بوش يجعل إنشاء منطقة تجارة حرة بين أميركا ودول الشرق الأوسط محور سياسته للسلام

مسؤولون يتوقعون التحاق البحرين قريبا بدول المنطقة المرتبطة باتفاقية تجارة حرة مع أميركا

TT

دعا الرئيس الاميركي جورج بوش الى اقامة منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة ودول منطقة الشرق الاوسط من اجل تشجيع العالم العربي على الحريات وتحفيز الاسرائيليين والفلسطينيين على القبول بالسلام والعيش في دولتين مستقلتين. وجاءت هذه الدعوة انطلاقا من قناعة بوش بان الرخاء هو المفتاح لتحقيق السلام في المنطقة، ولذلك فانه يجعل انشاء منطقة التجارة الحرة محور سياسته للسلام.

وقال بوش اول من امس، امام 1200 خريج دراسات عليا في جامعة ساوث كارولاينا: «في شتى انحاء العالم لعبت التجارة والاسواق دوراً في هزيمة الفقر، كما علّمت الرجال والنساء تقاليد الحرية، لذلك فانا اقترح إنشاء منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة والشرق الاوسط خلال عقد واحد لجلب المنطقة الى دائرة واسعة من الفرص ولمنح الامل لاولئك الناس الذين يعيشون في المنطقة».

وتأتي مبادرة بوش كبداية تحول كبير في الادارة الاميركية باتجاه ان تلعب القوة الاقتصادية الاميركية مع ما تتضمنه من نفوذ دبلوماسي وعسكري للدفع باتجاه انهاء العنف والارهاب في المنطقة. وهذه المبادرة هي اعتراف ضمني بان الفقر والحكم المطلق في العديد من البلدان العربية الصديقة للولايات المتحدة يشكلان ارضا خصبة لتفريخ الارهاب. وقال بوش ان «الطريق الى الامام يعتمد ايضا على خدمة مصالح الحياة بدلا من مواصلة تصفية حسابات الماضي». واستخدم بوش في خطابه ايضا تعبيرا قويا لم يسبق له ان استعمله لوصف رؤيته في تكوين دولة فلسطينية مستقلة. وقال في هذا الخصوص: «اذا اتخذ الشعب الفلسطيني خطوات ملموسة للجم الارهاب واستمر في السير بطريق السلام والاصلاح والديمقراطية، فانه والعالم اجمع سيرى العلم الفلسطيني مرفوعا فوق وطن حر ومستقل».

وسبق للادارة الاميركية ان نشرت «خريطة الطريق» التي كانت موضع انتظار طويل لتحقيق السلام في الشرق الاوسط. وتدعو هذه الخطة الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي الى اتخاذ خطوات معينة لتحقيق السلام واقامة دولة فلسطينية على مراحل. وتسلم الطرفان خطة السلام ببرود، ويعتقد المراقبون انها لن تحقق تقدما ملموسا بدون التزام الرئيس الاميركي بتحقيقها ومشاركته بشكل عميق في العملية السلمية. وسبق لبوش ان اعطى تعهدات من هذا النوع في الجلسات الخاصة لكنه كررها بشكل علني اول من امس، قائلاً: «ستعمل اميركا بدون كلل لتحقيق وجود دولتين هما اسرائيل وفلسطين تعيشان جنبا الى جنب بأمن ورخاء وسلام».

من جانبهم، قال المسؤولون الاسرائيليون انهم لن يقدموا تنازلات حتى تتوقف العمليات «الارهابية» الفلسطينية. لكن بوش قال بشكل واضح انه يتوقع ان يبدأ الطرفان باتخاذ اجراءات فورية. فاسرائيل حسبما جاء في خطاب بوش «يجب ان تقوم بخطوات ملموسة الآن للتخفيف من معاناة الفلسطينيين وأن تظهر احترامها لكرامتهم، ومع تحقق تقدم في المسار السلمي، يتعين على اسرائيل ان توقف نشاطاتها في بناء المستوطنات داخل الاراضي المحتلة».

وقال بوش انه بدأ في التسريع بالعمل الدبلوماسي عن طريق ارسال وزير خارجيته كولن باول الى المنطقة اول من امس. وصرح البيت الابيض كذلك ان رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون سيزور واشنطن ويلتقي بوش يوم 20 مايو (ايار) الجاري.

ويمكن اعتبار دعوة بوش لتحويل الشرق الاوسط الى منطقة تجارة حرة وازالة كل الحواجز التجارية الاخرى توسيعاً لوجهة نظره التي ترى ان افضل طريق لمكافحة الارهاب هي تعزيز الديمقراطية في العالم الاسلامي. وقال الرئيس الاميركي: «الحكومات الحرة لا تصنع اسلحة دمار شامل لغرض اعمال ارهابية شاملة. ومع الوقت يصبح توسيع مدى الحرية عبر بلدان العالم اجمع الضمانة الافضل للأمن في شتى انحاء العالم. الحرية هي الطريق للسلام».

كذلك، انتقد بوش المتشككين في اقامة الديمقراطية في البلدان الاسلامية، وقارن قناعات من هذا النوع بتلك التي ظهرت في الماضي، والتي اعتبرت ان الالمان واليابانيين والروس غير قادرين على تحقيق الديمقراطية. واضاف بوش ان «كل معلم من معالم الديمقراطية خلال الستين سنة الاخيرة، اعتُبر مستحيلاً حتى آخر لحظة قبل تحققه. يقدم تاريخ العالم الحديث درسا جيدا للمتشككين: لا تراهنوا ضد نجاح الحرية».

