الحكيم لدى عودته إلى العراق يحدد 4 أولويات ويؤكد أن قواته قادرة على ضبط الأمن إذا سمحت لها القوات الأميركية

TT

عاد آية الله محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية امس الى العراق بعد 23 عاما قضاها في المنفى في ايران ليشارك في رسم خريطة عراق ما بعد صدام حسين. وكان عشرات الالاف من مؤيديه في استقباله في البصرة ولوحوا بالاعلام وهتفوا بشعارات شيعية حين عبرت قافلته الى العراق من ايران من نقطة الشلامجة الحدودية. وتقدم مستقبلي الحكيم حوالي 20 من رجال الدين من المجلس الاعلى. ودخل الزعيم الشيعي، 63 عاما، العراق بحماية عشرات العناصر من «فيلق بدر»، الجناح المسلح للمجلس، في اللباس المدني، وقد احاطوا بسيارته من كل الجهات. ونحرت الخراف ترحيبا بعودته.

وحاول كثيرون ممن اخذتهم الحماسة لمس سيارته بينما انخرط اخرون في دق صدورهم في اشارة شيعية تقليدية. وغمرت دموع الفرح عيون البعض في المنطقة الحدودية على مسافة 20 كيلومترا من مدينة البصرة. وقال محمد العمراياني من البصرة «قدمت عائلة الحكيم كثيرا من الشهداء. انه يستحق ترحيبنا بعد 23 عاما بالخارج. انه حق جميع العراقيين ان يعودوا الان بعد سقوط صدام حسين». وقال الحكيم الذي سجن وعذب في السبعينات بسبب معارضته لصدام انه سيؤدي اي دور يطلبه منه الشعب العراقي وانه يفضل حكومة ائتلافية موسعة منتخبة بأسلوب ديمقراطي لتحل محل صدام الذي اطاحت به قوات قادتها الولايات المتحدة في حرب بدأت في 20 مارس (آذار) الماضي.

واعلن الحكيم ان قواته قادرة على «ضبط الامن» في العراق لو تركت قوات التحالف لها مهمة القيام بدور امني. واضاف في حديث لقناة «العربية» الفضائية في ايران قبل توجهه الى جنوب العراق ان «القضية الامنية في العراق هي الاولوية الاولى» التي يجب العمل على تحقيقها. واضاف «نستطيع ان نحقق الامن لو تركت لنا قوات التحالف الامر ولم تتدخل في شؤون العراق». وفيلق بدر الذي كان يتمركز في ايران ويضم نحو عشرة الاف مقاتل هو الجناح العسكري للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية. وقد عاد قسم كبير منه الى العراق بعد سقوط النظام العراقي. الا ان القوات الاميركية تنظر اليه بتشكيك وتؤكد انها تراقبه عن كثب لعلاقته بالحرس الثوري الايراني.

وبعد ان اعتبر الحكيم انه من موقعه «كعالم دين» يتحمل «مسؤوليات شرعية ودينية وسياسية تجاه الشعب العراقي»، حدد اربع اولويات لا بد من تحقيقها لحل مشاكل مرحلة ما بعد صدام حسين. واوضح ان الاولوية الاولى هي العمل على حل مشكلة «الاوضاع الحياتية والامن». وقال ان «القضية الامنية هي الاولوية الاولى ولا يوجد حاليا امن في العراق». واكد «نستطيع ان نحقق الامن لو تركت قوات التحالف الامر لنا ولم تتدخل في شؤون العراق». اما المشكلة الثانية فتتمثل في ان «بقايا النظام ما زالوا يعيثون فسادا ويعملون على تدمير البنية التحتية للعراق»، بينما تتعلق المشكلة الثالثة «بوجود القوات الاجنبية في العراق، وهي مشكلة كبيرة جدا لا بد من معالجتها». والمشكلة الرابعة هي العمل على «تحكيم ارادة الشعب العراقي في قيام نظام ينتخبه ابناء الشعب العراقي ويمثل الشعب العراقي بسنته وشيعته واكراده وتركمانه وحتى اقلياته الدينية».

وهاجم الحكيم بشدة النظام العراقي السابق قائلا ان «عشرات الالاف من العراقيين فقدوا خلال حكم البعث الكافر والبائد لا سيما في عهد نظام صدام حسين». واضاف ان «28 شخصا من عائلتنا استشهدوا بينهم خمسة من المجتهدين الكبار بينهم اخي الاكبر محمد رضا الحكيم الذي فقد في الانتفاضة (الشيعية عام 1991)». كما اوضح ان «185 عالما وفاضلا ومدرسا من النجف الاشرف قتلوا» ايضا في الانتفاضة حيث «حصلت ابادة بشرية ضد الحوزة العلمية ورفع شعار لا شيعة بعد اليوم». وكشف ان نظام صدام حسين «هدم ايضا 350 مؤسسة بينها مدرسة دار الحكمة في النجف الاشرف ومدارس اخرى في كربلاء والديوانية والحلة».

