ما بعد السلام.

* هل تحتفظون باسم «تحرير السودان»؟

ـ هذا ما سيناقشه المؤتمر.