ضباط الجيش العراقي ينظمون مسيرة للمطالبة برواتبهم ويهددون بتجميع قوات ومحاربة الأميركيين إذا لم يستجيبوا

TT

كان الضابط برتبة عقيد في الجيش العراقي السابق سليم ياسين يصرخ في نوبة غضب شديد في ما يبدو محاولا التعبير عن وجهة نظره الخاصة خلال احتجاج نظمه عسكريون سابقون ضمن سلسلة الاحتجاجات التي تنظمها مختلف الفئات العراقية على نحو يومي تقريبا في وقت بات العراقيون يمارسون فيه حرية التعبير والتنظيم ويحاولون إسماع صوتهم عاليا بعد سنوات من القمع والحجر على الحريات والحقوق. كان العقيد ياسين يصرخ مهددا بأن الجيش العراقي سيقاتل اذا لم تتمكن الحكومة الاميركية من حل مشاكله مؤكدا انه لا يهم حتى اذا مات نصفه. شارك العقيد ياسين مع حوالي 100 ضابط آخر في سلسة من الاحتجاجات يوميا وعلى مدى عدة أيام أمام نادي ضباط القوة الجوية، الذي تعرض لعمليات السلب والنهب والواقع على مقربة من وسط العاصمة بغداد. قال ياسين انه ورفاقه لا يستطيعون الانتظار طويلا مهددا بإعادة تنظيم صفوفهم لتنفيذ هجمات انتحارية «او أي شيء آخر»، على حد قوله وأكد العسكريون العراقيون المحتجون انهم ليسوا ضد الاحتلال الاميركي، لكنهم قالوا انه لم يعد بوسعهم تحمل هذا «التجاهل المذل»، فقد طالبوا بالحصول على المرتبات ومعاشات التقاعد التي قال بعضهم انهم لم يستلموها منذ فبراير (شباط) الماضي، كما طالبوا بتوفير مياه نقية للشرب وإعادة التيار الكهربائي.

ويقول المقدم علي مهدي، الذي اوضح انه كان قائد وحدة للدبابات تابعة للفرقة الخامسة بالجيش العراقي السابق، ان ما يحدث حاليا ليست بأية حال النتيجة التي يستحقونها. وأضاف مهدي انه انقذ خلال الحرب جنديا اميركيا جريحا، لكنه اشار الى انه الآن على استعداد لإعادة تجميع وحدته العسكرية خلال خمسة ايام للقتال مجددا. اما ب. كامل، وهو مهندس شارك في إنتاج صواريخ موجهة للنظام العراقي السابق، فقد حذر صحافيا اميركيا بأن الاوضاع اذا استمرت على هذا المنوال فإنها ستؤدي الى «إفراز ارهابيين».

وظل العسكريون العراقيون الذين تجموا في نادي القوات الجوية، حيث يقف تمثال لمقاتل عراقي على حطام طائرة ايرانية اسقطت خلال الحرب العراقية-الايرانية، يناقشون ما يجب اتخاذه من خطوات. ويرى بعضهم انه لا بد من المضي قدمها في قضيتهم مع إظهار القوة، فيما يرغب كثير منهم في التوجه فورا الى المقر الرئيسي للجنرال الاميركي المتقاعد جاي غارنر، مسؤول عمليات الإغاثة وإعادة الإعمار. وحاول ضابط الشرطة العراقي المتقاعد صبيح العزاوي تهدئة الاوضاع سعيا لإيصال مشاكل المحتجين بهدوء ووضوح الى المسؤولين الاميركيين، وقال مخطابا الضباط المتجمعين ان «العراقيين يعانون من الجوع ولكن كرامتهم لا تسمح لهم بالتسول»، كما نصحهم بتأجيل الموكب الذي يعتزمون تسييره الى مقر جاي غارنر، اذ ان احتشاد عسكريين، حتى اذا لم يحملوا سلاحا او يرتدوا زيا عسكريا رسميا، واندفاعهم نحو القوات الاميركية من دون انذار سابق يعتبر امرا غاية في الخطورة.

وقال المحتجون ان الكثير من الجنود الذين كانوا تحت قيادتهم رفضوا القتال عندما دخلت القوات الاميركية العاصمة بغداد الشهر الماضي، لكنهم باتوا يشعرون بالغضب الآن تجاه الاميركيين المسؤولين عن مكتب إعادة الإعمار والمساعدات الانسانية الذي يتخذ من احد قصور صدام حسين على نهر دجلة مقرا له. ويعتقد ضباط عراقيون ان حركة الاميركيين تميزت بالبطء في ما يتعلق بالاتصال بالعناصر التي لم تعارض الحملة العسكرية الاميركية لإسقاط النظام السابق داخل الجيش العراقي وفي القطاع العام. وتساءل بعضهم عن السبب في عدم مقابلة غارنر لهم خصوصا وانهم عسكريون مثله، كما يقولون. وصاح العقيد ياسين منفعلا «نرفض التخلص من الجيش العراقي او تخفيض حجمه، سندافع عن مستقبل بلادنا».