يذكر ان للولايات المتحدة اتفاقيات للتجارة الحرة مع اسرائيل والاردن. وحسب خطة بوش، ستسعى واشنطن الى عقد اتفاقيات مماثلة مع البلدان العربية الراغبة في اتخاذ خطوات نحو الانفتاح والمراقبة الشعبية. وحين تلبي مجموعة كبيرة من هذه البلدان اتفاقيات من هذا النوع، ستبادر الولايات المتحدة لوضعها ضمن تحالف تجاري حر واحد.

ولا بدّ ان تكون مفاوضات من هذا النوع متعبة جدا على الرغم من ان الولايات المتحدة قد حققت تقدماً في إقناع عدة بلدان من منطقة الشرق الاوسط بمواصلة الخطوات ضمن تحرير التجارة. واعترف المسؤولون في ادارة بوش ان تحويل الشرق الاوسط الى منطقة تجارة حرة مهمة صعبة للغاية. وقال احد المسؤولين الاميركيين: «لديك بلدان تتدرج من دول الخليج الثرية التي لا تعمل اي شيء سوى استخراج النفط الى بلدان فقيرة جدا مثل مصر وغيرها».

لكن ادوارد غريسر مدير السياسة التجارية في معهد السياسة التقدمية الذي يعد واحدا من مراكز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن يعتقد ان فوائد كبيرة يمكن تحقيقها في فترة قصيرة. وقال انه منذ وافق الاردن على فتح اقتصاده للولايات المتحدة في اواخر التسعينات تنامت صادراته من 500 الف دولار في الشهر الى 40 مليون دولار شهريا، اي بزيادة 80 مرة وزيادة 40 الف وظيفة جديدة. والرسالة التي يمكن تسلمها من سياسة الرئيس بوش الجديدة، حسب راي غريسر، هي ان «المشاكل الاقتصادية في العالم الاسلامي لها تأثير كبير على السياسة، وان علينا ان نقوم بشيء ما حول ذلك».

لكن ليس واضحا ما اذا كان هناك استعداد لاتفاقيات من هذا النوع في العالم العربي. وحدد مسؤول حكومي كبير بلدا عربيا واحدا هو البحرين بكونه راغبا في الدخول في اتفاقية من هذا النوع. وكانت هناك بعض الدول العربية قد دخلت في السابق في مفاوضات مع الولايات المتحدة بهدف تحرير التجارة، الا انها فقدت اهتمامها لاحقا مما ادى الى انهيار المفاوضات.

ويفترض، ان تشترط الاتفاقيات الثنائية والجماعية الخاصة بالتجارة الحرة، تخلي الدول العربية عن مقاطعة اسرائيل. وقال غريسر ان الادارة تبدو على قناعة بان «خريطة الطريق» ستنهي النزاع العربي ـ الاسرائيلي قبل تحقق اي حلف تجاري اقليمي.

وفي خطابه، حاول بوش ان يعدد الفوائد التي يمكن تحقيقها في حال تحقق مقترحه بخصوص التجارة الحرة عن طريق وصف تفصيلي للوضع الاقتصادي المزري في منطقة الشرق الاوسط. وقال بوش: ان «مجموع الانتاج المحلي الاجمالي لكل البلدان العربية اقل مما هو في اسبانيا. واستخدام شعوبها للانترنت اقل من استعمال شعوب افريقيا الواقعة الى جنوبي الصحراء. وللعالم العربي تقاليد حضارية عظيمة لكنها مفقودة في مجال التقدم الاقتصادي لعصرنا».

ويمكن القول ان اقتراح بوش ببناء شرق اوسط مزدهر اقتصاديا عن طريق تحويله الى منطقة تجارة حرة مع حلول سنة 2013، يتأتى من خلال الغاء الرسوم الجمركية والعوائق الاخرى الموضوعة امام السلع المستوردة من العالم العربي وهذا سينشط الاستثمارات في منطقة الشرق الاوسط ويزيد من سوق العمالة فيها.

من جانب آخر، قال بعض الاقتصاديين ان الفائدة التي ستحققها الولايات المتحدة من هذا الحلف التجاري قليلة ولا تتعدى «الاستقرار السياسي» حسبما قال غاري هوفباوير، المدرس بمعهد الاقتصاد الدولي. واضاف هوفباوير: «اذا تحقق ذلك فان تصدير النفط من المنطقة سيكون في وضع اكثر استقرارا من اتباع اي طريقة اخرى». كذلك سيساعد هذا الاتفاق التجاري على تقليص ما تدفعه الولايات المتحدة من مساعدات مالية ضخمة لمصر واسرائيل والذي يتراوح بين 3 و4 مليارات دولار سنويا.

وقال ويل مارشال رئيس معهد السياسة التقدمية انه يعتقد ان تنفيذ هذا الاقتراح «سيكون بطيئاً بسبب الوضع الشديد الاضطراب». لكنه قال ان خطة بوش تمتلك طاقة ايجابية لـ«تحويل المناخ الذي يزدهر وسطه الارهاب والتطرف الاصولي».

* خدمة «واشنطن بوست» و«لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»