وكان من الطبيعي ان ينتقل محمد باقر الحكيم الذي اعتقل مرتين في السبعينات، الى ايران في 1980 بعد اغتيال النظام البعثي لرفيقه آية الله محمد باقر الصدر. وفي 1983، اوقفت الشرطة العراقية 125 من افراد اسرته قبل ان تقتل 29 منهم. وفي 1988 قتل عملاء للنظام العراقي شقيقه مهدي الحكيم في السودان. وترى اسرته اليوم بعد شهر من فتح السجون العراقية ان الافراد الـ18 الآخرين في اسرته الذين لم تتلق اي معلومات عنهم، قتلوا. ويقول محسن الحكيم ابن شقيقه ان «النظام العراقي قتل ستة من اشقاء آية الله الحكيم بينما قتل سابع في حادث سير وتوفي ثامن بعد ان افرجت عنه الشرطة». اما محمد باقر الحكيم نفسه فقد نجا في السنوات الـ23 الاخيرة من سبع محاولات لاغتياله وتم تعزيز حمايته بشكل كبير منذ اندلاع الحرب. وفي ديسمبر (كانون الاول) 1982، شارك الحكيم في تأسيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق الذي كان يقوده اولا آية الله هاشمي شهرودي الرئيس الحالي للسلطة القضائية في ايران. وانتقلت قيادة التنظيم الى الحكيم في .1984 وفي الوقت نفسه، شكل التنظيم «فيلق بدر» الذي يقوده محمد باقر الحكيم شخصيا وتتهم الولايات المتحدة ايران باستخدامه لعرقلة الجهود الاميركية في العراق. وسيكون على الحكيم التعامل مع الوجود الاميركي الذي لم يكف عن ادانته ووصل حتى تهديد الولايات المتحدة بمقاومة مسلحة. ولن يقصر الاميركيون في مراقبته خاصة انه دعا في «رسالة الى الشعب العراقي» في بداية الحرب الى «العمل بجد لفرض قواعد الشريعة وادراجها في الحياة الاجتماعية والسياسية للعراق المقبل». وسيكون الاهتمام الاميركي كبيرا لان الحكيم يمكن، على حد قول مصادر في المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، ان يترك لشقيقه عبد العزيز الحكيم الموجود في بغداد قيادة هذه المنظمة. واوضحت هذه المصادر ان الامر يتعلق بالنسبة له بالتركيز على دوره «كزعيم سياسي وروحي» للشيعة. وردا على سؤال منذ اسابيع عما اذا كان يفكر ان يصبح «خميني العراق»، قال الحكيم مبتسما انه ليس سوى «احد جنود» الثورة الاسلامية في العراق. ولكن رغم اللهجة الحادة لخطاباته التي يفترض ان ترضي قاعدته الشعبية، يبقى شقيقه عبد العزيز الحكيم على اتصال دائم مع الولايات المتحدة. ففي الاول من مايو (أيار) التقى عبد العزيز الحكيم في بغداد مدير الادارة المدنية الاميركية في العراق جاي غارنر الذي اعلن اخيرا قرب تشكيل حكومة مؤقتة تضم معارضين سابقين من بينهم عبد العزيز الحكيم. ويتوجه الحكيم اليوم الى النجف مع توقف في الناصرية على ان يواصل في الايام التالية زيارته الى كربلاء ثم بغداد، حسبما اعلن السيد حسين الحسيني مسؤول المجلس الاعلى في البصرة الذي اعلن ايضا ان الحكيم سيستقر في النهاية في النجف.

واعلن الحكيم في كلمة القاها امام عشرات الآلاف من انصاره في ملعب رياضي في البصرة «نريد الاستقلال ولا نريد حكومة مفروضة». واضاف وسط هتافات الحشود «ان العراقيين لا يحتاجون احدا لمساعدتهم لبناء الحكومة الجديدة». وتابع «نريد ان يحكم الشعب نفسه بنفسه، نريد حكومة ديمقراطية، نريد حكم الشعب للشعب».

وتابع الحكيم «نريد حكومة تمثل المسلمين جميعا شيعة وسنة، وتمثل المسيحيين ايضا وكل طوائف العراق ليتمثل جميع ابناء الشعب». واضاف «ان اولوياتنا هي وحدة الكلمة ونحن في خدمة المرجعية لتتوحد العشائر». وقال «نعم نعم للعشائر، يا مجاهدينا الأبطال اتحدوا في كلمتكم لتكونوا كلمة واحدة وموقفا واحدا، لقد كنتم على استعداد لمقاومة الاستبداد واستعدوا الآن لبناء العراق».

وفي هجوم على حزب البعث وقادة النظام السابق قال الحكيم «ايها الاخوة علماءنا وسادتنا، انتم لا تقبلون ان يعيش بقية ازلام النظام بين العراقيين، نحن نرفض الوجود البعثي بين أبناء الأمة». واضاف في اشارة الى الاميركيين والبريطانيين «ليتركوا العراق للعراقيين وسيجدون ان العراقيين يستطيعون ان يحققوا الأمن وأن يحموا العراق». وتابع ان «جهادنا الآخر هو جهاد الأمن والبناء بعد جهاد الطغيان (...) ويجب ان تكون المسيرة مستقلة». واضاف الحكيم «كما قلت في السابق نعم نعم للحرية، نقول الآن نعم نعم للاستقلال ولجميع فئات الشعب من عرب وكرد ومسيحيين ومسلمين، نحن نريد العدالة للجميع ولا نقبل غير العدالة».

وأشار الحكيم بالاسم الى اثنين من المرجعيات الكبيرة في النجف قائلا «اشكر آية الله السيستاني، وآية الله محمد سعيد الحكيم، وجميع المراجع وأشكر العلماء ومنهم الشهيد محمد صادق الصدر وجميع العراقيين الذين استجابوا لنداء الشهادة». كما وجه اخيرا الشكر الى «الجمهورية الاسلامية الايرانية التي احتضنتنا ولجميع الدول العربية والغربية التي ساعدتنا، والى سورية بشكل خاص على موقفها».