اما العزاوي، 58 سنة، فان اسلوبه يتسم بالهدوء والتروي، فقد قال للعسكريين انه لا بد من ايجاد سبيل لكي يدرك غارنر والفريق العامل معه ان ضباط الجيش العراقي السابق يريدون مساعدتهم وانهم يؤيدون الديمقراطية. وقال ضابط آخر ان ثمة حاجة الى قائد او شخص يتلقون منه التعليمات، وفي عملية تصويت تلقائي برفع الايدي وقع الاختيار على العزاوي رغم انه لم يكن عسكريا في الجيش العراقي. وأوضح العزاوي انه ظل على مدى اسابيع يحاول لقاء غارنر والمسؤولين الاميركيين الآخرين، كما ظل يبلغ الجنود الاميركيين الذين يحاول الوصول عبرهم الى المسؤولين بأن لديه «معلومات مهمة» يريد ابلاغها للجيش، إلا ان الاجراءات البيروقراطية حالت تماما دون لقائه غارنر او المسؤولين الآخرين. وقال العزاوي ان اقوى دليل على ما يقول هو الصورايخ التي لا تزال موجودة في حي الدورة حيث يسكن. واصطحب العزاوي مراسلا لـ«واشنطن بوست» ومصورا عبر منطقة سكنية تعرضت لنيران القصف الاميركي قبل سقوط العاصمة بغداد وتضم معهدا دينيا اسسه كلداني. وتوجد خلف جدار سكن الطلاب التابع للمعهد الديني خمسة صواريخ بيضاء طول الواحد منها حوالي 30 قدما لا تزال على منصات الإطلاق المتنقلة. ويمتد خط الصواريخ الى ما يزيد على مائة ياردة وقال السكان ان هذه صواريخ ارض ـ جو. كما اكدوا انهم رأوا صواريخ «سام» والصمود» وآليات حربية اخرى وضعت داخل مبنى سكني لطلاب المدرسة الدينية الكلدانية وحذر العزاوي من ان المنطقة مزروعة بالالغام، واشار الى ان الالغام الارضية تسببت في مقتل وإصابة عدد من سكان المنطقة. وعلى مقربة من المكان نظمت مجموعة من الشباب مباراة في كرة القدم وكانوا ينطلقون الى داخل الحقل بصورة متكررة لإعادة الكرة منه. ويقول ابو علاوي، الذي كان يمشي بحذر الى جانب الصواريخ، ان الكثير منها جلب الى المنطقة مع بداية الحرب وان الكثير من الصواريخ اطلق من هذا الموقع. ويبدو هناك ايضا جهاز رادار متنقل أمام جدار اسمنتي يحيط بالمجمع الديني ارتفاعه حوالي عشرة اقدام وقال العزاوي انه حاول ان يبلغ الاميركيين بأنه على الرغم من إطاحة صدام فإن الخطر لا يزال قائما، اذ لا بد من السيطرة، حسب قوله على الجيش الذي لا يخضع للسيطرة حاليا.

وقدم بعض السكان ملفا عسكريا حول قوات تابعة لوحدة دبابات بالفرقة الثانية للحرس الجمهوري. تفحص العزاوي الملف وقال متسائلا: «هل تصدقون الآن العسكري الذي قابلتموه؟ وقال ان بوسعه تجميع الدبابات والاسلحة في ظرف خمسة ايام؟ وفي منزله عرض العزاوي عريضة موقعة من 76 شخصا كتبوا عليها اسماءهم ورتبهم قال انهم يسعون من خلالها الى الحصول على مساعدة الاميركيين، وأضاف ان المزيد من العسكريين كانوا يعتزمون التوقيع على العريضة لولا ضيق الوقت.

كما سيسلم العزاوي بيانا وزع صباحا وتساءل عما اذا كان من الممكن ايصاله الى غارنر. وجاء فيه: «الى كل اعضاء الجيش العراقي... اجتمعنا يوم 12 مايو (آيار) الجاري عند الساعة العاشرة صباحا بنادي ضباط القوة الجوية، ونعتزم التوجه الى المقر العسكري الرئيسي للقوات الاميركية لحل مشكلة مرتباتنا وحقوقنا وايضا لمناقشة مستقبل الجيش العراقي». ويؤكد العزاوي ان الموكب سيكون سلميا حسب الخطط الموضوعة حتى الآن.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»